- كل المؤشرات وقتها كانت تشير إلى أن إدارة أوباما تسعى إلى إحداث «الفوضى الخلاقة» فى الشرق الأوسط
- واشنطن أرسلت وزير خارجيتها إلى القاهرة ليعتذر عن أخطاء الإدارة السابقة والتذكير بأن خطاب 2009 كان إشارة لصعود الإخوان للحكم
فى الرابع من يونيو 2009، وقف الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، مخاطبا العالم الإسلامى من تحت قبة جامعة القاهرة، بدأها بالقول: «إننا نلتقى فى وقت يشوبه التوتر بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى، وهو توتر تمتد جذوره إلى قوى تاريخية، تتجاوز أى نقاش سياسى راهن»، وأضاف: «لقد استغل المتطرفون الذين يمارسون العنف هذه التوترات فى قطاع صغير من العالم الإسلامى بشكل فعال، ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001، واستمر هؤلاء المتطرفون فى مساعيهم الرامية إلى ارتكاب أعمال العنف ضد المدنيين، الأمر الذى حدا بالبعض فى بلدى إلى اعتبار الإسلام معاديا لا محالة ليس فقط لأمريكا وللبلدان الغربية، وإنما أيضا لحقوق الإنسان، ونتج عن ذلك مزيد من الخوف وعدم الثقة».
وقتها هلل الكثيرون لأوباما، وقالوا إن رئيسا مسلما «نسبة إلى أصوله الإسلامية»، يحكم البيت الأبيض، وأن العرب والمسلمين قادمون لا محالة، لكن مع مرور الأيام، اكتشفنا جميعا أننا كنا ضحايا لأكاذيب أوباما، الذى تلاعب بمشاعر المسلمين، محاولا كسب ودهم، فى حين أن خطته كانت إفساح المجال لتيارات الإسلام السياسى، لكى تصل إلى الحكم فى المنطقة، وفقا لترتيبات سابقة، تقضى بأن تكون جماعة الإخوان المسلمين فى الواجهة، وأن تتعامل وفق نموذج حزب العدالة والتنمية فى تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان، على أن يكون الهدف الأساسى لهذه الجماعة، هو تنفيذ كل ما تطلبه واشنطن منها، ومنها ضمان أمن واستقرار إسرائيل، والحفاظ على المصالح الأمريكية بالمنطقة، وفى نفس الوقت توجيه قوى التطرف إلى جهات أخرى، بدلا من أن تكون موجهة صوب المصالح الأمريكية.
بدأت خطة أوباما فى التطبيق على الأرض بعد أحداث 2011، التى شهدت الإطاحة بأنظمة مصر واليمن وليبيا وتونس، وكادت تحدث آثارا سلبية فى دول الخليج، لولا التفاعل السريع من جانب قيادات هذه الدول، التى ساعدت على أن تمر العاصفة من فوق الخليج العربى دون أن تلحق بدولة أى أذى، وكانت النتيجة هى وصول الإخوان إلى الحكم فى مصر وتونس، واقتربوا جدا فى اليمن، وكانت لهم كلمة عليا فى سوريا، وبدأت إرهاصات الحكم الإخوانى على المنطقة تظهر، خاصة بعد منح الإشارة لأردوغان بأن يكون القدوة لدول الربيع العربى، وتسويق ذلك عبر آلة إعلامية، تحملت نفقاتها إمارة قطر، التى رأت أنها تقترب لتكون نقطة التلاقى بالمنطقة، ومصدرا للقرارات.
ترافق ذلك مع فتح أوباما قنوات اتصال رسمية مع إيران، والتى انتهت إلى التوصل إلى الاتفاق النووى، الذى أحدث ضجة كبيرة فى المنطقة، لأنه زاد من النفوذ الإيرانى، وجعل لطهران قوة التأثير المعترف بها أمريكيا فى الشرق الأوسط.
كل المؤشرات وقتها، كانت تشير إلى أن إدارة أوباما، تسعى إلى إحداث «الفوضى الخلاقة» فى الشرق الأوسط، لكى تعيد الأمور إلى زمام السيطرة الأمريكية من جديد، من خلال خلق أتباع جدد، لا يكون لديهم اعتراض على أى من الشروط الأمريكية، وقد وجدت هذه الإدارة ضالتها فى جماعة الإخوان، الجماعة التى أعلنتها صراحة، أنها ستكون طيعة تماما لواشنطن ولكل ما تطلبه.
كل ما سبق كان واضحا للجميع، وتحدثنا كثيرا، لكن ما استجد فى هذا الموضوع، ما قاله وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، بالقاهرة قبل أسبوع، فالرجل جاء إلى الشرق الأوسط وفى جعبته الكثير، لكنه اختار القاهرة، ليعيد من خلالها صياغة التوجهات الاستراتيجية الأمريكية، وأيضا الاعتراف بالأخطاء الكارثية التى ارتكبتها واشنطن طيلة فترة حكم أوباما فى حق المنطقة وتحديدا مصر، وربما أيضا الاعتذار عن هذه الأخطاء، رغم أن إدارة دونالد ترامب لا تتحمل مسئولية هذه الأخطاء، وإن كانت تعمل منذ قدومها للبيت الأبيض على تصحيحها.
«بومبيو» لخص كارثية فترة أوباما تجاه المنطقة بجملة واحدة «عصر العار الذى فرضته أمريكا على نفسها قد ولى»، تلك كانت الرسالة الأهم التى حاول من خلالها «بومبيو»، أن يبلغها للمصريين، والعار الذى كان يقصده «بومبيو»، هو تلك السياسة التى انتهجتها إدارة أوباما، التى كانت كل تقديراتها وسياساتها تجاه الشرق الأوسط وتحديدا مصر خاطئة، وهذا لم يكن حديثى ولا حديث أى من المصريين، بل كان اعترافا من وزير الخارجية الأمريكى، الذى وجه اللوم لهذه السياسة بشكل صريح، معتبرا أن إدارة أوباما مسئولة مسئولية كاملة عن الكوارث التى حلت بالمنطقة بعد 2011، بدعمها لتيار الإسلام السياسى، الذى أفرز تنظيمات إرهابية، روعت الآمنين.
«بومبيو» لم يذكر أوباما بالاسم، لكنه أشار إلى خطابه بجامعة القاهرة 2009، فقد قال نصا: «إن أمريكا صديقكم القديم كانت غائبة بصورة كبيرة فى تلك الفترة، لأن قادتنا أخطأوا فى قراءة تاريخنا، ولحظتكم التاريخية التى صادفت تلك الانتفاضات، وتم التعبير عن سوء الفهم الأساسى فى هذه المدينة فى العام 2009، وأثر بصورة سلبية على حياة مئات الملايين من شعب مصر، وفى جميع أنحاء المنطقة.. تذكروا هنا وفى هذه المدينة بعينها، وقف أمريكى آخر ليخاطبكم، وقال لكم إن إرهاب الإسلام المتطرف لا ينبع من أيديولوجية، وقال لكم إن أهداف الحادى عشر من سبتمبر، دفعت بلاده إلى التخلى عن مثلها العليا، ولاسيما فى الشرق الأوسط»، وقال: «إن الولايات المتحدة والعالم الإسلامى بحاجة إلى بداية جديدة، وكانت نتائج هذه الأحكام الخاطئة وخيمة»، مضيفا:
«وبسبب إساءة التقدير بأننا قوة تساهم فى آفات الشرق الأوسط، تخوفنا من تأكيد قوتنا، فى حين أن ذلك الوقت شركاؤنا كانوا يطالبوننا بذلك، لقد أسأنا التقدير وبصورة فادحة فى مدى قوة وشراسة الإسلام المتطرف، وهو عبارة عن فرع محرف من الإيمان، يسعى إلى قلب جميع أشكال العبادة».
ما قاله «بومبيو» هو أول اعتراف أمريكى رسمى بالأخطاء الكارثية لإدارة أوباما، ومسئوليتها عن دعم الإسلام المتطرف، والجماعات التى تقف خلفه، وفى القلب منها جماعة الإخوان الإرهابية، التى دعمتها إدارة أوباما، حتى وصلت إلى الحكم فى مصر بعد أحداث 2011، وحاولت مرارا وتكرارا ممارسة الضغوط على المصريين للقبول بهم، لكن كانت إرادة المصريين أقوى من الإرهاب، وضغوط أوباما وكل أركان إدارته.
ما قاله «بومبيو» فى القاهرة، هو إعادة كتابة للتاريخ من الزاوية الصحيحة، خاصة أن أتباع أوباما فى المنطقة، كانوا ومازالوا كثر، حاولوا طمس كل الحقائق، لتبرئة واشنطن من الخلطة الكارثية التى قدموها لشعوب الشرق الأوسط تحت مسمى «الإسلام السياسى المعتدل».