الحكاية بدأت في الخمسينيات.. قصة أقدم ورش الأجولة الخيش وسر اهتمام عبد الناصر بها (صور)
الإثنين، 21 يناير 2019 08:00 ص
تستخدم أجولة «الخيش» لحفظ الحبوب والغلال الزراعية، بالإضافة إلى صناعة الأغلفة الوقائية لتغليف الطرود، ودعم أثاثات المنال في مرحلة التنجيد، وتقوية السجاد، وغيرها من المصنوعات، منذ سنوات عديدة مضت، واعتاد المصريون على صناعتها واستخدامها على هذا النحو، كما يتجه البعض إلى استغلالها طبيا في حالات الكدمات والإصابات العضلية لاحتوائها على ألياف من الصوف.
أجولة الخيش تصنع من خيوط ألياف نبات يسمى «الجوت» يميل لونه إلى الصفرة، ويُصْنع بأبعاد عرضية وأوزان مختلفة، ويُستخدم بصفة أساسية فى صنع الأكياس اللازمة للمنتجات الزراعيّة والصناعية، كما يُستخدم بكميات كبيرة كغلافات وقائيّة لتغليف الطرود، وكقماش داعم عند تنجيد الأثاث، ويُستخدم الخيش ذو العرض الكبير لتقوية السّجاد.
وكعادة المصنوعات التراثية القديمة التي بدأت في الاندثار، شهدت حرفة الأجولة الخيش تراجعا في السنوات القليلة الماضية، أمام بروز البلاستيك منها على الساحة، والتي تعد أرخص ثمنا من سابقتها، إلا أن قرار وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بإلزام الفلاح بتعبئة القمح فى أجولة من الخيش، لفت الانتباه إلى تلك الصناعة التي ضاعت وسط زحمة الأجولة البلاستيك، وأهميتها وفوائدها على حبوب الغلال.
وتعد منطقة مينا البصل، بمحافظة الإسكندرية واحدة من أشهر بقاع صناعة تلك الأجولة لاستخدامها فى تعبئة المحاصيل الزراعية الهامة، وذلك لقرب هذه المنطقة من بورصة القطن والتى كانت من أكبر بورصات العالم، ودليلاً على انتعاش مصر اقتصاديا ومكانتها فى زراعة المحاصيل الزراعية الهامة، والتي ساهمت هي الأخرى في انتعاش صناعات آخرى في تلك المنطقة مثل صناعة أجولة الخيش، ومع مرور الزمن اختفت هذه الصناعة ولم يتبق سوى ورشة واحدة بمنطقة مينا البصل وهى الأقدم على الإطلاق يمتلكها نبيل شوقى بسطا، الذي قرر أن يكمل مسيرة والدة ومهنة أجداده ساعيا إلى توريثها لأبنائه.
بدأت تلك الورشة أولى أعمالها عام 1950، لتنتج مئات الأجولة الخيش بعد أن يتم استيراد موادها الخام من دول بنجلاديش والهند وإفريقيا وباكستان من شجر الجوت النادر بالأطنان، حسبما أوضح نبيل شوقي بسطا، مالك الورشة حاليا، موضحا أنه كان منتجا رئيسيا فى تعبئة المحاصيل الزراعية قديمًا مثل القطن والبصل والبطاطس وغيرها، ولكن بعد غلاء الأسعار استبدلت الأجولة الخيش بالبلاستيك والكارتون وهي أنواع غير صالحة لكافة المحاصيل مثل الجبن الرومى لا تخزن سوى فى الخيش لكى تحتفظ بجودتها والأنواع الآخرى قد تضر بالمنتج وتفسده.
وأشار إلى أنهم استخدموا الأجولة الكارتون التى يستخدمها المصدرون فى تعبئة المحاصيل التى تصدر لخارج مصر، موضحاً أن والده له تاريخ طويل فى الصناعة وكان ملتحق بالاتحاد القومى، وزاره الرئيس جمال عبد الناصر مرتين بالورشة وأثنى على جهده فى الصناعة وتوفيره لفرص العمل والإنتاج الذى يقدمه لخدمة المحاصيل الزراعية وكانت وقتها مصر تنتج كميات كبيرة من المحاصيل.
واستكمل بأنه مع مرور الزمن لم يستخدم التجار الخيش وتم استحداث استخداماته فى أعمال الديكور وبعض الصناعات الخفيفة ولكن لم يكون عليه إقبال مثل فترة الخمسينات والستينات بسبب ارتفاع الأسعار، موضحا أنه من الممكن تصنيع أى شىء بواسطة الخيش، لافتا إلى أن هناك أنواع من الخيش يصل سعرها إلى 4 أصناف، والبالة يوجد بها 2000 يردة من الخيش، ولكل نوع من الخيش يوجد له استخدام خاص به، أما عن الأسعار فأكد أن الخيش ارتفع سعره والمتر يبدأ من 11 جنيها، وقديما كان بـ4 جنيهات فقط، بينما البلاستيك سعره يبدأ من 1.5 جنيه 5 جنيهات، بينما الورق الذى يستخدم فى التصدير سعره 4 جنيهات.
وأكد أنه هناك صناعات اندثرت بسبب تغير الزمن وارتفاع الأسعار الذى أهلك المصدرين، خاصة أن الخيش لا يمكن جلبه من مصر، فهو يتم صناعته من نبات الجوت الذى يزرع فى إفريقيا وجنوب شرق آسيا، مطالبا بالاهتمام بهذه الصناعات النادرة التى ساعدت على ارتفاع الدخل وتوفير فرص عمل لدى العديد من الشباب فى فترة الستينات.
وأوضح أنه هو الوحيد الذى يعمل فى هذا المجال بالإسكندرية وجميع التجار أغلقوا تجارتهم بسبب عدم الإقبال على صناعة الخيش ومنهم من توفاهم الله وأولادهم غيروا النشاط تماما لكسب رزقهم من مصدر آخر نظرا لضعف هذه الصناعة فى الوقت الحالى.