المفكر مراد وهبة: ابن تيمية «حي» ويُطارد الآن في السعودية (حوار)
السبت، 22 ديسمبر 2018 08:00 صبلال رمضان وأحمد عرفة
وصفه البعض بأن لديه «فوبيا الإخوان»، إذ يعد من ألد أعداء الأصولية الدينية، والجماعات الإرهابية، مثل جماعة الإخوان، ودائما دائما ما يتحدث عن ابن رشد، باعتباره الحل الأمثل لما يعانى منه العالم أجمع اليوم، حتى إن له العديد من المؤلفات التي لا تتحدث إلا عن ابن رشد.
ويؤكد المفكر والفيلسوف الكبير مراد وهبة، أن هزيمة الأصولية الدينية وزعيمها ابن تيمية، تتمثل في إعادة إحياء فكر ابن رشد.. وفي هذا الحوار تحدث بأستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس، حول العديد من القضايا، كاشفا رأيه في تجديد الخطاب الديني وتطوير المؤسسة الدينية.
يقول وهبة، عن من هم المفترض مشاركتهم في تجديد الخطاب الديني، إنهم «المثقفون بوجه عام، فكل من يطلق على نفسه اسم مثقف يتحمل مسؤولية تجديد الخطاب الديني، وليس فقط المؤسسة الدينية؛ لأن المؤسسة الدينية جزء من المجتمع، وأنا لا أرغب على الإطلاق في النظر إلى أي مؤسسة دينية على أنها قائمة بذاتها وتفعل ما تريد».
ويضيف: «لا أتقبل هذه الفكرة، والدين ليس حكرا على المؤسسة الدينية، ففي الأصل من حق أي إنسان أن يكون متدينا، وبعد التدين تنشأ المؤسسة الدينية، فأنت أولا تؤمن بدين ما، ثم يتسع ويصبح معتقدا، وبعد ذلك يكون في إطار مؤسسة دينية، وفى هذه الحالة ندخل في حوار مع المؤسسة الدينية، فأنا لست من أنصار التركيز على المؤسسة الدينية كما لو كانت قائمة بذاتها.
وعن تطوير تطوير المؤسسة الدينية، يؤكد أستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس، أن المؤسسة الدينية في حاجة إلى أن تطور نفسها، لأن الحياة سلسلة من التطورات، فلا ينبغي لأي دولة تسعى إلى التقدم أن تتمسك بفترة معينة أو تأخذ حقبة معينة من التاريخ وتقوم بعزلها عن باقي الفترات الأخرى، ففي إطار أن الحياة في حالة تطور فإن كل المؤسسات في حالة تطور، وبالتالي فلا بد للمؤسسة الدينية أن تواكب الزمن، وتسعى جيدا لأن تواكب العصر، وتتحدث بلغته، وفكره، ولا يعد هذا خروجا عن الإيمان، فالإيمان حي وليس ميتا.
وكشف وهبة، أن المؤسسة الدينية، ليست مواكبة للعصر، «فلو كانت مواكبة ما كنا لنرى أي شكل من أشكال الإرهاب»، مضيفا: «لنكون واضحين، ليست مناهج الأزهر فقط هي المسؤولة عن الأزمة التي نعانى منها، بل تمتد لكليات التربية التي أرى أنها تخرج إرهابيين».
ويقول أستاذ الفلسفة، إن جماعة الإخوان سيطرت على كليات التربية، ولا زال متمسكا برأيه، متابعا: «نعم.. وبكل تأكيد، ولا أقول رأيا هنا، بل أتحدث عن تجربة عشتها بنفسي، فأنا أعيش في كلية التربية، جامعة عين شمس منذ عام 1958، وتم فصلى مرتين، الأولى في عام 1981، والثانية في عام 1997، حينما قال لى رئيس الجامعة: (أرجوك توقف عن التدريس لأن أفكارك تهديد للأمن القومي، فالطلبة لا ينامون»، وفي العام الماضي عاودت تجربة التدريس في الكلية».
ويضيف: لا بد من تطوير التعليم الجامعي بشكل عام، والبداية لا بد أن تكون من كلية التربية، لأنها المعنية بتخريج المدرسين، فلو اقتحمت كليات التربية، ثم ذهنية الأستاذ «هتختفي الإخوان على طول»، ولذلك فجماعة الإخوان «مانعين» أي تطور في كليات التربية، ومادمت تنادي بتطوير التعليم فعليك بكليات التربية، ودون ذلك فأنت تلعب خارج الملعب ولن تصل لي نتيجة، فالحديث عن تطوير التعليم دون اقتحام كليات التربية وتطهيرها من الإخوان عبث».
حول أسباب انتشر الإرهاب بشكل مكثف عن الفترات السابقة، يقول أستاذ الفلسفة: «لقد أمضيت سنوات من عمري من أجل دراسة هذه الظاهرة، وبدأ اهتمامي بها منذ عام 1974 على إثر قانون الاستيراد بدون تحويل عملة، الذي قيل عنه الانفتاح الاقتصادي، الذي أصدره الرئيس الراحل أنور السادات عام 1974، وكان السؤال: ماذا يعنى الاستيراد بدون تحويل عملة؟ يعنى ألا تذهب للبنك لكي تستورد، ولكن هناك سوق سوداء بها دولارات يمكن الشراء منها، ومنها للخارج، فأصبحت الدولة خارج الملعب الاقتصادي، وأطلقت حينها على هذه الظاهرة الاقتصاد الطفيلي، أو الرأسمالية الطفيلية، لأنها كانت تستورد ما هو غير مشروع مثل أسلحة ومخدرات وأيضا الدعارة».
ويضيف: «لكن ليس في الإنتاج، ومن هنا بدأت الأزمات الاقتصادية، ونشأت معها شركات توظيف الأموال وصدرت حينها بفتاوى دينية، وهو ما ساعدها فى الدخول إلى تيار أطلقت عليه حينها تيار الأصولية الدينية، أي أنك تقبل الفتوى إذا كانت عبارة عن عدم إعمال العقل في النص الديني، أي تأخذ النص الديني بظاهره وليس في عمقه، ثم يتهمك بعد ذلك إذا أعملت عقلك بالملحد، ونتج عن هذا التحالف بين الطفيلية الرأسمالية والأصولية الدينية الإرهاب، وذلك لأن الأصولية الدينية لابد أن تكفر، وهي مسنودة بالرأسمالية الطفيلية ولما تكفرك وأنت تعاند معها تقتلك، وبالتالي فالقتل هو آخر مرحلة من مراحل الأصولية الدينية».
وبشأن أين فلاسفة هذا العصر، يقول وهبة: يقال عنى إنني أعود إلى التراث، ولكن أنا لا أعود إلى التراث، أنا أعود إلى كائنات حية، وهما ابن رشد، وابن تيمية، فهذه كائنات حية لم تمت، وما زالت تعيش حتى الآن، فابن تيمية يعيش حتى الآن، وبدأ يعانى من مطاردة ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بن سلمان بما يفعله من تجديد للفكر الديني فهو يطارد أفكار ابن تيمية في المملكة فابن تيمية يطارد الآن في السعودية».
ويضيف: وأنا أطالب بإعادة إحياء فكر ابن رشد في محاربة ابن تيمية، لأنه كائن حي لم يؤد دوره حتى الآن، فلا يصح أن نقول عن هذا تراث، فهو الآن مطلوب ولابد لنا من إعادة إحياء فكره بشكل أكبر من ذلك، لأن العالم الإسلامي رفض التعامل معه، في حين أن الغرب استفاد كثيرا من فكر ابن رشد، لأنه العدو اللدود لابن تيمية.
ويكمل: علينا أن نعي جيدا ونحن نحارب الإهارب أننا لا نحارب شخصيات تاريخية، بل نحارب أشخاصا أحياء، فإذا ذهبت إلى الإخوان ستجدهم يقولون بأن ابن تيمية يعيش معنا الآن ونحن مسؤولون عن تنفيذ كل أفكاره، فكيف نقبل نحن بمثل هذه الأقاويل، أننا نتعامل مع التراث، فابن تيمية له مفعول قوى في الوهابية وله مفعول قوى داخل الإخوان، فلا يمكن أن تتحدث مع الإخوان بمعزل عن ابن تيمية، ولا يمكن أن أتحدث عن تجديد الخطاب الديني، بدون التعامل مع ابن رشد إلا باعتباره كائنا حيا ما زال يعيش بيننا حتى اليوم.
وتابع: «وإذا ما أردنا دليلا قويا آخر يثبت أن ابن تيمية حي بيننا، فلننظر إلى تنظيم داعش الذي تستعين به في عملياته الإرهابية، فكيف نأتي بعد كل هذا، ونتعامل معه باعتباره تراثا، ونقبل كذلك بأن نتعامل مع ابن رشد على أنه تراث، ومن هنا أعود وأكرر أننا ما زلنا نعيش في القرن الـ13 على الرغم من أننا في القرن الـ21.
وعن رأيه في دعوات المصالحة مع الجماعة، يقول أستاذ الفسلفة: المسألة مسألة تغيير الذهنية، هذا هو الاعتذار، فما فائدة الاعتذار عن القتل والإرهاب، ما دمت متمسكا بعقيدتك الإرهابية، هنا يتحول الأمر إلى مسألة سطحية ولا تدخل في صميم المعركة.. وصميم المعركة يقول بأن الإخواني أصولي إرهابي، والرئيس عبدالفتاح السيسي جاء في 30 يونيو و3 يوليو، بشرط ألا يكون هناك وجود للإخوان، وقبل دوره في إطار ذلك، ولهذا أسأل أصحاب المصالحة عن ماذا تتحدثون؟!
ويضيف: إذا أردنا حقا البحث عن المصالحة، فعلينا أن نسأل الأصوليين هل يقبلون بإعمال العقل في النص الديني؟ هل تقبل إذا كانت النظرية العلمية لا تتفق مع ظاهر النص الديني أنك تُعمل العقل في النص الديني؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي أن تطرح.
وبشأن تقييمه للفترة الرئاسية الثانية للرئيس عبدالفتاح السيسي، يقول وهبة: «يستمر، لأن لما كان فيه أحزاب أصبح هناك تداول للسلطة، ولكن الآن، لا توجد أحزاب كلها (ورق) وبالتالي تداول السلطة غير وارد، يعني هيتداول السلطة مع مين؟ لما الجماهير تقول يكمل يكمل، مش مسألة مدة ثانية أو ثالثة، الأمر في النهاية مرتبط بالرئيس والجماهير».