طبول الحرب تدق.. هل يغرق أردوغان في دوامات روسيا والناتو
الأحد، 13 يناير 2019 01:00 م
أوكرانيا المنهزمة منذ قضم الدب الروسي إقليم القرم استغاثت بحلفائها في الناتو لإرسال سفن حربية إلى عش الدب في بحر آزوف، فكانت الاستجابة سريعة، بارجة أمريكية من الأسطول السادس تستعد لدخول البحر الأسود، وعلى الخط يبني الأتراك قاعدة عسكرية في المنطقة، والنتيجة حرب وشيكة في البحر الأسود.
ندرت إرسانيل رصد الأوضاع المشتعلة، في تقرير بصحيفة يني شفق تحت عنوان "أوشكت الحرب في البحر الأسود"، وعرض الارتباك التركي الواضح في معالجة الموقف، بعدما سقط نظام إردوغان في صراع أفيال بين روسيا الاتحادية وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة.
إردوغان يريد أن يحتفظ بالبحر الأسود مناصفة بين أنقرة وموسكو دون تدخل من الغرب، فيما يرى أن زيادة النفوذ الروسي لا يمكن مواجهته إلا عبر الاستعانة بأمريكا، لذا اتسمت خطواته بالارتباك، ولم تستطع على أرض الواقع تحجيم نفوذ فلاديمير بوتين صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في البحر الأسود.
موسكو ضمت شبه جزيرة القرم بالقوة في مارس 2014، واشتعلت الأزمة مجددا في 25 نوفمبر الماضي، حينما أطلقت البحرية الروسية النار على ثلاثة زوارق تابعة للبحرية الأوكرانية، قرب مضيق كيرتش الواقع شرق شبه الجزيرة، والرابط بين البحرين الأسود وآزوف، ما أدى لإصابة عدد من الجنود واحتجزت الزوارق بمن عليها.
حرب التصريحات اشتعلت بين موسكو وكييف، السلطات الروسية أكدت أن الزوارق دخلت مياهها الإقليمية بصورة غير مشروعة، ونفذت مناورات خطرة واستفزازية قرب جسر القرم، ما دفع بحريتها لإطلاق النار، متهمة أوكرانيا بالسعي "لخلق حالة صراع.
أوكرانيا أكدت أن روسيا تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، واتفاقًا مبرما بين البلدين حول استخدام بحر آزوف ومضيق كيرتش، وأنها أعطت إخطارًا مسبقًا بتحرك السفن، وطالب رئيسها بترو بوروشينكو دول الناتو بالتدخل، وأعلن الأحكام العرفية، محذرا من "غزو" روسي لبلاده.
تركيا تعيش وضعًا صعبًا نتيجة للتطورات في بحر آزوف، التي أضرت وارداتها من الحبوب والمعادن، بالإضافة إلى خسائر ضخمة لشركات الشحن، ووجد إردوغان نفسه في مأزق، فهو لا يريد الاختيار بين موسكو وكييف، لذا سارع بالاتصال برئيسي البلدين لدعوتهما لحل الأزمة عبر الحوار.
المواجهة في بحر آزوف تذكر تركيا بخسارة البحر الأسود لمصلحة الناتو، في العقد الماضي، عندما وسع دائرة أعضائه لتشمل رومانيا وبلغاريا المطلتين عليه، ما واجهته أنقرة بإبرام شراكة مع روسيا، تهدف لإبقاء الحلف بعيدًا عن البحر الأسود.
محاولة أنقرة إخضاع البحر الأسود لسيادة روسية تركية مشتركة يفسر رد فعلها الحريص على الحرب في جورجيا عام 2008، فقد أخرت دخول سفينتين طبيتين أمريكيتين مضيقي البوسفور والدردنيل، وأصرت على التطبيق الصارم لمعاهدة مونترو لعام 1936، التي تفرض قيودًا على البوارج العسكرية القادمة من دول غير مطلة على البحر الأسود.
أنقرة تراقب ما يجري من تصعيد بعيون وجلة، تدرك أن المفاوضات المستمرة حول المناطق الاقتصادية الحصرية في المنطقة، وحول مجهوداتها للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في البحر ستتعطل، خاصة أنها لا تمتلك القوة المنفردة لمواجهة التوسع الروسي.
إردوغان لا يرغب في الاصطدام في ظل رغبته في جزء من كعكة نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، ومن جهة أخرى لا يستطيع تحدي حلف شمال الأطلنطي عبر التضحية بأوكرانيا على مذبح مصالحه.
يدرك الرئيس التركي أن الأزمة بين روسيا وأوكرانيا تصب في مصلحته مرحليا، إذ يهدف من خلال مشروع "السيل التركي" لضخ الغاز الروسي عبر البحر الأسود بواسطة خطين: الأول لتوفيره للمستهلكين الأتراك، والثاني لتوزيعه على بلدان أوروبا القريبة، ما ترغب فيه موسكو أيضا لتقليل اعتمادها على كييف في نقل الغاز إلى القارة العجوز، لكنها تطالب في المقابل بتأييد تحركاتها للسيادة على البحر الأسود.
الموقف التركي بدأ في التغير، إذ ترى أنقرة أن التهام موسكو لشبه جزيرة القرم ثم انتشارها على جانبين من حدودها، في أرمينيا وسورية، أدى لاختلال في السيادة على البحر لصالح روسيا، وأن التقارب بينهما استفادت منه الأولى، لكن أنقرة لا تستطيع من جهة أخرى الخضوع لمطالب الناتو الراغب في زيادة وجوده العسكري في البحر الأسود على حسابها.
اختارت تركيا سياسة نفعية تقوم على الاستفادة من الأحداث، وأن تسير على الحبل، فموقفها الرسمي يعارض السياسة الغربية لاحتواء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنها عمليًا تؤيد وجود جزئي لحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود، يهدف لرسم خطوط حمراء ومنع موسكو من استخدام قوتها العسكرية لفرض هيمنتها.
إدراك إردوغان أنه بات لعبة في يد بوتين، دفعه لتعزيز وجوده العسكري في البحر الأسود، عبر البدء في بناء قاعدة بحرية بمنطقة طرابزون، في 11 ديسمبر الماضي، على بعد 100 كيلومتر فقط من الحدود السوفييتية السابقة، من المقرر أن يعمل بها نحو 400 عسكري و200 مدني تركي.