ربما يكون تنسيق لمواجهة عقوبات «ترامب».. لماذا زار زعيم كوريا الشمالية الصين؟
الجمعة، 11 يناير 2019 12:00 م
«إذا ما أرادت إنهاء أزمة كوريا الشمالية فعليك بالصين.. فهى من تملك مفتاح الحل هناك».. هكذا كانت النصيحة التى قدمها رئيس الفلبين رودريجو دوتيرتى إلى نظيره الأمريكى دونالد ترامب، خلال زيارة الأخير إلى مانيلا فى إطار جولة آسيوية قام بها فى نوفمبر 2017، فى إطار مساعيه للتنسيق مع القوى الآسيوية تمهيدا لإطلاق المفاوضات مع بيونج يانج، لإنهاء أزمة الملف النووى، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لأهمية الدور الذى يمكنه أن تلعبه بكين فى أحد أهم وأقدم النزاعات الدولية التى تشهدها آسيا منذ عقود طويلة من الزمن، وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى الزيارة الحالية التى يقوم بها زعيم كوريا الشمالية إلى الصين.
ولعل الدور الهام الذى تلعبه بكين فى الأزمة الكورية الشمالية قد تجلى فى العديد من المواقف، أهمها حرص الزعيم كيم جونج أون على زيارة الصين ثلاثة مرات سابقة، كان أبرزها بعد أيام من القمة التى عقدها مع نظيره الأمريكى فى سنغافورة فى شهر يونيو من العام الماضى، وهى الزيارة التى تزامنت مع انطلاق شرارة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، فى خطوة اعتبرها قطاع عريض من المتابعين بمثابة رسالة من الزعيم الكورى الشمالى مفادها أن الصين تبقى لاعبا رئيسيا فى أى حل محتمل للأزمة بين بلاده والغرب.
الزيارة التى يقوم بها كيم إلى بكين، والتى من المقرر أن تستمر ثلاثة أيام، تمثل امتدادا صريحا للعلاقات القوية التى تجمع بين البلدين، منذ ما قبل الانفراجة التى شهدتها العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية، خاصة وأن الصين كانت بمثابة القوى الرئيسية الداعمة لبيونج يانج، فى الوقت الذى كانت تعانى فيه من عزلة دولية، قادتها واشنطن وحلفائها، كانت السبب الرئيسى فى تدهور الأوضاع الاقتصادية هناك لسنوات طويلة.
وبالتالى يبقى وجود الصين فى أى اتفاق محتمل بين بيونج يانج والغرب بمثابة شرط أساسى، وضمانا لا غنى عنه، بالنسبة للنظام الحاكم فى كوريا الشمالية، خلال المرحلة المقبلة، فى ظل انعدام الثقة المتبادل بين الإدارتين الحاكمتين فى واشنطن وبيونج يانج، مع إصرار الإدارة الأمريكية على عدم اتخاذ أى خطوة من شأنها رفع العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية منذ عقود وذلك لفرض المزيد من الضغوط عليها فيما يتعلق بنزع الأسلحة النووية.
إلا أن توقيت الزيارة يمثل فى ذاته محلا للتساؤلات، فهو يأتى فى الوقت الذى تواتر فيه الحديث عن احتمالات انعقاد قمة أمريكية كورية شمالية جديدة، وهو الأمر الذى أكده الرئيس ترامب فى أعقاب لقائه الأخير مع نظيره الصينى شى جين بينج فى العاصمة الأرجنتينية بيونيس آيرس فى بداية الشهر الماضى، وهو الأمر الذى رحب به كيم، خاصة بعدما ساهمت القمة الأمريكية الصينية، والتى جاءت على هامش قمة مجموعة العشرين، فى تهدئة النزاع التجارى بين بكين وواشنطن عبر الوصول إلى صفقة تقوم على أن تتوقف واشنطن عن زيادة رسومها الجمركية على الواردات الصينية، مقابل أن تعمل بكين على زيادة واردتها من المنتجات الزراعية والصناعية الأمريكية لتحقيق قدرا من التوازن التجارى بين البلدين.
ولكن العلاقات الأمريكية الصينية ربما اتجهت من جديد نحو اتخاذ منحى تصعيدى على خلفية قضية المسئولة التنفيذية بشركة هواوى الصينية، والتى اعتقلتها السلطات الكندية الشهر الماضى بناء على تعليمات أمريكية، وهو الأمر الذى ساهم بصورة كبيرة فى توتر العلاقات بصورة كبيرة بين البلدين فى الأسابيع الماضية، ويمثل التحذير الأخير الذى أطلقته وزارة الخارجية الأمريكية، لمواطنيها بعدم السفر إلى بكين، خوفا من بطش السلطات الصينية بمثابة آخر حلقات التوتر الأخير بين البلدين، حيث يأتى على خلفية قيام السلطات الصينية باعتقال عدد من المواطنين الكنديين على أراضيها، من بينهم دبلوماسى سابق، وهو ما اعتبره البعض بمثابة ردا صينيا على اعتقال مسئولة هواوى فى الأراضى الكندية.
وهنا يثور التساؤل حول ما إذا كانت زيارة كيم لبكين تأتى للتنسيق بين الحلفاء قبل قمة جديدة تجمعه مع ترامب، أم أنها بمثابة رسالة جديدة من زعيم كوريا الشمالية إلى واشنطن، يقدم خلالها الدعم لبكين فى مواجهة سياسات البطش الأمريكية، وتهدف للتأكيد على ضرورة وجود الصين فى أى اتفاق محتمل يهدف إلى نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية فى المرحلة المقبلة، خاصة وأن الزيارة هذه المرة تتزامن مع احتفال كيم بعيد ميلاده، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لقوة العلاقة الشخصية التى تجمعه بنظيره الصينى، لتتجاوز مجرد الحسابات السياسية.
ولعل الزيارات الدبلوماسية التى قام بها مسئولو بيونج يانج فى الأشهر الماضية كانت أحد الأدوات التى عبرت بها كوريا الشمالية عن مواقفها تجاه العديد من القضايا الدولية، ليس فقط تجاه الصين، والتى تمثل حليفا تاريخيا مهما لهم منذ عقود طويلة من الزمن، ولكن أيضا تجاه إيران، وهو ما بدا واضحا فى الزيارة التى أجراها وزير خارجية كوريا الشمالية إلى طهران فى أغسطس الماضى بالتزامن تصاعد الحرب الكلامية بين ترامب والمسئولين الإيرانيين، وهى الزيارة التى اعتبرها البعض بمثابة دعما ضمنيا لطهران فى ذلك الوقت.