25 يناير.. 200 سنة توثق بطولات رجال الشرطة

الجمعة، 25 يناير 2019 10:00 م
25 يناير.. 200 سنة توثق بطولات رجال الشرطة
عيد الشرطة

وزارة الداخلية المصرية لها تاريخ كبير ضارب فى جزوره فهى وزارة ضخمة بمؤسسات مهيبة ورجال واسعى الخبرة والمعرفة لعبت دورا كبيرا فى أمن واستقرار مصر.
 
حماة الأمن جذورهم ضاربة بعمق فى تاريخ مصر، ربما تتصل بحماة الأمن فى الدولة المصرية القديمة، إلى العُمد والشيوخ فى القرى والنجوع، وصولا إلى هيئتهم العصرية وأساليبهم الحديثة، فإن 
 
يعود تاريخ وزارة الداخلية إلى العام 1805، عندما أنشأ محمد على ديوان الوالى لحفظ الأمن، الذى تحول قبل 162 سنة من الآن إلى «نظارة الداخلية». فى المرحلة الأخيرة التى اكتمل فيها هيكل وزارة الداخلية فى العام 1857، وحتى الآن، لعب رجال الأمن والشرطة أدورا عظيمة وبالغة الأهمية فى صيانة استقرار مصر، وحفظ أمن مواطنيها وسلامة مؤسساتها، حتى إن التاريخ يسجل لهم عشرات البطولات الناصعة، بدءا من معركة الإسماعيلية فى 25 يناير 1952، التى أصبحت عيدا سنويا لجهاز الشرطة، مرورا بالملاحم البطولية الباهرة فى الواحات وسيناء وكرداسة وميدانى رابعة العدوية ونهضة مصر، وفى كل شبر وشارع ومدينة على امتداد الوطن.
 
3
 
بعقيدة ثابتة راسخة، وإيمان لا يخالطه شك أو وهن، تمضى وزارة الداخلية بكل مؤسساتها فى طريقها، متخذة أمن مصر وسلامة مواطنيها شعارا دائما لها، وفى سبيل هذا الشعار تنفق الوقت والجهد ودماء الضباط والجنود، وتوقع بحروف من نور فى سجلات البطولة والشرف، مع ارتقاء كل بطل من أبطالها إلى الرتبة الأسمى والأعظم داخل هيكل الشرطة، «رتبة الشهيد». تحمل الذاكرة لرجال الشرطة صورا ومحطات ناصعة، بدءا من مواجهة المحتل الإنجليزى ورفض تسليم مبنى محافظة الإسماعيلية له، حتى خروج الشهداء فى نعوش الموت، وصولا إلى الذود عن الوطن وأهله فى سيناء والواحات وغيرهما، والحرب المستمرة على الإرهاب وأوكار الجريمة فى أنحاء مصر، يترافق مع كل هذا جهد جاد ومستمر للبناء وإعادة الهيكلة وتطوير أُطر العمل، مستعينا بالتقنيات الحديثة والأساليب العصرية، لإنجاز مهمة الأمن بالطريقة الأمثل والأكثر كفاءة، وتقديم حزمة الخدمات الجماهيرية بصورة جيدة وسهلة.
 
فى السنوات الأخيرة عاشت الشرطة ظروفا بالغة الصعوبة، بدءا من أحداث 25 يناير 2011 وما تلاها من حرق للأقسام واقتحام للسجون، مروروا بتنامى نشاط الجماعات الدينية المتطرفة، وتصدرها المشهد بعد اختطاف جماعة الإخوان الإرهابية للحكم، وصولا إلى اعتصامى رابعة العدوية ونهضة مصر المسلحين، وما تلا فضهما من أعمال عنف وإرهاب منظمة، وتفجيرات وقنابل زرعتها عناصر الجماعة فى كل شبر، وارتقت بسببها أرواح عشرات من أبطال الشرطة إلى بارئها.
 
رغم المحنة القاسية التى عاشها الجهاز، نجحت الشرطة ووزارة الداخلية فى الإفلات من مخطط الفوضى والتفكيك، وتمكنت من عبور الأزمة وصيانة تماسكها، وصيانة تماسك مصر أيضا، وظلت على العهد حارسة لأمن مصر، ومدافعة عن سلامة مواطنيها، تبذل الغالى والرخيص، وتضحى بالدماء والأرواح، لقاء أن تظل مصر بلد الأمن والأمان كما كانت دائما، واليوم يحتفل الجهاز بعيده الـ67، مستعيدا ذكرى بطولات الأجداد والآباء فى الإسماعيلية وغيرها، ونحن نستعيد معهم فى هذه المساحة ذكرى كل الأبطال فى كل وقت ومكان.
 
 
تضحيات الضباط والجنود فى الحاضر تستعيد ذكرى «ملحمة الإسماعلية».. الحايس أيقونة التضحية والكومى رجل أمن بدرجة مقاتل..
 
البطولة جينات وسلسال، والواقع يؤكد أن ميراث أبطال الإسماعيلية قبل 67 سنة بات جينًا حاضرًا فى بنية الداخلية وجهاز الشرطة، ومستقرًا فى روح وتحت جلد كل فرد من أفرادها.
 
p--(3)
 
بينما يحتفل الجهاز بعيده الـ67 اليوم، مستعيدًا ذكرى الأجداد والآباء الذين خاضوا معركة كرامة وشرف على تراب الإسماعيلية، يحفل كتاب البطولة والمجد بعشرات المواقف والتضحيات الحديثة، التى تبرهن على أن طابور الأبطال لم ينتهِ، وأن فريقًا من رجالنا باتوا قادرين على صناعة المعجزات، ومصرين على إعادة كتابة التاريخ.
 
العميد صفوت الخشت، مأمور قسم أسيوط، أحد نماذج الشرطة المشرفة،إذ اقتحم مكانًا مشتعلًا بالنار لإنقاذ 150 طفلًا فى حضانة، بعدما تلقى بلاغًا باندلاع الحريق فأخطر الدفاع المدنى وانطلق بسيارته ليكون أول الواصلين. لم يتوقف صراخ الأطفال، لكن الخشت كان جاهزًا لتلبية الاستغاثة، فاقتحم المكان وأنقذ الأطفال، وحمل وسام الشرف بإصابة أسكنته المستشفى عدة أيام.
 
البطل المقدم محمود الكومى، ضابط المفرقعات الذى أصيب فى قدميه وإحدى عينيه إثر تفجير مدرعة كان يستقلها فى شمال سيناء، رجل أمن برتبة مقاتل.
يتحدث مستعيدًا ذكريات البطولة قائلًا: «الحرب التى تخوضها القوات المسلحة والشرطة فى سيناء لها أهمية حاسمة فى تاريخ مصر الحديث، هى حرب مقدسة، وأطالب جموع المصريين بدعم القوات المسلحة والشرطة»، معبرًا عن شكره لوزارة الداخلية لحرصها على تكريم أسر الشهداء ورعايتهم، ورعاية المصابين.
 
وأكد «الكومى» أن عمله كضابط مفرقعات لم يكن مجرد وظيفة، وإنما رسالة مهمة لها أهداف ذات قيمة عالية جدًا، وهى التضحية من أجل مصر فى أى وقت وأى مكان، لمواجهة كل التحديات وكل ما يمثل خطرًا على مصر، لافتًا إلى أنه كان يتمنى الشهادة دفاعًا عن الوطن، لكنها لم تُكتب له، لذلك يعتبر الإصابة أفضل تكريم له. متابعًا: «أصر دومًا على مساندة زملائى ودعمهم والاتصال بهم، لتقويتهم فى مواجهة أية مخاطر تحاك من خفافيش الظلام ضد مصر، وأشارك فى كل الفعاليات والمناسبات، ولا تمثل الإصابة عبئًا فى ذلك، وإنما زادتنى إصرارًا وعزيمة أبثهما دومًا فى أرواح زملائى».
 
وأشار الكومى إلى أن مصر فى ظل القيادة السياسية الحكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسى، وبالثقة الكبيرة فى رجال القوات المسلحة والشرطة الوطنية، قادرة على عبور أى محنة، وقهر كل الأعداء، والانتصار على الإرهاب فى سيناء وغيرها، واقتلاع جذوره تمامًا.
 
ضمن قائمة المجد أيضًا يحضر النقيب محمد الحايس، بطل ملحمة الواحات، الذى أصيب بشظايا فى اليدين والركبة اليمنى، وخضع لعملية استعدال للأطراف. وقد صمد 11 يومًا بعد احتجازه من قبل العناصر الإرهابية فى حادث الواحات.
 
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. حركة الداخلية من الأرض للسماء
ترقية عشرات الضباط إلى رتبة «شهيد».. والشرطة تقدم قائمة شرف من الأبطال فى سيناء وكرداسة والواحات واعتصامى رابعة والنهضة الإرهابيين..
 
بينما تتأهب الشمس للنداء على الناس بصوت هامس، ويُلملم الليل ما تبقى من خيوطه، يفتح عينيه ويغادر فراشه، مرتديا ملابسه كاملة، معتمرا «الكاب» وواضعا سلاحه فى حزامه الجلدى، ثم يخرج إلى مصيره المجهول. يخرج مؤمنا بما كتبته عليه الأيام ويفرضه الواجب، وهو يوقن تماما أنه قد لا يعود إلى فراشه مرة ثانية.
 
تلك القصة الموجزة تخص كل ضابط فى جهاز الشرطة، الأحياء منهم والشهداء، جميعهم عاشوا هذه الأجواء ومارسوا تلك التفاصيل، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وبين الفريقين ما زالت مصر آمنة مطمئنة مستقرة تمضى من جيد إلى أجود، والفضل كل الفضل لأنفاس الأبطال، وأرواحهم ودمائهم.
 
القصة اليومية المكررة التى يعيشها ضباط الشرطة، والتضحيات الضخمة التى قدمها فريق منهم، والذاكرة الحية الممتلئة بالبطولات، والعيد الـ67 الذى يوافق تاريخه اليوم الجمعة، كلها تفرض علينا أن نفتح كتاب المجد والشرف، ونقلب صفحاته، مستعيدين جانبا من بريق رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. تضحيات رجال الشرطة كثيرة لو كلفنا القلم بسردها لمل وتعب وما استطاع، فقد قدمت مئات الشهداء فى كافة ربوع الجمهورية، حيث خاض الأبطال معركة وجود أثبتوا فيها أن ولاءهم الأول والأخير لهذا الوطن.
 
شرطه
 
قائمة المجد تبدأ باللواء مصطفى رفعت، قائد العملية البطولية فى محافظة الإسماعيلية 25 يناير 1952، وقتها كان ضابطا صغيرا، لكن روحه كانت كبيرة وعملاقة، فعرف كيف يصون تراب وطنه ويقدس واجبه، ووقف معه فريق من الأبطال الاستثنائيين رافضين التسليم للجيش الإنجليزى، فارتقى خمسون شهيدا وأُصيب 100 آخرون، ومنذ هذا التاريخ لم تتوقف مواكب البطولة، حتى أنه لا يمر عام دون بطل أو شهيد جديد.
 
أما آخر الملتحقين بركب الشهداء فكان الرائد مصطفى عبيد، ضابط المفرقعات المتميز، الذى أنقذ عشرات الأرواح، وصان احتفال الأقباط بعيد الميلاد المجيد من عبث الإرهابيين وأعداء مصر، عندما ضحى بنفسه أمام كنيسة «العذراء وأبوسيفين» فى عزبة الهجانة بمدينة نصر، وقضى نحبه بينما كان يُفكك عبوة ناسفة تتضمن مادة متفجرة تدخل مصر للمرة الأولى.
 
من منا يستطيع أن ينسى البطل ساطع النعمانى، الذى ضحى بعينيه وفقد نور البصر راضيا، حتى يحوز نور البصيرة، وانتصر لمصر على طوابير الإرهابيين من أعضاء الإخوان الذين هاجموا أقسام الشرطة والكنائس ومؤسسات الدولة عقب فض اعتصامهم المسلح فى رابعة العدوية، خلال أغسطس 2013، قبل أن يرتقى إلى جوار ربه مؤخرا بعد سنوات من المعاناة ورحلة العلاج؟!
 
لأن مصر وفية وطينها يحفظ الجميل، ولأن المصريين نبتوا من حلال، لا يمكن لمنصف أو مخلص أن ينسى أبطال ملحمة كرداسة.
 
80 بطلا يواجهون 7 آلاف محتل فى معركة الإسماعيلية
ملحمة بطولة أجبرت الجنرال الإنجليزى على تقديم التحية العسكرية لشهداء الشرطة.. و«أكسهام»: «لقد قاتلوا بشرف واستسلموا بشرف وواجبنا احترامهم»..
 
يعود الاحتفال بعيد الشرطة إلى 67 عاما مضت، حينما تحركت كتيبة ضخمة من الجيش الإنجليزى تضم 7 آلاف جندى مسلحين بكل الأسلحة والعتاد والآليات المتطورة، صباح الجمعة 25 يناير 1952، للسيطرة على مبنى محافظة الإسماعيلية، وهو ما رفضته قوة التأمين المكونة من قرابة 150 ضابطا وجنديا من الشرطة، فاندلعت المواجهة.
 
مطاردات-أمنية
 
يمتد سجل البطولات والتضحيات التى قدمها رجال الشرطة على امتداد تاريخ الجهاز، لكن تظل «ملحمة الإسماعيلية» التاريخية الأكثر لمعانا، حينا رفضت قوات الشرطة تسليم أسلحتها وإخلاء مبنى المحافظة لقوات الجيش البريطانى، وأسفر الاشتباك عن استشهاد 50 شرطيا وإصابة 80 آخرين، وخاض المحتلون معركة عنيفة وضارية حتى نجحوا فى السيطرة على مبنى المحافظة، ليحققوا انتصارا منقوصا وملطخا بالدم، ويحقق أبطال مصر انتصارا كاسحا، وينطلقوا فى موكب الصعود إلى السماء محفوفين بالملائكة والورود، ويتحول يوم 25 يناير إلى عيد للشرطة.
 
الجنرال الإنجليزى «أكسهام» أعجب بشجاعة رجال الشرطة المصرية وأمر جنوده بمنحهم التحية العسكرية قائلاً: «لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف وواجبنا احترامهم».
 
صباح السبت 26 يناير 1952، كانت دماء الشهداء لم تبرد بعد، بينما انتشرت أخبار الملحمة فى أنحاء مصر، واستقبلها المصريون بمزيج من الفخر بالأبطال والغضب من الاحتلال، فخرجت مظاهرات عارمة فى القاهرة والمحافظات، واشترك جنود الشرطة مع طلاب الجامعة فى المظاهرات حتى امتلأت الشوارع بالجماهير الغاضبة، وحتى يغطى الاحتلال على جريمته فى الإسماعيلية سعى بمعاونة جماعة الإخوان إلى إحراق القاهرة فى اليوم نفسه، بحسب شهادات تاريخية عديدة، ورغم انشغال الناس فى الحريق وهدوء موجة الغضب ظاهريا، ظلت حالة السخط مشتعلة فى الصدور، وظلت مصر تبحث عن ثأرها للأبطال، حتى ردّت بحدّة ووضوح فى ثورة 23 يوليو 1952، وبعدها فى إجلاء الاحتلال الإنجليزى وتطهير أرض مصر من آخر جندى محتل.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق