«يمين الواتساب».. واحدا من الاستخدامات الكارثية لمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي والتي كانت تستهدف في بداياتها تسهيل وتيسير التواصل والتعاملات بين الأفراد ومد جسور التواصل بينهم في مختلف دول العالم، بما يجعل الكون كله أشبه بالقرية الواحدة، كما تلعب دورا هاما في التنمية الاقتصادية بمختلف مجالاتها، والنهوض بمستوى الخدمات التعليمية والصحية والحكومية وغيرها.
ولكن في الأونة الأخيرة، ومع تنامي استخدام التكنولوجيا في المجتمعات، ووصولها إلى كافة أفراد الأسرة والمنازل، باتت تستخدم بشكل سيئ ويسبب مشكلات وخطرا على مستخدميها وأدت إلى استحداث مشكلات بين الأسر والمجتمعات بشكل أكثر عمقا من ذي قبل، حتى أنها تسببت في تشتيت وتدمير أسر بأكملها، وضياع مستقبل أفرادها.
وتلعب التكنولوجيا دورا خطيرا في زيادة نسب الانفصال الأسري، والطلاق، بحسب الدراسات والإحصاءات الحديثة التي تشير إحداها إلى أن نسب الطلاق فى المجتمع المصرى ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بصورة واضحة، إذ قفزت بين 7 و40% خلال الخمسين عاما الأخيرة، وتجاوز عدد المطلقات 4 ملايين سيدة، بينما تستمر الأرقام فى المنحنى الصاعد، لتقع 240 حالة طلاق يوميا، بمعدل 10 حالات كل ساعة، تحصد وسائل التواصل الاجتماعي نسبة كبيرة منها.
وبحسب الملفات والقضايا المنظورة أمام محاكم الأسرة، فإن كثيرا من الصراعات والمشكلات الزوجية ترتبط بالتكنولوجيا بشكل أو بآخر، إما من خلال التعرض للنصب والاحتيال من خلال أحد مواقع التواصل الاجتماعى، أو استغلال هذه المواقع فى الخيانة الزوجية، أو الغيرة وحصار الزوجة وضربها وإهانتها بسبب إنشاء حساب أو صفحة على موقع منها، تتعدد الحالات والمشكلات التى تهدد استقرار الأسر والحياة الزوجية فى المجتمع المصرى، وتتنوع آثارها بين العاهات المستديمة وضياع الحقوق المادية وفقدان المال، ورغم هذا تظل التكنولوجيا فى نموها المعتاد، وتتعمق مخالبها فى لحم المجتمع وروحه يوما بعد يوم، وتتعالى الأصوات والشكاوى فى أقسام الشرطة وأمام محاكم الأسرة.
وبدأت ظاهرة الطلاق عبر رسائل وسائل التواصل الاجتماعي «واتس آب، وفيس بوك»، واحدة من الظواهر التي أخذت تنتشر بشكل كبير بين أفراد المجتمع المصري في الأونة الأخيرة، وذلك من خلال رسائل تصل إلى الزوجة بتطليقها من حساب زوجها، وهي الحالة التي من الصعب إثباتها لاسيما حال نكران الزوج وادعائه بأن حسابه قد تم اختراقه أو سرقة هاتفه وتضع الزوجة في حيرة شديدة تعرقل سير حياتها بشكل طبيعي، فهل تحل له شرعا عقب وصول تلك الرسالة إليها، أم أنها أصبحت مطلقة.
في كثير من الأحيان تتجه الزوجة إلى محكمة الأسرة لإثبات حقها، والفصل في حيرتها شرعا وقانونا، لاسيما حال مماطلة الزوج في إعطائها حقوقها الشرعية والمالية وادعائه باختراق حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
واحدة من تلك الأزمات هي التي شهدتها «شيماء. ع» والتي وصلتها رسالة عبر تطبيق «واتس آب» الخاص بها من هاتف زوجها نصها: «أنتي طالق بالتلاتة»، لتبدأ رحلة معاناتها في إثبات الطلاق والحصول على حقوقها الشرعية المكفل لها بالقانون.
وتقول الفتاة: «إن زواجي استمر لعامين، ول أظن أن الزواج يمكن أن يكون بتلك البشاعة، ولكن قضاء عامين مع زوجى جعلنى أدرك أن نهايتى معه ستكون مأساوية، وهو ما حدث بالفعل عندما اعترضت على تدخل والدته فى حياتى، وضغطها علىّ بشكل مباشر، فما كان منه إلا أن طردنى من منزلى وسلب كل حقوقى وخطف رضيعى، وأرسل رسالة على واتس اب قائلا أنتى طالق بالتلاتة».
وخلال حديثها أمام قاض محكمة الأسرة بمدينة نصر تتابع الفتاة: «ذهب والدى لأهله، وحاول أن يجد حلا للصلح بيننا، لكنه رفض رجوعى له، وأنكر تطليقى، وادّعى سرقة هاتفه، وتركنى معلقة منذ ما يزيد على 6 شهور، والأصعب أنه حرمنى من رؤية ابنى».
ومن مدينة نصر -الحي الراقي-، إلى الوايلي الشعبية لم يختلف الأمر كثيرا فالسوشيال ميديا لاتفرق بين طبقة اجتماعية وأخرى بل باتت تتحكم في عقول وتصرفات الجميع دون هوادة، لتضرب أساسات بيت منيرة رجب، التي اضطرت للمثول أمام محكمة الأسرة سعيا للحصول على حقوقها، وتسرد معاناة آلاف من الزوجات أمام قاض المحكمة قائلة: «بنتكلم صدفة أنا وجوزى، وبيقضى نص يومه فى الشغل والباقى مع تليفونه، بيكلم أصحابه أونلاين، وطوال 3 سنين جواز حياتنا فضلت على حالها، لحد ما سبته هو وبنته وهربت من الخرس الزوجى وتحملى مسؤولية الأسرة لوحدى».
هربت «منيرة» من خلف قضبان السوشيال ميديا، ولكن حظ «أ. م» كان أكثر سوءا إذ كانت ضحية للضرب والتعذيب بسبب اعتراض زوجها على استخدامها مواقع التواصل الاجتماعى، لتصف ماتعرضت له من معاناة قائلة: «كنت حاسة نفسى فى سلخانة من كُتر التعذيب، رغم إنه جامعى لكن وقت الغضب بيعاقبنى زى الجهلة، وبيحرمنى من كل حقوقى، لحد ما بقيت بخاف أتنفس وأنا معاه خوفا من إنه يبطش بى، حتى التليفون حرمنى منه بحجة الغيرة علىّ».
وتضيف الزوجة فى دعواها أمام محكمة الأسرة: «صبرت كتير على الضرب، ومدّ إيده علىّ منذ زواجنا، واتحملت بسبب بنتى الصغيرة، لكن ما كنتش أتصور إن الحال يوصل بيه لإنه يعاقبنى علشان عملت صفحة على الفيس بوك، وإنه يتهمنى بخيانته، ويضربنى برجله فى بطنى وعلى راسى ووجهى، لحد ما وقعت على الأرض، وبعدها ربطنى بالحزام وفضل يعذبنى طول الليل رغم توسلى ورجائى ليه».
ولاستكمال مسلسل خراب البيوت على أيدي مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، تعرض العديد من روادها لوقائع نصب واحتيال كواحدة من الآثار السلبية لها، فباتت تلك التقنيات الحديثة سببا في ازدهار أعمال النصب والاحتيال، لكن طوال سنوات ظل الأمر مرتبطا بمجموعات منظمة ومحترفة من النصابين والمحتالين الذين ينصبون شباكهم حول أهداف محتملة وأشخاص لا يعرفونهم، قبل أن يتطور الأمر مؤخرا ليطال العلاقات الإنسانية والأسر المصرية.
تحت لافتة التعرض للنصب والاحتيال باسم الحب ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعى، وقف الشاب «سامى. أ. ع» أمام محكمة الأسرة فى إمبابة، فى دعوى رد الشبكة التى أقامها ضد أسرة خطيبته السابقة، بعدما اكتشف أنه تعرض لعملية خداع وإخفاء معلومات مهمة تخص علاقته بخطيبته، وعندما علم بالأمر وحاول اتخاذ موقف فوجئ أنه تعرض لعملية احتيال.
يقول الشاب، إنه اكتشف بعد فترة من الخطوبة أن خطيبته السابقة ارتبطت وعقدت قرانها 3 مرات من قبل، واستولت على أموال من خاطبيها السابقين، وفى حالته فإنها استولت على الشبكة التى اشتراها لها بمليون و250 ألف جنيه، إضافة إلى شقة بمليون و200 ألف جنيه، قبل أن يكتشف أنها اتفقت مع سمسار من محترفى النصب، شاركها فى تزوير المستندات والأوراق لتسجيل الشقة باسمها.
وأكد الشاب الذى يعمل صيدلانيا بالمملكة العربية السعودية، أنه تعرف على خطيبته السابقة من خلال موقع الـ«فيس بوك»، وارتبطا عاطفيا فى بادئ الأمر، وبعد فترة من العلاقة تقدم لها وتمت خطبتهما، قبل أن يكتشف لاحقا أنه سقط ضحية لعملية نصب مكتملة الأركان، وأن خطيبته تتعامل مع الزواج والخطوبة بمنطق «البيزنس»، وتحقيق الأموال بشكل سهل على حساب الآخرين.
حالة أخرى لوقائع العنف لعب الـ«فيس بوك» فيها دورا هاما، حيث دفع الزوجة إلى الانتقام من خيانة زوجها مع مراهقة عبر التطبيق إلى إحراقهما بـ«ماء النار» بعد شهور من الزواج، وبحسب تفاصيل الواقعة فإنها فوجئت بتصرف الزوج، ولم تكن تتوقع أن يخونها ويستغل زيارتها لمنزل أسرتها، ويستحضر الساقطات إلى منزلها وعلى فراشها، مؤكدة أنها عندما واجهته بالأمر كان ردّه حادا ومستفزا، وحاول تحميلها المسؤولية بادعائه أن نفوره منها يعود إلى تقصيرها فى حقه وعدم تلبيتها لمتطلباته الروحية والجسدية، وهو ما أخرجها عن شعورها ودفعها للتخطيط للثأر من كرامتها والانتقام منه عقابا على ممارساته الشاذة.
وتضيف الزوجة «منى. ا. أ»، التى وقفت أمام جهات التحقيق بقسم شرطة مصر الجديدة، متهمة فى بلاغ من زوجها «علاء. ج» بالاعتداء عليه وإصابته بعاهة مستديمة، أنها كانت آخر من يعلم فى واقعة خيانة زوجها، قائلة: «كل صديقاتى كانوا بيحاولوا يصارحونى بحقيقة جوزى، والخطأ الوحيد الذى ارتكبته أننى لم أتصدّ له فى أول مرة علمت بتجاوزاته، وأنه يعيش علاقة عاطفية مع مراهقة تعرف عليها من خلال موقع الفيس بوك، وأن بينهما أحاديث جنسية خادشة للحياء».
وعلى صعيد الصيغة القانونية للطلاق من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، يقول المحامى رمضان البغدادى، المتخصص فى قضايا محاكم الأسرة، إن الطلاق حتى يقع يجب أن يكون خلال مواجهة مباشرة بين الزوجين، أو أمام شاهدين، أو أن يُوثق بقرار محكمة، وذلك تجنبا للأضرار التى قد تنتج عن الطلاق غير الموثق»، لافتا إلى أن مواقع التواصل الاجتماعى فى ظل التطور المتنامى أصبحت تشكل آفة تضرب كثيرا من البيوت وتسبب متاعب ومشكلات لمئات من السيدات، مع إقدام الأزواج على تطليقهن فى حيز محدود وداخل دائرة تقتصر على الطرفين، ثم يرفض الاعتراف بهذا الطلاق لاحقا، لتجد نفسها أمام مازق كبير وضياع شامل لحقوقها، قائلا: «فى تلك الظروف تقيم الزوجة دعوى إثبات طلاق، بحسب المادة 60 من قانون الأحوال الشخصية، وتدعى تطليقه لها وخشيتها من التورط فى اختراق حدود الله، وتطلب من الزوج يمينا حاسما لإنكار الطلاق، ويُحسم الأمر فى جلسة واحدة قد يفوز بها الزوج إذا أنكر الزواج»، موضحا أن أغلب حالات اليمين الحاسمة تكون بسبب مواقع التواصل الاجتماعى.
من جانبه، قال الشيخ محمد عون، المتحدث باسم نقابة المأذونين: إن رسائل الطلاق على مواقع التواصل الاجتماعى وتطبيقات التراسل الفورى لا يُعتد بها شرعا، إلا إذا أقرها الزوج أمام المأذون أو جهة التوثيق، فإذا أقرها تقع طلقة.
وأشار «عون» إلى أن الرسول قال «لا طلاق فى إغلاق»، أى تحت تأثير الغضب والانفعال، وقسم العلماء الغضب إلى ثلاثة أقسام، لا يقع الطلاق فى قسم واحد منها، وهو أن يصل الزوج إلى مرحلة الهذيان واللا وعى بحيث لا يكون مسؤولا على أفعاله، إذ أجمع الفقهاء على أن هذه الحالة لا يقع فيها الطلاق، أما فى حالات الإدراك والوعى الكامل، سواء كانت فى ظروف طبيعية أو تحت تأثير الغضب، فإن الطلاق يقع ويُحتسب ولو أنكره الزوج.
وأضاف المتحدث باسم نقابة المأذونين أن نسبة الطلاق عبر وسائل التواصل الاجتماعى وتقنيات الاتصال الحديثة أصبحت كبيرة جدا، وهو ما يلحظه المأذونون من خلال عملهم اليومى، متابعا: «نستقبل استفسارات عديدة على صفحات النقابة بمواقع التواصل الاجتماعى، وصفحات المأذونين، ودار الإفتاء، كلها تخص الطلاق بالوسائل الحديثة. والأمر بات يُشكل ظاهرة مزعجة، وتحتاج للتوقف معها بالدراسة والبحث عن حلول.