استشعار النعمة نعمة
السبت، 29 ديسمبر 2018 11:11 ص
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.. قرأت مؤخرا منشورا يشيد بإجابة متداولة في السودان عندما تسأل أحدا عن أحواله ولا أعلم مدى صحته ولكنه أسرني بجماله فالرد يأتي ( غارقا في فيض من نعم الله ) ، وبالفعل نحن مهما كانت أحوالنا الشخصية تبدو متعبة غارقون في النعم ، وإن كان هناك ما يكدر صفو الحياة فهناك أيضا ما يسعدها ولكن مع الأسف كثيرا ما يأتي الشيطان للإنسان يذكره بالمفقود لينسيه الموجود .
ومع قرب انتهاء عام وبداية عام جديد نجد الناس منقسمين لفريقين في الأغلب الأعم ، فهناك فريق نجده طوال الوقت ومع بداية كل عام جديد يتهكم على ما مضى من حياته ويذم العام الراحل ويعتبره عاما سيئا حمل معه عداوات وظلما ومشكلات كبيرة وخيبات ويبدأ في إطلاق النكات بأنه لا يريد من العام الجديد أن يكون مثل سابقيه ، ونسي ذلك الشخص أو تناسى نعم الله عليه فيكفيه أنه لايزال يحفظ له الصحة والقدرة على الكتابة أو النطق ليشكو ، ومازال يمتلك مالا ليحصل به على انترنت وهاتفا محمولا يعبر فيه عن مشاعره ، و لايزال الله يحفظ له حتى ولو بعض الأهل والأصدقاء والأحباء الذين يضحكون على نكاته ويحملون معه همومه ، ويحفظ له عقله وعمله الذي يشكو منه يوميا والذي كان حلما من أحلامه يوما ما الحصول عليه .
وهناك فريق آخر وهبه الله نعمة الحمد والرضا بالقضاء والقدر والقناعة بما يمتلك فهناك حكمة رائعة تقول (إن استشعار النعمة نعمة ) فمن يشعر بالامتنان بما وهبه الله من نعم صغيرة كانت أو كبيرة هو حقا يعيش في نعيم تذوق النعم وتجده يمتلك سلاما داخليا يكفي العالم بأكمله ، لا تراه إلا مبتسما مدخلا السرور على من حوله ، فحقا إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها .
من المحزن على الأقل بالنسبة لي شخصيا أن أجلس من أشخاص لا يرون سوى نصف الكوب الفارغ مع أن هناك نصف كوب ممتلئ ، ليس بالضرورة أيضا أن نلاحظ الممتلئ فقط بل على أقل تقدير نحتاج للعدل ومساعدة أنفسنا على معرفة الحقيقة بوجود نصفين وربما ثلاثة أرباعا وربع المهم أنه بالتأكيد هناك جيد مثلما يوجد سيئ .
أستعجب من هؤلاء الأشخاص الذين نلتقي معهم أحيانا في مطعم أو مقهى للتنزه وتناول الطعام والشراب أو في فندق لقضاء عطلة ونجدهم يلعنون الظروف الصعبة وعدم القدرة على المعيشة ومنهم من يحدثك عن صعوبة الحياة وهو مشعل لسيجارته أو مستنشق لدخان الشيشة التي يحرق ماله فيها ويدمر بها صحته ، أية صعوبة هذه التي يتحدثون عنها وأية إزدواجية هذه التي يعيشونها ؟ ألم يعدوا نعمة الله عليهم ويلاحظوا أن لديهم وفرة من المال للاستمتاع وأحيانا لحرقه في سيجارة ؟ ألا يستطيعون أن يحمدوا الله على اعطائهم الفرصة للتنزه ولقاء أصدقاء ، ومنحهم نظرا وعيونا ترى نور الشمس وألوان الشجر والبحر أو حتى القمامة ، ووهبهم صحة يتناولون بها الطعام ولسانا متذوقا له وللأسف ناطقا ولكن ليس بالشكر أو الحمد ولكن بالشكوى فقط ؟
أعتقد أن هناك الكثيرين من البشر في حاجة إلى معالجة أفكارهم ونفسياتهم حتى يستشعروا نعم الله عليهم حتى وإن كانت في نظرهم أقل من نعم أخرى وهبها الله لغيرهم من البشر فلربما كانت مجرد أوهام فليس هناك مخلوق على وجه الأرض لم يمر بمشكلات ولم يفقد حبيبا ولم يمر بظرف صعب وقاس ، ولكن هناك بشرا يستطيعون الصمود وتحويل المحنة لمنحة ويعتبرون كل يوم جديد بمثابة بداية جديدة لحياة جديدة ، وهناك من لا يتميزون سوى في النواح والشكوى وهم لا يعلمون أن الرضى لمن يرضى .
ومع بداية عام جديد أدعو الجميع لاستشعار النعم والاستمتاع بالحياة تحت أي ظرف ففي النهاية كلنا راحلون ولن يبقى سوى الأثر ، فلنعش الحياة بسعادة فليس لها إعادة ..
لا تطلبوا من السنَوات أن تكونَ أفضل لكن حاولوا أن تكونوا أنتم الأفضل .
مع تمنياتي بعام جديد سعيد على الجميع أجمل من الأعوام الماضية وأدعو الله أن يهبنا جميعا نعمة استشعار النعم .