قصة منتصف الليل.. «فاطمة» سيدة هرب زوجها فأصبح صغيرها رجلا
الخميس، 14 فبراير 2019 11:00 مإسراء بدر
خرجت «فاطمة» من منزلها بعيون دامعة تلتفت هنا وهناك تبحث عن فلذة كبدها بين الأطفال المنتشرين في الشوارع والحواري بالمنطقة، بلهفة وقلب يرتجف انتبه الأهالي للسيدة الثلاثينية البسيطة التي ظهرت علامات الشقاء على ملامح وجهها وحالتها المادية التي ظهرت على جلبابها الممزق، حاولوا مساعدتها فأبلغتهم بكلمات متلعثمة عن استقبالها مكالمة هاتفية من مدرسة طفلها الذي لا يتعدى عمره (10) سنوات تؤكد فيه عدم حضوره على مدار أسبوعين رغم خروجه يوميا بالزى المدرسي بنية الذهاب إلى المدرسة.
سألها الأهالي عن ملامحه فبدأت تصف لهم ملامحه الملائكية وتفاؤله في المرور من أزمتهم المالية في أقرب وقت، فتحرك الجميع لينتشروا في أماكن مختلفة ليبدأ كل منهم في رحلة البحث عن الطفل الملائكي وظلت تبحث «فاطمة» في كافة الأماكن ومع كل خطوة يرتعش قلبها قلقا، وبعد ما يقرب من (5) ساعات من البحث المتواصل وقعت عيناها على قميص ملقى على الأرض أشبه بقميص الزى المدرسي الخاص بطفلها فأسرعت لالتقاطه والتفتت على يمينها لتجد ورشة لتصليح السيارات وفجأة وقف طفل كان نائما أسفل إحدى السيارات ملامحه مشوهة من آثار الشحوم والزيوت الخاصة بالسيارة ولكن مهما اختفت ملامحه فقلبها كأم انتعش فور رؤيته.
فهو ابنها الذي أوشكت على الموت من شدة القلق عليه فألقت تعبها وخوفها جنبا واحتضنته باكية بصوت مسموع وصراخ «أبني..أبني» فانتبه العديد من الأهالي الذين حاولوا مساعدتها في البحث عن طفلها وتجمع العشرات حولها متأثرين من المشهد حابسين دموعهم في أعينهم، وبعد دقائق بدأت «فاطمة» تسأل طفلها بهدوء أمام الجميع عن سبب وجوده بالورشة وغيابه عن المدرسة فأخبرها عن إرادته في أن يسد الفجوة التي تركها والده بعد هجره لهما دون مساعدة في المصاريف الحياتية، أخبرها عن رجولته وقدرته على أن يكون سندا لها لمساعدتها في الوقت الذي لم تجد فيه مساعد فاضطرت للخدمة في البيوت نظير مقابل مادي بسيط تسد به احتياجاته.
انبهرت «فاطمة» بكلمات ابنها وبداخلها تساؤل كيف لطفل صغير يفكر بهذه الطريقة رغم محاولاتها المستميتة بألا تشعره بضيق وما يقع على عاتقها من مسؤولية بعد هجر زوجها لها والزواج بأخرى بحثا عن الأموال واستطاع أن يجد سيدة ميسورة الحال تساعده في الوصول لأحلامه ونسى أمر طفله وزوجته الأولى وكأنهما صفحة مزقها من حياته، ويحاول الطفل حاليا أن يحل محل مكان والده بقدراته البسيطة ولكن إرادته كانت أقوى من جسده الهزيل وعمره الصغير فاحتارت في أمره ولكن قطعها في التفكير صوت ابنها وه يقول: «أنا لسه صغير في نظرك يا أمي لكن أنتي أكبر بكتير من أني أقف أتفرج عليكي وأنتي بتتعبي وتتبهدلي في البيوت أدام عنيا وكان لازم أعمل حاجة عشان أساعدك بأي طريقة».
أمسك الطفل الصغير بيد أمه ووضع عليها قبلة حنونة وهو يخبرها بأن هذه اليد أنقى من أن تزيل الأوساخ من أسطح المنازل مقابل الأموال وإذا كان لا بد من التصرف فهو من يعمل لينفق عليها والمنزل وتعيش هي معززة مكرمة تبث حنان وحب في المنزل كعادتها وتنعم براحة جسدية ونفسية بعيدا الشقي الذي عاشته طوال سنين زواجها وبعدها غياب الزوج، التزمت «فاطمة» الصمت ولم يستطع لسانها الحديث بكلمة ولكنها احتضنته بقوة وهي عاجزة عن توقف دموعها، استأذنها الطفل ليعود إلى مهام عمله فوقفت بعيدة تترقبه أثناء عمله إلى أن جاء وقت الراحة الخاص به فأمسك حقيبة مدرسته وأخرج الكتب المدرسية وبدأ يدرس ما بها في وقت راحته، فأيقنت حينها أن الله أرسل لها يد حنونة تمسح دموعها وأوجاعها وقت الضيق.