أردوغان على طريق المغول.. قصة تدمير الرئيس التركي للمكتبات والتضييق على دور النشر
الأربعاء، 19 ديسمبر 2018 02:00 ص
يشن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حربا شرسة لتدمير دور النشر والمكتبات سائرا على خطى المغول مستلهما حوادث التتر في بلاد العرب في القرن الـ 13 عندما دمروا مكتبة بغداد وردموا نهر الفرات بالكتب.
تقرير مركز ستوكهولم للحريات، كشف أن حكومة حزب العدالة والتنمية توفر المظلة الآمنة لعمل دور النشر التي تصدر الكتب المتطرفة، في محاولة لنشر وترويج أفكار التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش، فيما تقف الحكومة بالمرصاد لدور النشر والمكتبات المعتدلة.
وفق التقرير يفرض إردوغان حصارا شديدا على شركة كانياك القابضة المالكة لأكبر دار نشر في تركيا وتعمل على طباعة وتوزيع الكتب المكافحة للفكر المتطرف، حتى أمر بإغلاقها، وهي أحد الأمثلة التي تشرح دوافع سياسته المعادية لدور النشر المعتدلة، حسب التقرير.
كما حاصرت الحكومة التركية كانياك منذ 18 نوفمبر 2015، ومن ثم أغلقتها في يوليو 2016، بما فيها شركة النشر العريقة إيشيك ياينشيليك التي تمتلك 8 دور نشر وأصدرت 2972 كتابا للبيع في السوق بعد أن تعاقدت مع 714 مؤلفا بلغات مختلفة من بينها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والعربية.
كشف التقرير أن إردوغان يضيق الخناق على المكتبات وشركات التوزيع التي تنشر أعمال دار إيشيك ياينشيليك، بما فيها الشركة المسؤولة عن توزيع صحيفة زمان التي تقدر مبيعاتها بـ 1.2 مليون نسخة يوميا، وأرجع التقرير السبب الرئيس للحملة على الشركة ودار النشر إلى دورها في توزيع كتب رجل الدين المعارض فتح الله غولن المتهم بالوقوف وراء مسرحية الانقلاب الفاشلة في صيف 2016.
إغلاق 41 دار نشر
تابع تقرير مركز ستوكهولم أن مبيعات شركة إيشيك وصلت في نوفمبر 2015 إلى 58 مليون ليرة، بينما وصلت إيراداتها في العام 2014 إلى 81.4 مليون ليرة، وهي الفترة التي بدأت الحكومة فيها بالتضييق على الشركة.
كان من المقرر أن تدير الحكومة الشركة حتى انتهاء التحقيقات دون أي تغيير في نشاطها، لكن ما حدث كان العكس، حيث انخفضت إيراداتها في ظل إدارة الحكومة بنسبة 80.2% في العام 2016 لتسجل 6.2 مليون ليرة، بعد أن كانت 31.3 مليون ليرة خلال الفترة نفسها من العام 2015، حسب التقرير.
فقد 228 شخصا وظائفهم عندما قررت الحكومة إغلاق الشركة، وهو الأمر الذي تكرر مع 41 شركة نشر وتوزيع قررت الحكومة إغلاقها تعسفيا في ظل حالة الطوارئ التي أدت إلى تدمير جميع وسائل الإعلام ودور النشر والمدارس والجمعيات والمؤسسات عقب مسرحية الانقلاب.
مصادرة الكتب
أصدرت وزارة الثقافة التركية أوامر بمصادرة الكتب الصادرة عن دور النشر المغلقة، وخاطبت 1130 مكتبة في أنحاء البلاد بسحب آلاف الكتب والإصدارات، وفي العام 2017 سحبت الحكومة نحو 170 ألف كتاب من مطابع الدور المغلقة، إضافة إلى حجبها على المواقع الإلكترونية والأرشيفات الرقمية للمكتبات.
استهدفت الحكومة كذلك العديد من المؤلفين الأفراد، وأصدر قاض جزائي في إسطنبول في العام 2017 أمرا بمنع نشر 692 كتابا وعملا لرجل الدين فتح الله غولن، وأمر بمصادرتها وسحبها من المكتبات.
حاصرت الحكومة ممتلكات دور النشر وشردت آلاف العمال، فضلا عن محاكمة العديد منهم بتهم تتعلق بالإرهاب وإرسال بعضهم إلى السجون حسب التقرير، وفي 7 مارس الماضي أصدر المدعي العام في إسطنبول أوامر اعتقال بحق 60 موظفا في شركة إيشيك، وفي 23 مارس صدرت أوامر باعتقال 55 موظفا آخرين.
محرقة الكتب
سحبت وزارة التعليم في سبتمبر2017 آلاف الكتب المقررة على طلاب الصف السابع لاحتوائها على فصل يتحدث عن حرية الصحافة وتأثير الإعلام في المجتمع، خاصة أن الكتب تضمنت مناقشة بسيطة لوضع الإعلام في تركيا.
بلغت خسائر الشركات بفضل حملة إردوغان في العام 2016 وحده نحو 50 مليون ليرة ما يعادل 16 مليون دولار حسب التقرير، وجرى تدمير كتب تزن 13 ألف طن، وفي ديسمبر 2016 دمرت وزارة التعليم التركية 892 ألف كتاب مدرسي يحتوي كلمة "بنسلفانيا" باعتبارها كلمة إرهابية.
فتش عن غولن
تبين أن فتح الله غولن زعيم حركة الخدمة يعيش في ولاية بنسلفانيا الأميركية، ورغم أن الكلمة وردت في بعض الكتب ضمن سياقات أخرى، كان أحدها حديث عن المؤلف الأميركي جيمس ميشنر الذي ذكر الكتاب المدرسي أن مكان ولادته هو بنسلفانيا، إلا أن حكومة إردوغان قررت مصادرة تلك الكتب.
في أكتوبر 2016، اقترحت وزارة التعليم إزالة مصطلح "درب التبانة" من المناهج الدراسية كافة، بحجة إزالة التشابه بين المعلومات العلمية وشبكة المدارس التي ترتبط بـ غولن، وتحمل مجموعة من المدارس العلمية في تركيا التابعة لغولن اسم "سامانيولو" التي يقابلها في الإنجليزية مصطلح "درب التبانة"، قبل أن يجري إغلاق هذه المدارس في العام 2016.
منعت الحكومة كتبا لمادة الرياضيات لأنها تحتوي على أسئلة تتضمن الأحرف الأولى من اسم غولن، حيث ضمت أسئلة من قبيل "من النقطة فاء حتى النقطة غين"، ما اعتبرته الحكومة إشارة غير مباشرة إلى فتح الله غولن، حسبما جاء في تقرير ستوكهولم.
تعد حيازة أي من تلك الكتب دليلا في المحاكم التركية على ارتكاب الجرائم المتعلقة بالإرهاب والتي تصل عقوبتها إلى السجن، وظهر ذلك أكثر من مرة في صور بثها التلفزيون الحكومي للكتب التي عثر عليها في منازل المعارضين.