«المسئولية الاجتماعية للشركات».. قاطرة للتنمية لم يمهد لها الطريق

الأربعاء، 23 يناير 2019 08:25 م
«المسئولية الاجتماعية للشركات».. قاطرة للتنمية لم يمهد لها الطريق
أحمد محسن قاسم

 
ماذا لو خصصت شركات القطاع الخاص 7% من ميزانيتها السنوية – على الأقل- لخطط التنمية  المستدامة في مصر؟، لتصور القيمة  المالية لنسبة ال 7% المذكورة ، يجب أن نضع حجم مساهمة القطاع الخاص في مصر من الناتج المحلي بنسبة حوالي 70% والذي قدر بقيمة 707.5 مليار جنيه بالربع الثالث للعام المالي 2017/2018 ، فنسبة ال 7% السنوية ، هي نسبة منصوص عليها بقانون الشركات المساهمة كحد اقصى من متوسط إيرادات أخر خمسة سنوات للشركة ، تحت توصيف التبرعات تقوم بها الشركات المساهمة ، وحددت أوجه الصرف لها للجهات الحكومية  أو إحدى الهيئات العامة .
 
إذن فما هي المعوقات التي تواجه هذه النسبة وتوجيهها نحو جهود التنمية المستدامة في مصر ؟، العائق الرئيسي أمام تلك النسبة هو التشريع ، والذي نتج عنه عوائق إدارية وعوائق أخرى خاصة بمفهوم مبدأ المسئولية الإجتماعية للشركات وممارسته في مجتمع الأعمال في مصر 
 
فقد تطورت أنماط المساهمة الأجتماعية للشركات فالعالم خلال القرن العشرين من التبرع كعمل خيري تقوم به المؤسسة وفقا لقناعات مسئوليها الدينية والأخلاقية، إلى مفهوم المسئولية الإجتماعية للشركات CSR  إختصارا للمصطلح   Corporate Social Responsibility، والذي يهدف لحل المشكلات الإجتماعية مع تعظيم الأرباح على المدى الطويل ، حتى وصلت  في مطلع القرن الواحد والعشرين  لنمط خلق القيمة المشتركة CSV  إختصارا للمصطلح Creating Shared Value، والذي يهدف لخلق مساحة مصلحة مشتركة بين الشركة والمجتمع تتميز بالإستدامة نسبيا لتوافقها مع أهداف الشركات بتعظيم الأرباح بصورة أسرع من نمط ال CSR  مع وضع حلول أقوى للمشكلات الإجتماعية التي تواجه تعظيم أرباحها .
 
فكما نرى من هذا التطور فالأنماط، أن التشريع المصري مازال متوفقا عند النمط الأولي للمساهمة الإجتماعية للشركات المتمثل فالتبرع والعمل الخيري أو الاعمال الإجتماعية لللعاملين، حيث يقف هذا العائق أمام زيادة المساهمة الإجتماعية للشركات في مجالات التنمية  لعدة أسباب، أهمها انفصال التبرع عن الشركة المتبرعة، مما يترك الحرية للكيان المتبرع له التصرف بطريقة قد لاتعود على المجتمع أو الشركة بالعائد المرجو منه أو على أفضل تقدير ضعف مخرجات التبرع من خدمات للمجتمع – إما لسوء إدارة أو للممارسات الفاسدة - بالمقارنة عن ما اذا كانت المخرجات والعائد نتيجة استثمار مباشر في أصول الشركة ونشاطها من الشركة او إستثمار مباشر للمجتمع.
 
فضلا عن بيروقراطية التعامل الحكومي في هذا النشاط والذي يشجع الشركات على العزوف عن ممارسة مسئوليتها نحو المجتمع، وهو المسلك الذي تتوافق فيه معنا دراسة أعدها معهد التخطيط القومي في سبتمبر 2017.
 
أما المشرع الضريبي المصري فقد اعتبر التبرعات التي تساهم بها الشركات هي من قبيل المصروفات والنفقات التي تخصم من الوعاء الضريبي وليس من الضرائب المستحقة على الشركة، مما لا يترك للشركة حافزاً للمساهمة الاجتماعية، مما يجعلها توجه تلك المصروفات في اتجاهات أخرى تعود بالنفع على أرباحها.
 
وهي الأسباب  التي قصرت مزاولة أنشطة المسئولية الاجتماعية – بطبيعة الحال- على الشركات الكبرى فقط، والتي تباشر نشاطها من خلال مؤسسات خيرية، للتحايل على المعوقات التي وضعها التشريع في ممارسة أنشطتها الإجتماعية، وترك الشركات التي لاتملك الرؤية السابقة أو إمكانياتها لتستخدم انشطة المسئولية الإجتماعية للدعاية والترويج التجاري أو السياسي في أوقات الانتخابات، دون عائد حقيقي يعود على الشركة والمجتمع كانت لتتحقق إذا ما تبني المشرع مفهوم النمط الثالث CSV.
 
وعلى الرغم من ذلك فأنه إذا ما طالعنا الدستور المصري 2014 فإننا نجد المشرع الدستوري قد أسس لمبدأ المسئولية الإجتماعية للقطاع الخاص تجاه الإقتصاد والمجتمع وأدرك أهميته ، بالمادة 36 حيث نص على أن " تعمل الدولة على تحفيز القطاع الخاص لأداء مسئوليته الإجتماعية في خدمة الإقتصاد الوطني والمجتمع"
 
وهو النص الذي يتسع للمطالبة بتشريع خاص لأنشطة المسئولية الإجتماعية للقطاع الخاص يتيح للدولة والمجتمع تحقيق أقصى إستفادة من المساهمات المالية والمقومات والخبرات الموجودة بقوة بالقطاع الخاص ، فالتجارب الدولية في ذلك المجال ترصد تجربة سنغافورة في إصدار التشريعات الخاصة بهذا النشاط ، وفي الشرق الأوسط ترصد تجربة تونس وقطر في إصدار تشريع خاص بالمسئولية الإجتماعية للشركات .
 
وفي ضوء ذلك وللوصول لأفضل نتيجة لصالح الدولة والقطاع الخاص ، يجب أن يكون التشريع المصري متسماً ومتضمناً للأتي :
 
1- يجب أن يتسم التشريع "بالتحفيز" وليس "الإلزام" حتى يتوافق مع الدستور ، وحتى لا يعتبر شكل من أشكال الضرائب .
2- يجب أن يتسع القانون لكافة أشخاص القطاع الخاص ( شركات أشخاص- شركات أموال – أشخاص طبيعية).
3- إنشاء كيان يختص بتنمية وتنظيم النشاط وتوجيهه وتطبيق القانون ويتبع وزارة التخطيط أو مجلس الوزراء، حيث يتسم ذلك النشاط في ظل التشريع الحالي بالعشوائية وعدم التنظيم .
4- تخفيضات نسبية على ضرائب شخص القطاع الخاص ، تصل لأقصى نسبة للشخص الطبيعي. 
5- إعفاء من ضريبة الإعلان على الإعلانات المنشورة أو المذاعة عن النشاط المجتمعي الذي يقوم به شخص القطاع الخاص .
6- تأسيس موقع إلكتروني يضمن شفافية أعمال هذا النشاط ويرصدها لتمكين الرقابة المجتمعية منه .
7- إعتبار أموال ومعاملات هذا النشاط من قبيل المال العام ويخضع لرقابة وتفتيش الأجهزة الرقابية .
 
فإذا ماخرج التشريع متضمنا نصوصا تعبر تلك المبادئ فإنه سيكون له مردودات إيجابية مباشرة على خطط الدولة للتنمية ، ومردودات أخرى غير مباشرة على عدة أصعدة كالأتي :
 
الأثر الضريبي
1- المساهمة في مكافحة التهرب الضريبي من خلال الإعفاء اللاحق بنسبة محددة من الربط الضريبي
2- تلافي عيوب الدورة الإدارية للتحصيل الضريبي لصالح التنمية المباشرة
3- الإستفادة من صغار الممولين
 
الإستثمار
1- تنظيم المسئولية الإجتماعية في التشريع المصري بإعتبارها أحد محددات وعناصر تفضيل الإستثمار الأجنبي في مصر
2- مساهمة المستثمر في تذليل عوائق الإستثمار في النظم الإدارية في مصر 
3- إتاحة الفرص للمستثمرين  لتأمين الإستثمار من المخاطر المجتمعية وتلافي الأزمات العامة 
 
التنمية المستدامة والنمو الإقتصادي
1- زيادة معدلات التنمية والنمو الإقتصادي بصفة عامة 
2- الإسراع في معدلات الوصول لمجالات خطة التنمية المستدامة 2030 بصفة خاصة
 
المسئولية الإجتماعية للقطاع الخاص
 
1- تغيير فلسفة المسئولية الإجتماعية في مصر من أعمال التبرع أو العمل الخيري التي لا تتمتع بالإستدامة ولا التنظيم وقلة الفعالية إلى فلسفة المشروعات التي تتمتع بالإستدامة والتأثير في مجالات عملها.
2- خلق مساحة مصالح مشتركة حقيقية بين أجهزة الدولة والقطاع الخاص يعود بالنفع على كل منها، تتمثل في الإشتراك في معالجة المشكلات التي تواجه كل من الدولة والقطاع الخاص.
3- زيادة أموال المساهمة من شركات القطاع الخاص في مجالات التنمية مباشرة .
4- فتح المجال للإستفادة من الخبرات العلمية والعملية بالقطاع الخاص في حل المشكلات المشتركة مع الدولة. 
 
جماعات الأعمال والصناعات
تذليل العقبات وحل المشكلات العامة التي تواجه تخفيض النفقات أو تعظيم أرباح أو تأمين إستدامة أعمال كل جماعة .
 فعلى سبيل المثال فإن مشكلة الأمية والتعليم هي أهم المشكلات المجتمعية التي تواجه التوسع في أنشطة شركات الإتصالات والتكنولوجيا ، وكذلك مشكلة حوادث الطرق هي من المشكلات المجتمعية التي تواجه شركات النقل التأمين ، وكذلك مشكلة البيروقراطية وتكنولوجيا التقاضي هي من المشكلات العامة التي تواجه المتعاملين مع الجهات الحكومية وفئة المحامين.... إلخ
 
الثقافة والفكر الإجتماعي 
زيادة ودعم الشعور بالإنتماء للدولة من العاملين بالقطاع الخاص مما يساهم في تعزيز الأمن الفكري الإجتماعي، من خلال الصلة العاطفية من العاملين ومشروعات التنمية
 
البعد الأمني 
 
إتاحة الفرصة لكيانات القطاع الخاص للدخول والمشاركة في مساحات عمل المنظمات الأجنبية ذات الأهداف الغير واضحة تحت رقابة الدولة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولعل مايلهمنا ، هو أن مورثونا الثقافي والفكري يحتوي على مضمون وروح وفلسفة ذلك التشريع ويدعمه ، متمثلاً في موقف الصحابي  الجليل سيدنا عثمان ابن عفان رضي الله عنه من التصدر لحل مشكلة مياه الشرب عند المسلمين بعد هجرتهم للمدينة بشراءه لبئر أرومه ، الذي ساهم في إقامة وتأسيس الدولة  ، وبقاء ثروة سيدنا عثمان حتى الأن متمثلة في وقف عثمان بالمملكة العربية السعودية .
 
والله من وراء القصد ،،
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق