شيخ الأزهر: رسالة الإسلام صيغت فى شكل بنود ثابتة لا تقبل التجديد وإلا فقدت كل مسوغات نسخ الشرائع السابقة
الأربعاء، 30 يناير 2019 02:46 م
قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن التجديد هو خاصة لأزمة من خواص دين الإسلام، نبه عليها النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله الشريف: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وهذا هو دليل النقل على وجود التجديد فى الدين.
وأضاف "أما دليل العقل فهو أننا إذا سلمنا أن رسالة الإسلام رسالة عامة للناس جميعاً، وأنها باقية وصالحة لكل زمان ومكان، وأن النصوص محدودة، والحادثات لا محدودة، فبالضرورة لا مفر لك من إقرار فرضية التجديد آلة محتمة لاستكشاف حكم الله فى هذه الحوادث، غير أن الخلاف سرعان ما دب فى فهم المقصود من التجديد فى الحديث الشريف، وهذا ما يجده الباحث فى كتب الجلال السيوطى وغيره من المحدثين أيضاً من قضايا، مثل: تحديد رأس المائة، وما المراد بالتجديد؟ ومن هم المجددون؟ وهو المجدد واحد أو أكثر، والذى يهمنا هنا هو: ما المقصود من التجديد؟
وأوضح أن الأقدمين يفسرون التجديد المنصوص عليه فى الحديث بأنه العودة إلى العمل بالكتاب والسنة، وإزالة ما غشيها من البدع والضلالات، وهنا يأتى السؤال: هل التجديد الذى سنناقشه فى مؤتمرنا الكبير - إن شاء الله - حول التجديد هو هذا المعنى البسيط الذى ذهب إليه القدماء مع الأخذ فى الحسبان أن التجديد بهذا المعنى سوف يترك المشكلات المعاصرة كما هى دون علاج ولا تحديد موقف شرعى تجاهها؟
وأكد أن المطلوب الآن هو إمعان النظر فى نصوص القرآن والسنة والأحكام الفقهية، وإعادة قراءاتها قراءة ملتزمة بكل القواعد التى حرص عليها أئمة التفسير والحديث والأصول، بهدف تحديد الموقف الشرعى من القضايا المعاصرة الملحة التى تتطلب حلا شرعاى يطمئن إليه العلماء والمتخصصون.
وقال فضيلته أنه أجاب على هذا التساؤل منذ أكثر من عشر سنوات تقريبا فى مؤتمر لوزارة الأوقاف عن التجديد أيضاً، وكان نصها: «إن التأمل الهادئ فى طبيعة رسالة الإسلام - كبيان من الله للناس يتخطى حددو الزمان والمكان - يبرهن على أن مسلمة «التجديد» إن لم تكن هى والإسلام وجهين لعملة واحدة، فإنها - على أقل تقدير - إحدى مقوماته الذاتية، إذا تحققت تحقق الإسلام نظاما فاعلاً فى دنيا الناس، وإن تجمدت تجمد وانسحب من مسرح الحياة، واختزل فى طقوس تؤدى فى المساجد أو المقابر، وتمارس على استحياء فى بعض المناسبات، بل يثبت هذا التأمل أن تاريخ الإسلام - فى أزهى عصوره - يشهد على هذه العلاقة التى لا تنفصم بين التجديد وحيوية الإسلام، كما يشهد على العلاقة ذاتها بين الجمود وانزوائه إلى ركن قصى عن الحياة وعن المجتمع.
وتعجب في مقال له نشر بجريدة صوت الأزهر، أن يظل مصطلح «التجديد» فى الإسلام فى عهدنا هذا من المصطلحات المحفوفة بالمخاطر والمحاذير، بسبب الاتهامات التى تكال جزافا - بحق أحياناً وبغير حق فى معظم الأحايين - لكل من يقترب من فتح هذا الملف الملغوم، الأمر الذى يجسد لنا الأهمية البالغة للندوة التحضيرية لمؤتمر تجديد الفكر والعلوم الإسلامية التى عقدها الأزهر فى أبريل من العام 2015، والمؤتمر العالمى الكبير المنبثق عنها الذى يزمع الأزهر عقده فى أبريل من العام الحالى، الذى يتخذ من التجديد عنوانا لفعالياته ونشاطاته، رغم محاكم التفتيش التى تعقدها بعض الأقلام لكل من يجرؤ على فك أغلال الجمود ومغالقة عن روح هذه الدين العظيم.
وأكد على إن القدرة على التجديد أو التجدد الذاتى هو التعبير الدقيق عن خاصية المرونة هذه، وهو الوجه الآخر لمعنى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، ولولاه ما استطاعت هذه الرسالة أن تنتشر فى الشرق والغرب بين أمم تتغاير فيما بينها تغايرا جذرياً فى شتى مناحى الحياة.
وشدد على أن رسالة الإسلام صيغت فى شكل بنود ومواد ثابتة لا تقبل التجديد، لما كان لعموم الرسالة أى معنى مضمون محصل، بل ولفقدت كل مسوغاتها فى نسخها للشرائع السابقة عليها، اللهم إلا إذا افترضنا أنها رسالة تتضمن ثوابت من أمور العقيدة والأخلاق، وحينئذ يؤول الإسلام إلى رسالة روحية لا شأن لها بمعاش الناس وحياتهم، على أن خطاب القرآن بـ«يا أيها الناس» هكذا مطلقا لا يستقيم فهمه إلا فى إطار صلاحية الخطاب للتجديد مع تجدد الأزمان والأحوال، فالتجديد وعموم الرسالة وجهان لعملة واحدة، كما أشرنا إلى ذلك فى بداية البحث.