رأس الحسين.. وأسطورة الأديان
السبت، 05 يناير 2019 12:36 م
" الحسينُ سيد شباب أهل الجنة" .. لا ضيرَ فى ذلك، هذا حديثٌ صحيحٌ بحسب "البُخارى"، ولكنْ هل رأس "الحسين" مدفونٌ فى القاهرة حقاً؟ هناك رواياتٌ تاريخية تؤكد وأخرى تنفى. هناك تسع روايات على الأقل عن المكان الذى يحتضن رأس سبط النبى الكريم، ما يعنى أن هناك احتمالاتٍ قوية تؤكد أن رأس "الحسين" ليس مدفوناً بالقاهرة. ورغم الشكوك التى تكتنف مصير الرأس الشريف، إلا أن المشهد الحسينى فى مصر تحول إلى مزار إسلامىٍّ كبير، يحجُّ إليه مئات الآلاف، ويتمسحون بالضريح، ويبتهلون إليه وبه، ويتوسلون إليه وبه، ويُوسِّطونَه شفيعاً بينهم وبين الله. دعْ عنك أن كثيراً من العلماء الثقات يؤثمون مثل هذه المظاهر، بل قد يتشدد بعضُهم ويصمونها بـ "الشرك الأصغر"، ولكن الواقع يقول: إن كثيراً من أضرحة المساجد والكنائس فى مصر وخارجها تحولت إلى مقاصد دينية، يحجُّ إليها الناس من كل فجٍ عميقٍ، ليس من أجل الحصول على جُرعة روحانية مثلاً، ولكن اعتقاداً منهم أن هؤلاء الموتى، الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً، قادرون على جلب الرزق والشفاء من الأسقام وتحقيق كل ما استعصى من آمال وطموحات.
إذا حملتك قدماك وذهبت لصلاة الجمعة فى مسجد "الحسين"، سوف ترى العُجاب وما لا يخطر لك على بال. الأمر لا يقتصر فقط على من يتمسحون بالضريح، ولا على المجاذيب الذين يتناثرون فى رحاب المسجد وخارجه، ولكنه يمتد للفرق الصوفية التى تعقد جلسات للذكر، حيث تتداخل الأصوات، ويتحول الأمر شيئاً فشيئاً إلى حالة من الفوضى، وكأنك فى كرنفال أو مهرجان سيئ التنظيم، وليس بيتاً من بيوت الله. أما خارج المسجد فتصطف المحلات والمطاعم ويقطع طريقك الباعة الجائلون، فى "بزنس كبير جداً". كل هذا يحدث ونحن لا نعلم علم اليقين إن كان رأس الحسين مدفوناً فى مصر أو عسقلان أو غيرهما، ما يعنى أن كل هذه الفعاليات والمناسبات الخاصة بالرأس الشريف قد تكون قائمة على وهمٍ فى وهمٍ.
ما نقوله على مسجد "الحسين" وغيره ينطبق بشكل أو بآخر على الأديان، حيث إن كثيراً مما يكتنفها تغمره الشكوك، ويختلف فيه المختلفون، ويتناحر بشأنه المتناحرون، ويتعارك المتعاركون، حتى تحول الدين الواحد إلى حزمة من الأديان، وغدا منتسبو الدين الواحد أحزاباً وشيعاً، كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون.
الحقيقة التى لا يجب أن نتجاهلها أو نفزع من الإقرار بها هى: أن أساطير لا حصر لها غزت الأديان وأفسدت جوهرها وتحكمت فيها وصارت جزءاً أصيلاً وركناً ركيناً منها، تستوى فى ذلك كل أديان السماء، والمستفيدون من تلك الأساطير يدافعون عنها باستماتة بغيضة، لأن إسقاطها يعنى قطع أرزاقهم وحرمانهم من "البزنس الكبير"، وتحويلهم إلى "عواطلية" يتكففون الناس.فقدت الأديان أثرها وتأثيرها فى الأجيال الجديدة، بسبب تلك الأساطير والأوهام التى تسكنها والتى لم تعد مُستساغة.
لم يعد مقبولاً أن يقتنع أحد بأن العذراء تظهر هنا أو هناك، وليس معقولاً أن يصبح ساكنو القبور والأضرحة أرباباً من دون الله. تنقية الأديان من أساطيرها وأوهامها وأباطيلها وإعادتها إلى سيرتها الأولى، لتكون كل منها رسالة إلى الحب وليس البغضاء، إلى الحياة وليس الموت، إلى الوحدة وليس الفرقة، هو السبيل الوحيد لإعادة الناس إلى الإيمان بالأديان إيماناً صادقا ويقينياً لا يكسره شكٌّ أو ريبةٌ. لقد خلق الله الأديان لتكون طريقنا إليه وحده لا شريك ولا ولى له، جلَّ فى عُلاهُ، وتعالى الله عما يصفون.