حرب "التفكيك الساخن" فى صورتها الجديدة ضد مصر
الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018 02:07 م
في الوقت الذي بدأت مصر فيه الاستعداد لإعلان قرب انتهاء حربها على الإرهاب، والكشف عما تم إنجازه في هذه الحرب وعدد أرواح شهداءنا التي حصدتها رصاصات الغدر، والمساحات التي حررتها من سيطرة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، والاحتفال بالإنجازات التي تتم على أرض الواقع سواء داخل سيناء أوفي كل ربوع المحروسة من مشروعات تنموية وقومية عملاقة، وبنية تحتية..إلخ، تلوح في الأفق ملامح حربا أخرى بدأت تدق طبولها في الداخل والخارج.
الحرب التي تتعرض لها مصر، في الوقت الراهن، لم تكن ضد التنظيمات الإرهابية وجماعات الظلام المتخفين في عباءة الإسلام، والدين منهم براء، لكنها هذه المرة حرب من نوع خاص، تنفذ خطوات «حروب الجيل الخامس» بحزفيرها وبكل حرفية، حرب اطلقت رصاصاتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي انتشرت بكثافة وانطلقت فجأة مثل أسراب الخفافيش التي تهاجمك بمجرد أن يٌفتح لها الباب كما تصوره مشاهد أفلام الرعب.
والجيل الخامس من الحروب، يعتمد على استخدام العنف المسلح عبر مجموعات عقائدية مسلحة والتنظيمات الصغيرة المدربة (صاحبة الأدوار الممنهجة) وعصابات التهريب المنظم، حيث يستخدم فيها من تم تجنيدهم تكنولوجيا الأسلحة المتطورة، وأحدث السبل والوسائل التكنولوجية لحشد الدعم الشعبي والمعنوي، حيث يتم استخدام العنف بشكل رئيسي وممنهج اعتمادا على التقنيات الحديثة، وهو الجيل الجديد من الحروب التي تواجهها مصر والمنطقة العربية الأن، إذ يتم استخدام عمليات مركبة تتحالف فيها تقنيات حرب اللاعنف والميليشيات المسلحة والاختراق السياسي وانماط من العنف المجتمعي لبناء تكتلات صراعية وحروب داخلية على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي من داخل الدولة المستهدفة وبأيدي شعبها، الغرض منه استنزاف هذه الدولة التي تم زراعة الصراعات الداخلية فيها بمواجهة تهديدات خارجية عنيفة، وهو ما يسمى بـ«التفكيك الساخن».
وصممت نظرية «التفكيك الساخن» على جميع أشكال العنف داخل المجتمع المستهدف، وتصدير صورة «العدو السوبر» التي تعتمد على إجبار الدول التي تشترك في مصالح أو لديها قواسم مشتركة ضد عدو مشترك، ومنها ما حدث مع تنظيم «داعش» الإرهابي، حيث تم صناعته وتصديره أنه «العدو السوبر»، حتى تتمكن أمريكا عن طريقه باختراق الدول التي تعاني من هذا العدو والاستيلاء عليها من خلال استنزافها عسكريا وأمنيا خارجها، إذ أن محاربة أي تنظيم ليس له قوام رئيسي وأرض محددة، أشبه بالدخول في حرب أشباح وسط الظلام، ما يستنزف طاقة الدولة الرئيسية المستهدفة وتشتيت تركيزها في أنماط حروب صغيرة ومتوسطة، داخليا وخارجيا، وهو المطلوب صناعته.
بدوره بدأ فعليا تنفيذ «حروب الجيل الخامس» على مصر، خلال الخمس سنوات الماضية داخل سيناء، الأمر الذي كانت تدركه القيادة السياسية فخاضت حربها المقدسة ضد الإرهاب، وأعقبتها بإعلان العملية الشاملة سيناء 2018 في فبراير الماضي، لتطهير أرض الفيروز من دنس التنظيمات الإرهابية والبدء في تنفيذ مشروعات التنمية والبنية التحتية وجذب الاستثمارات وتعظيم دور الاقتصاد في هذه البقعة الغالية، إلا أن واضعي مخطط حروب الجيل الخامس، لا يثنيهم شئ عن دورهم التخريبي وخططهم الشيطانية، وهو ما ينسحب على ما تتعرض له الدولة المصرية هذه الأيام، من حوادث بحق المسيحيين المصريين، وعلى الرغم من وقعها النفسي المؤلم، إلا أن التنظيمات الصغيرة المدربة صاحبة الأدوار الممنهجة، بدأت تطفوا على السطح لاستثمار هذه الأحداث واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والتقنيات الحديثة لحشد الدعم الشعبي والمعنوي، والترويج على أن هناك فتنة طائفية واضطهاد للمسيحيين وقتل على الهوية الدينية، يستخدمون فيها عمليات مركبة تمزج بين تقنيات حرب اللاعنف والميليشيات المسلحة والاختراق السياسي وانماط من العنف المجتمعي، لبناء تكتلات ومناطق صراعية وحروب داخلية على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، لاسيما وأن المخطط العفن الذي تزكم رائحته الأنوف، بدأ أقباط المهجر في الداخل والخارج تنفيذ خطواته بكل دقة وبسرعة مذهلة.. لكن لماذا؟ وكيف؟ وأين؟
أفشلت ثورة 30 يونيه، المخطط الصهيوأمريكي بتفتيت مصر والسيطرة عليها وتنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الكبير» وهدمت نظرية «الفوضى الخلاقة»، الذي كان من المقرر تنفيذهما بيد جماعة الإخوان الإرهابية، حيث تسعى أمريكا وحليفتها الكبرى بريطانيا، إلى استبدال شعارات «الديمقراطية، وحقوق الإنسان» التي ظلت ترفعها في وجه الحكومات العربية خلال الـ 20 سنة الماضية وتهديدهم بها، إلى شعار «حقوق الأقليات، والفتنة الطائفية»، والترويج لشخصيات سياسية ذات طابع «طائفي» خلال الأيام - القليلة جدا القادمة -، والعمل على إنضاج تجارب الميليشيات المسلحة في ليبيا، باستخدام العائلات والقبائل في إنشاء حالة صراع داخلية، مرة بينها وبين بعضها ومرة بينها وبين الدولة، بالتزامن مع نشر أنماط من حروب اللاعنف بالتتابع في مناطق متعددة لاسيما في «صعيد مصر» تحديدا، حيث التكتلات المسيحية الأكثر كثافة، بغرض تشتيت تركيز الدولة، وبالتزامن مع هذه الصراعات المصطنعة، يبدأ تشكيل ميليشيات منظمة تعمل على تحويل النمط السلمي في التظاهرات إلى النمط العنيف تباعا، وبالتزامن مع الخروج مظاهرات في المدن، تبدأ المليشيات الإرهابية أو «المجموعات العقائدية المسلحة» في اختراق المناطق الحدودية وقصفها، يصاحبها حرب بين القبائل والعائلات في مناطق الصعيد، بغرض تشتيت تركيز الدولة وجهودها أثناء إنقاذ الموقف.
الأمر ليس ببعيد الأن، فقد بدأ بالفعل تنفيذ خطة «التفكيك الساخن»، ويتصدر المشهد في الوقت الراهن ومنذ فترة قصيرة للغاية، شخصيات خرجت من مصر وهاجرت إلى أمريكا من خلال طلب «لجوء ديني» وانضموا إلى منظمات دولية تعمل تحت مظلة «حماية الأقليات المسيحية في مصر» أي - الترويج لشخصيات سياسية ذات طابع طائفي -، شغلها الشاغل الوقيعة بين أبناء الكنيسة بعضهم البعض تارة، والوقيعة بين المسلمين والمسيحيين تارة أخرى، والأكثر من ذلك سب البابا تواضروس، ووضعه تحت ضغوط عنيفة من شعب الكنيسة، وتحريض الأقباط على الكنيسة وعلى الدولة من ناحية أخرى، باستثمار الحوادث الإرهابية التي يتعرض لها الأقباط في مصر، والترويج على أنها قتل على الهوية الدينية، وكذلك الحوادث الجنائية التي تحدث بحق المواطنين المسيحيين، ومنها حادث قتل القس سمعان شحاتة كاهن المرج، وحادث مقتل نشأت رزق طبيب المسالك البولية داخل عيادته في أسيوط، وأخيرا حادث المنيا الجنائي الذي راح ضحيته أثنين من الأقباط على يد أمين شرطة.
من المؤكد أن تكرار الحوادث الجنائية بحق الأقباط، أمر مؤسف ومؤلم، إلا أنهم في النهاية مواطنون مصريون لهم مالهم وعليهم ما عليهم، يتلقون جميع مراحلهم التعليمية في مدارس مصر، لا يفرض عليهم السكن في مناطق سكنية مخصصة لهم، بل لا تخلو أي عمارة سكنية في أي حي من أسرة مسيحية، ليست لهم أسواق خاصة بهم، لا تفرض عليهم ضرائب خاصة، لديهم بطاقات تموين وخبز، لا يحرمون من التعليم أو الرعاية الصحية، يمارسون شعائرهم الدينية في العلن وتدق أجراس كنائسهم كل أحد وجمعة، يحاكمون أمام ذات المحاكم فلا وجود لمحاكم التفتيش داخل مصر وليس لهم قانون خاص، يعانون من نفس الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها أي مواطن مصري غير مسيحي، لهم كافة الحقوق وعليهم مثلها واجبات، لكن المنظمات الجديدة وشياطين جهنم لاتريد لهذا البلد الأمين أن يحفظ دعوة السيد المسيح «مُبارك شعب مصر»، ويسعون بكل قوة للوقيعة بين أبناء هذا البلد الذي حارب فيه مينا جنب محمد في كل الحروب، البلد التي يتعانق فيها الهلال والصليب في سمائها، البلد الذي وقف فيه المسيحيين يحمون صلاة المسلمين في ميدان التحرير وسط قنابل الغاز وطلقات الخرطوش، البلد الذي خرج فيه المسلمين لحماية كنائس المسيحيين في 30 يونيه، البلد الذي يلهو فيه أطفال المسلمين والمسيحيين في مولد العذراء والعيد الصغير والكبير، البلد الذي تجمع فيه أم جرجس (جمعية) لأم عبد الله لزواج ابنتها، البلد الذي ترسل فيه أمي طبق قمر الدين لجارتنا طنط أم سمير في رمضان، البلد الذي انتظر فيه والدي طبق الترمس من جارنا عم فوزي وطنط ليلى يوم عيد القيامة، البلد الذي يجتمع فيه كل الجيران في عرس جارتنا سامية، البلد الذي والذي والذي والذي والذي ....... نحن مصر.. لسنا الرهوينجا ولا مسلمي بورما ولا البوسنة والهرسك ولا المانيا النازية، ليكون لدينا قتل على الهوية الدينية.. نحن مصر يا خونة.