منع "البخاري" من دخول القاهرة.. حكاية صاحب "الـ"صحيح"
السبت، 26 يناير 2019 04:00 م
جاء قرار إدارة الجمارك بمطار القاهرة بمنع كتاب "نهاية أسطورة.. صحيح البخارى" من دخوله القاهرة ليعرض بهض الكتاب هذا العام ليطرح عدة أسئلة تتعلق بالشخصية التاريخية التى يتناولها الكتاب ، فمن هو، وأين ولد، ولماذا دائما ما يتعرض للنقد من قبل البعض؟
هناك عبارة متداولة تكشف مدى تقديس البعض لـ"البخاري" وهى "مغلطناش فى البخاري" وربما لا يعرف بعض من ينطقون بها أن صاحب "الصحيح" تعرض للتكفير فى عصره ، وطرد من مدينة نيسابور -إحدى مدن مقاطعة خراسان بإيران حاليا-، وهو الذى ظل طوال عمره يجمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
قصة تكفير "البخاري" وهو الإمام محمد بن إسماعيل البخارى،أهم علماء علم الحديث، وصاحب كتاب "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه" المعروف بصحيح البخارى، والذى يعد أهم وأوثق الصحاح الستة تسردها موسوعة "سير أعلام النبلاء "ج 12 ص 453" للمؤرخ شمس الدين الذهبى، وجاء فيها بأن صاحب "صحيح البخاري" عندما وصل إلى مدينة نيسابور، اجتمع عليه الناس هناك، فحسده بعض من كان فيها من مشايخ لما رأوا من إقبال الناس إليه، واجتماعهم عليه، حتى جاء محمد بن يحيى الذهلى، الذى حضر مجلس البخارى من قبل وحسده وتكلم فيه، يطلب من بعض أصحاب الحديث أن يذهبوا إلى هذا الرجل ويستمعون إليه، قائلا: اذهبوا إلى هذا الرجل، فإنه يقول: اللفظ بالقرآن غير مخلوق، فامتحنوه فى المجلس.
اللافت أن قضية خلق القرآن، كانت قد وقعت زمن الخليفة العباسى المأمون من قبل فرقة المعتزلة، والتى كانت تقول أن القرآن مخلوقا وليس كلام الله المنزل على نبيه محمد كما يؤمن المسلمون، واقتنع بهذا الرأى الخليفة المأمون وطالب بنشر هذا الفكر وعزل كل قاضٍ لا يؤمن به، وهو ما لقى معارضة واستهجان كثير من الأئمة مثل الإمام أحمد بن حنبل، والذى تحمل من أجل ذلك الكثير من التعذيب حتى قام الخليفة المتوكل بإنهاء هذه المحنة وأفرج عنه.
وفق سير أعلام النبلاء :"فلما حضر الناس مجلس البخاري، قام إليه رجل قال: يا أبا عبد الله، ما تقول فى اللفظ بالقرآن مخلوق أم هو غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخارى ولم يجبه، فقال الرجل: يا أبا عبدالله، فأعاد عليه القول، فأعرض عنه، ثم قال فى الثالثة، فالتفت إليه البخارى، وقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة، فشغب الرجل، وشغب الناس، واعترضوا عليه، وقالوا له بعد ذلك: أرجع عن هذا القول، حتى نعود إليك، فقال: لا، لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى من حجتى". فشغب الناس وتفرقوا، وظل البخارى فى بيته".
ولم يمر على هذا الموقف شهر، حتى جاء محمد بن يحيى، مرة أخرى ليقول: ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يختلف إلينا، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم فى اللفظ، ونهيناه، ولم ينته، فلا تقربوه، ومن يقربه فلا يقربنا. وتابع فى حديث آخر: القرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته وحيث تصرف، فمن لزم هذا استغنى عن اللفظ وعماه سواه من الكلام فى القرآن ومن زعم أن القرآن غير مخلوق فقد كفر وخرج عن الإيمان وبانت منه امرأته، ويستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وجعل ماله فينا بين المسلمين ولم يدفن فى مقابرهم.
وجاء رجل إلى الإمام البخارى، ليعرف ما فى الأمر، ورأيه فيما ذكره الذهلى عنه، فقال: يا أبا عبد الله، إن فلانا يكفرك، فقال: قال النبى "ص" إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما. ولما سأله رجل: يا أبا عبدالله نحن لا نخالفك فيما تقول، لكن العامة لا تحمل ذا منك، فقال البخارى: إنى أخشى النار، اسأل عن شىء أعلمه حقا أن أقول غيره.
لكن الناس لم يكن يعجبها كلام البخارى، وظل فى رأيهم أنه خارج عن الدين، ووجب طرده من المدينة، وهو ما دفع الإمام البخارى للخروج من نيسابور إلى بلده الأصلية "بخارى" من دون أن يودعه إلا شخص واحد، وقد ظل ثلاثة أيام خارج أسوار المدينة يرتب أغراضه التى خرج بها على عجل، استعدادا للرجوع إلى بلده الأم.
يذكر أن كتاب "نهاية أسطورة.. صحيح البخارى" للكاتب المغربى رشيد أيلال كان قد صدر فى عام 2017 ليثير الكثير من الجدل فى المغرب لتقضى احدى المحكم بحظره ومنعه من النشر.