علم البيان
الأحد، 23 ديسمبر 2018 04:19 م
منذ أيام عرضت قناة ماسبيرو زمان مسرحية "شمس النهار" عن عمل أدبي لتوفيق الحكيم، وفي نفس اليوم كانت أغنية الأطلال للشاعر إبراهيم ناجي والعبقري رياض السنباطي بصحبة كوكب الشرق أم كلثوم، وبلغ مسامعي هذا الزاد اللغوي المبهر والتركيب اللفظي المبدع، هكذا كان حال اللغة وهكذا كان مستمعي ومتذوقي الفن علي اختلاف طبقاتهم التعليمية والاجتماعية في هذه الحقبة الزمنية، وشجون آثارها هذا الوعي اللغوي الثري الذي كان الفن هو أحد أعمدته الرئيسية التي يرتكز عليها في اعتمادها لغة للحكي داخل الوعي الجمعي للمصريين.
أبت اللغة العربية أن تندثر أو تقهر وذلك بفضل حفظ الله تعالى، فهى لغة الوحي.. لغة القرآن خاتم الرسالات السماوية، ثم بفضل أسلحتها الناعمة من داعمين ومريدين لها في مختلف المؤسسات خاصة التعليمية والثقافية والإعلامية، ومدرسة الفن السامي التي كانت أرقي سفير للغة الضاد صاغت وجدان الأمة فتعضدت مكانتها بالمحبين والداعمين، وحينما أخلص لها أبناؤها حافظت علي مكانتها وبريقها وجمالياتها.
اللغة تظل خالدة حين يعتز بها أهلها ويعلمونها لأبنائهم جيلا بعد جيل، لذلك فهم يدركون أهمية الحفاظ علي لغتهم فهي الهوية والتاريخ وبدونها يحكم على ماضيهم بالقتل، محوا ونسيانا ويتم اقتلاعهم من جذورهم وتضيع، وأمة بلا ماض بلا حاضر ولا مستقبل.
اللغة حاضنة التاريخ ولكي تكتشف عظمة أي أمة أنظر إلى لغتها لتعرف أين هي بالضبط، ورغم أن اللغة العربية كانت ذات يوم الأولى في التسيد الحضاري والإنساني عندما كانت الحضارة العربية في أوج عظمتها، إلا أنه بتراجع تلك الحضارة تراجع التعامل بالعربية، والاهتمام بها حتى في البلدان العربية الناطقة بها، وانفصل الشباب عن لغتهم اللغة الأم، فبنظرة سريعة نري ما آلت أليه من انحدار لغوي لا تخطئه عين ولا أذن، حينما تصطدم بما تكتبه او تتلفظه الأجيال الشابة في الشارع المصري والعربي، أو في وسائل التواصل الاجتماعي وعلي شاشات الفضائيات، فالتراجع مهين لمفردات اللغة بعدما تشوهت الكلمات وتدنت مفرداتها في ظل غياب النخب اللغوية.
واقع لغتنا العربية اليوم يبرهن علي التحديات الصعبة التي تواجهها، حيث تعاني عقوق أهلها فمنهم من هجرها إلى اللغات الأجنبية من باب المرور للوظيفة المرموقة، ودليل علي المكانة الاجتماعية اللائقة، وآخرون مزجوا بين كلماتها وكلمات لاتينية لتظهر لنا لغة ثالثة بين العربية، وللأسف فقدت المؤسسات التربوية التعليمية دورا هاما في تعزيز وتعميق دور اللغة في حياتنا، فقد جري تهميشها في ظل عدم التطور في أساليب تعليمها بحيث أصبحت مادة جامدة لا تتماشي مع الواقع المعاصر، عكس طرق وأساليب تدريس اللغات الأجنبية، فنحيت اللغة العربية جانبا وأصبحت اللغات الأخرى واللهجة العامية بديلا عنها، إضافة إلي تغير التركيبة الثقافية للمجتمع بتوغل الثقافات الوافدة.
ازدادت أحوالها سوء بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ودورا أخر لا يقل أهمية، بل يزيد في إضعاف وتجريف اللغة العربية وقلب موازينها عند قطاع كبير من الشباب، بسبب التداول اللغوي الإلكتروني الخاطئ الذي يتسم بالتساهل في استعمال اللغة العربية فقضي علي الباقية البقية منها.
إما الإعلام والفن فحدث ولا حرج، فقد أصبح ناقلا للقبح والفجاجة، ومروجا لها وأبتعد عن الجماليات بكافة أشكالها، إلا من رحم ربي وشيئا فشئ لم يعد التعامل باللغة العربية يليق بمكانتها ومقامها الرفيع، رغم أن تعلمها فرض عين فمن راد أن يتفقه في أمور دينه عليه باللغة العربية، فرفقاً بلغة الضاد .