الجانب المظلم للهدايا والعطاء.. الأنانية فى ثوب الحمل
الأربعاء، 16 يناير 2019 08:00 م
لكل وجه مشرق آخر مظلم قد لا يعرفه البعض، فكما أن رحلة النجاح لها جانب مظلم لا يعرفه الآخرين، هناك جانب مظلم آخر للعطاء حين تقدم هدية لأحدهم، فللأسف الشديد هى كالنيران المبهجة التى لها ظلال.
هناك جانب مظلم للشعور بالعطاء، حسبما أشار عالم الاقتصادجيمس أندريوني، والذي صاغ مفهوم جديد يؤكد أن الشعور بالدفء الناتج عن العطاء يؤدي في نهاية المطاف إلى الشعور بالأنانية، فقد اكتشف أن كان العطاء يجعل شعورك ممتعًا، فما مدى سخاء هذا الشعور؟ ربما تقديم الهِبات هو فقط طريقة أخرى لاستخدام الآخرين كي نشعر بالرضا عن أنفسنا.
حين نقدم هدية لأحدهم لا يمكن إنكار تدفق المشاعر الإيجابية المصاحبة لتقديم الهِبات، ففي دراسة أعطى الباحثون مبلغًا بسيطًا من المال لمشاركين اختيروا بعشوائية، أقرّ بأن أولئك الذين أنفقوا المال على شخص آخر شعروا بسعادة أكثر من الذين أنفقوه على أنفسهم، حتى الأطفال بعمر سنة وسنتين يشعرون بسعادة أكبر عند إعطاء الدمى قطعة حلوى بدلًا من أخذ الهدايا لأنفسهم.
فى أبحاث علم الأعصاب ربطت الشعور بالتوهج الناتج عن العطاء بنشاط يتم في منطقة بالمخ تسمى "النواة المُتكئة" حيث يتم إفراز الناقل العصبي: الدوبامين، ما يؤدي إلى الشعور بالنشوة والسعادة، والرغبة في تكرار ما كان يسبب هذا الشعور، وهذا ما يجعل الدوبامين هو العامل الأساسي للإدمان، فمثلا يؤدي الكوكايين أيضًا إلى زيادة الدوبامين. سيكون من المبالغة تشبيه العطاء بالإدمان، ولكن الشعور الناتج عن العطاء يحثّ الناس على العطاء أكثر وأكثر ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة السخاء، وبالتالي زيادة المكافآت.
استشهد الباحثون فى دراستهم بتدفق المشاعر غير المتوقع الذي شعر به بيل جيتس أثناء رحلته إلى أفريقيا بالتسعينات عندما أعطى حواسيب للأطفال إلى إنشاء مؤسسة جيتس العظيمة التي نعرفها الآن، كما أن تأثُّر رجل الأعمال روب ماثر بتجربة جمع الأموال لمساعدة طفل مصاب أدّت إلى إنشاء مؤسّسة لمكافحة الملاريا، والتي جمعت أكثر من 140 مليون دولار ووُصِفت بأنها من أكثر المؤسسات الخيرية فعالية بالعالم.
وقد أجرى علماء بعلم الأعصاب دراسات عدة منها إجراء مقابلات مع عشرات ممّن هم معروفون بشدة سخائهم بالعالم –أولئك الذين تبرعوا بإحدى كليتيهم لأشخاص لا يعرفونهم– ومعظمهم تقريبًا بدؤوا كمتطوعين أو متبرعين بالدم، بالنسبة إليهم جميعًا، يقولون أن تبرّعاتهم هذه جلبت لهم شعورًا غامرًا بالسعادة، وأنهم سوف يكرّرون ذلك مجدّدًا قدر استطاعتهم، كما أخبرنا أحد هولاء الأشخاص هناك نشوة مصاحبة لحياة التبرّع والتي من الصعب وصفها بدون أن أبدو مجنونا"، ولكن وفق الدراسات، فمن منظور نفعي، هو ليس جنونًا على الإطلاق، لا يمكن إنكار أنَّه من الجيد أن العطاء يؤدي إلى الشعور بالسعادة، كما أنَّه يحثّ على استمرار العطاء، لكن ربما العطاء بالفعل يؤدّي إلى الأنانية.
وقد كشفت دراسة حديثة أن النرجسيين،الذين هم بالفعل أنانيون، أقل سخاءً من غيرهم، وأنهم عندما يقدّمون هدية، فذلك فقط لإبهار الناس أو التأثير عليهم، لا لأنهم يهتمون بأمر أحد على الإطلاق، ويبدو هذا منطقيًا.
سؤال هام طرحه الباحثون هل تعتبر الشخص الذي يتغنّى بتقديم الهبات أقل أنانية من الشخص الذي يشعر بالسعادة لذلك؟ بالطبع لا، كما يقول الراهب البوذي وعالم الأعصاب ماثيو ريكارد، فهو يرى أن الحقيقة وراء شعورنا بالرضا عند الإيثار هو أننا لدينا الميل الفطري إلى تفضيل سعادة الآخرين، إذا كنّا لا نبالي على الإطلاق بمصير الآخرين، فلماذا نشعر بالسعادة عندما نهتم بهم؟ وحدّد البحث بعض العمليات الدماغية التي من المفترض أنها تجعلنا نشعر بالسعادة بصورة طبيعية عند المساعدة.
والدراسة التى أجراها علماء الأعصاب وجدت أنه فى حالة المتطوعين الذين تبرعوا بإحدى كليتيهم لغرباء، هناك أجزاء من الدماغ مسؤولة عن الرعاية الوالدية مثلاللوزة الدماغية، وهي وجزء من المادة الرمادية بالمخ تزداد حجمًا وتترابط بكثافة فتكون متجاوبة مع احتياجات الآخرين، وقد توصّلت الدراسات على الحيوانات إلى أن إطلاق هرمون الرعاية الأوكسيتوسين بهذه المناطق من الدماغ خلال رعاية الآخرين هو المسؤول عن زيادة الدوبامين فيما بعد، وبالتالي فإن طبيعتنا الفطرية هي التي تحثّنا على مساعدة الآخرين، وهذا الشعور الجيّد ما هو إلّا نتيجة حظّية ومتوقعة للعطاء ولكنها ليست الغاية، وذلك تمييز حاسم.