الكنيسة القبطية في إفريقيا.. تاريخ يتجدد
الإثنين، 11 فبراير 2019 09:00 ص
بعد فوز مصر برئاسة الاتحاد الأفريقي نجد أن وجود الكنيسة القبطية داخل أفريقيا يمتد لقرون طويلة ويترجم في شكل أنشطة وأدوار دبلوماسية وضعها البابا تواضروس بطريرك الكنيسة المصرية على عاتقه منذ أن قرر أن يلعب دور السفير المصري فى الخارج كلما سنحت له الفرصة ذلك.
وأوضحت الدراسة، أن الكنيسة اتجهت نحو عناصر التأثير الثقافى الدينى والتعليمى، والمتمثل سواء فى القيام بأعمال الترجمة أو نقل فكرة مدارس الأحد إلى القارة الإفريقية، أو إنشاء المؤسسات التعليمية الدينية والمدنيـة على السـواء، والتى كان للكنيسة القبطية السبق فيها خاصة فى إثيوبيا والسودان.. ولعل هذه الأدوار كافة كفيلة بدعم التعاون العربي- الإفريقى بشكل عملى.
ساعد الكنيسة على أداء دورها فى إفريقيا خبرتها فى إقرار السلام بين مصر وجيرانها الأفارقة بجانب وجود بعض القيادات القبطية التاريخية صاحبة الدور البارز فى إفريقيا مثل: البابا/ كيرلس الرابع (1854-1861) وكذلك البابا/ كيرلس السادس (1959-1971).
ووفقا للدراسة، بالنسبة للطاقة التنظيمية للكنيسة القبطية وإمكاناتها للعمل فى إفريقيا، فهى تجمع ما بين الأكليروس والعلمانيين، وتضم 22 كاهنا بينهم 5 مصريين، و17 إفريقيا، بالإضافة لمجموعة شمامسة لا يقلوا عن 100 شماس، أن كانوا ليسوا كلهم متفرغين، فضلاً عن 6 مكرسات من كينيا والسودان وغيرهما، وكل هذه الأعداد قابلة للزيادة، كما يوجد أيضاً أطباء فى العمل الطبى للكنيسة، ومدربين مهنيين، مدرسين، إداريين بجانب الأبنية والعاملين بها.
يضاف أيضاً فى هذا السياق علاقة الكنيسة القبطية مع أهم التنظيمات الدينية المسيحية فى إفريقيا ودورها فيها ومحاور التأثر والتأثير المتبادل فيما بينها، وأهمها علاقة الكنيسة القبطية مع مجلس كنائس كل إفريقيا: All Africa Conference of Churches “A.A.C.C.؛ ومجلس كنائس الشرق الأوسط، وكذلك دور الكنيسة القبطية فى تأسيس منظمة الكنائس الإفريقية المستقلة بالقاهرة بجانب التنسيق فيما بين هذه المنظمات الأمر الذى يصب فى خدمة العلاقات العربية-الإفريقية بالأساس.
أسافر كل شهرين ونصف الشهر، كل عملى روحى ودينى وتنموى كى نقرب المسافات بيننا وبين إثيوبيا.. هكذا يقول الأنبا بيمن أسقف قوص ونقادة متحدثا عن دوره كمنسق للعلاقات المصرية الأثيوبية.
الأنبا بيمن، هو الرجل الدينامو فى الكنيسة، وسبق وأن كان من ضمن الوفد الذى استقبل الرئيس السيسى ، إبان زيارته لأثيوبيا، وهو الذى رتب زيارة البابا تواضروس إلى هناك منذ عامين ويقول: " أهيئ الأجواء للمختصين ويمكن أن تسميها دبلوماسية دينية أو روحية، ونقدم خدمات على جميع المستويات سواء الصحة أو التنمية أو الاستثمار".
كما يحرص البابا تواضروس، فى كل زيارة يلتقى فيها برؤساء أو ملوك أجانب أن يبرز ما أثمرت عنه 30 يونيو ، من نتائج إيجابية على الكنيسة، ففى الوقت الذى قرر الإرهابيون معاقبة الأقباط على هذا الدور الوطنى باستهداف الكنائس، قرر البابا ، أن يعلن فى وجه الجميع أن الكنيسة ماضية فى دورها الوطنى خاصة فى ظل إصرار الدولة على حل مشاكل معقدة منذ سنوات أهمها إصدار قانون بناء الكنائس وترك المجال لزيادة التمثيل النيابى للأقباط فى البرلمان.
ولم يكتف البابا تواضروس باستقبال الوفود فى صالونه الباباوى، بل حرص أيضًا على مد خيوط دبلوماسيته إلى خارج البلاد، فزار أثيوبيا والتقى رئيسها مولاتو تيشومى، العام الماضى بدعوة من بطريرك أثيوبيا الأنبا متياس، مستغلًا تاريخ طويل يجمع بين الكنيسة القبطية الأم والكنيسة الأثيوبية ابنتها فى الأرثوذكسية والتى ظلت تابعة لها لقرون طويلة.
وانتبه البابا كيرلس السادس، الذى حكم الكنيسة ما بين عامي 1959 وحتى عام 1976 لأهمية الدور الأفريقي مبكرًا، حتى وإن واجه بعض الصعوبات وشهد عصره انفصال الكنيسة الأثيوبية عن كنيسة الإسكندرية التي كانت تابعة لها من قبل إلا أن البابا كيرلس لم يقطع تلك الصلات التاريخية وعمل على توطيدها رغم الانفصال.
وترجع جذور العلاقة الكنسية بين مصر وأثيوبيا إلى القرن الرابع، في عهد البابا أثناسيوس الرسولي، وكان أول بطريرك هو أبونا سلامة، وهو اسم قبطي، وقد تولت الكنيسة القبطية رعاية الكنيسة الإثيوبية لمدة 1684 سنة عبر 111 مطران من سنة 330 إلى 1951، حين تولى أول مطران إثيوبي رئاسة إثيوبيا وهو أبا جورجيوس ثم رقي عام 1959 علي يد البابا كيرلس السادس و دعي باسم الأنبا باسيليوس, ومن هنا تولت الكنيسة الإثيوبية رعاية نفسها بنفسها، دون أن يعزل البابا كيرلس كنيسة الإسكندرية عنها.
العلاقات بين كنيسة أثيوبيا وكنيسة الإسكندرية، وطيدة وطويلة يقول البابا تواضروس عن ذلك: «حين زرت أثيوبيا قال لي الأقباط هنا مارمرقس أبونا وكنيسة الإسكندرية أمنا»، باعتبار الكنيسة الإثيوبية ابنة للكنيسة المصرية في الإيمان والعقيدة.
ويترأس الكنيسة الأثيوبية حاليا الأنبا ماتياس، وهو رقم (6) في تعداد الآباء البطاركة الإثيوبيين، وسبق وأن زار الكاتدرائية عام 2016 وبادله البابا تواضروس الزيارة، العام التالي بينما لم يتوقف الأنبا بيمن، أسقف قوص ونقادة عن زيارة أثيوبيا التى يبتعث لها كل شهرين إذ يتولى منصب منسق العلاقات الكنسية المصرية الأثيوبية، ويؤكد أن الكنيسة القبطية تمد ابنتها الأثيوبية بمساعدات طبية وعينية بشكل مستمر، كما تعمل الكنيسة على ترجمة كتبها وعظاتها إلى اللغة الأمهرية لتنشر الإيمان القبطي.
وفي عام 1993 أعلنت دولة اريتريا ،استقلالها عن جارتها أثيوبيا، وهو الأمر الذى صاحبه رغبة من الدولة الوليدة، في الاستقلال كنسيًا أيضًا عن كنيسة الإسكندرية، الأمر الذى عبر عنه الرئيس الأريتري أسـياسي أفورقي الذى زار البابا شنودة عام 1993 ، ليطلب استقلال كنيسة دولته، فما كان من البابا شنودة إلا أن وافق وعين خمسة أساقفة ارتريين لكنيسة اريتريا هناك، وفقا لما يذكره بحث الدكتور جوزيف رامز.
إلا أن العلاقات القبطية الأريترية لم تتوقف، ومازال رعايا اريتريا المقيمين بالقاهرة ، يحضرون قداس العيد بالكاتدرائية كل عام، إذ يتم تخصيص مقاعد خاصة لهم، ويحرصون على حضور أعياد العذراء بالأديرة المختلفة مثل دير العذراء بجبل درنكة بأسيوط ودير العذراء المحرق بالقوصية
في حين يتولى الأنبا أنطونيوس مرقس، أسقف عام شئون إفريقيا”ومقره حالياً”جوهانسبرج” بجنوب إفريقيا، متابعة كافة الكنائس القبطية في القارة السمراء إذ يشغل هذا المنصب يونيو 1976، يعاونه أسقف عام هو الأنبا بولس، تم تعيينه أيضاً في يونية 1995، للمساعدة في خدمة الكنيسة في عملها في إفريقياوهو مسئول عن أسقفية “كينيا”، وفقا لبحث قدمه الدكتور جوزيف رامز أمين، الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية، فى دراسة بعنوان "الكنيسة القبطية والعلاقات العربية – الإفريقية".
أما بالنسبة للسودان، فإن الكنيسة القبطية فاعلة بقوة في الدولة الجارة ولديها ما يقرب من 23 كنيسة في مناطق الخرطوم وأم درمان وعطبرة بالإضافة إلى أربعة مدارس ثانوية، وعدد من المدارس الإعدادية و المكتبات و النوادي، و كان يقدر عدد المسيحيين الذين يتبعون الكنيسة القبطية هناك بأكثر من نصف مليون نسمة بالإضافة إلى وجود ما يقرب من ثلاثة أديرة في السودان تدخل السودانيين في الرهبنة المصرية التى قدمها القديس الأنبا انطونيوس للعالم أجمع كطريقة للعبادة في القرن الرابع الميلادي.
وفي كينيا، تمتلك الكنيسة القبطية ما يقرب من 14 كنيسة هناك ودير ومركز قبطي، ومستشفى لتقديم الخدمات الصحية ومراكز للتدريب المهني وحضانة، كما توجد أرض مسجلة باسم الكنيسة القبطية في سانجا نينيا بكينيا، بحيث إنها معدة لبناء كنيسة أخرى علىها يخدم في هذه الكنائس أيضاً 7 كهنة، من بينهم 5 من الكهنة الكينيين المحليين المرسومين هناك، وراهبة، وحوالي 20 شماسا محليين يخدمون هناك أيضاً، ويقدر شعب الكنيسة هناك بحوالي 15ألف نسمة.
أما بالنسبة لتوجو وتنزانيا ، فقد حصلت الكاتدرائية فيهما على قطعتي أرض يعدان لتأسيس كنيسة قبطية هناك، جرى الاتفاق على إحداهما أثناء زيارة رئيس توجو للكاتدرائية العام قبل الماضي.
أما في زائير فللكنيسة القبطية 3 كنائس هناك وكذلك 9 كنائس أخرى في جنوب أفريقيا، من بينها المركز القبطي في جوهانسبرج، كما يوجد مركز تنمية متكامل في مدينة الكيب وأيضاً مركز تنمية متكامل في نونجوما ناتال ومشروع مركز تنمية متكامل في “باريز” بالإضافة إلى ذلك هناك أرض أخـرى مسـجلـة باسم الكنيسة القبطية في بورت إليزابيث
كما تم بناء كاتدرائية كبيرة فخمة حسب الطقس القبطي على اسم القديس مارمرقس، في جوهانسبرج وتم الصلاة فيها وكذلك تدشينها بيد البابا شنودة الثالث ، فضلا عن أراضي أخرى في مراحل التسجيل في ديربان وفي ننجوما ناتال.
كل تلك الكنائس المنتشرة بطول القارة السمراء وعرضها تجعل الكاتدرائية تتجاوز أدوارها الروحية والثقافية نحو أدوار أخرى تدفع الدبلوماسية الرسمية للأمام في القارة السمراء.