النووي العربي مستقبل أفضل من الناتو العربي
السبت، 15 ديسمبر 2018 03:35 م
لا يخفى على مسامع أى أحد أن سيناريوهات تطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران تثير كثيرا من الجدل، كذلك الشكوك حول جديتها وآليات التطبيق وتوقيتها، فقد انتهى عصر أوباما بمفارقات غريبة تحمل فى طياتها الجلوس المفاجئ إلى منضدة الكبار لتوقيع اتفاق لوزان النووى، وتم التوصل إليه بعدما عقدت إيران والدول الـ 6 الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا مفاوضات مطولة فى الفترة من 26 مارس وحتى 2 أبريل 2015 فى مدينة لوزان السويسرية، من أجل التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمى للبرنامج النووى الإيرانى، وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام، وانتهت تلك المفاوضات بالتوصل إلى بيان مشترك يتضمن تفاهمًا وحلولًا بما يتعلق بالبرنامج النووى الإيرانى، بحيث يتم إنجازها نهاية يونيو2015.
وعبر الرئيس الأمريكى ترامب وإدارته عن الأسف لأن التقدم الذى تحقق عبر اتفاق2015 لم يجعل لإيران سلوكا حسنا فى الشرق الأوسط، ولم تكن هناك التزامات تحجمها، كما أن لائحة الاتهامات والبراهين عليها طويلة، وتشمل الدعم المادى والمالى للإرهاب، والتطرف، ومساعدة نظام الرئيس السورى بشار الأسد، وفظاعات ضد الشعب السورى، والدور المزعزع للاستقرار فى دول أخرى (دعم حزب الله فى لبنان والمتمردين الحوثيين فى اليمن)، والعداء القوى لإسرائيل، والتهديدات المتكررة لحرية الملاحة فى مضيق هرمز والقرصنة المعلوماتية وانتهاكات حقوق الإنسان ضد التظاهرات للمعارضة، والاعتقال العشوائى لرعايا أجانب وتهييج الشيعة فى العراق والانتشار الشيعى لتغيير الأنظمة فى الدول العربية، ما جعل من الاستمرار فى الاتفاق أمراً يدعم إيران فى كل الاتجاهات والمجالات، ولم يبق هناك نوع من المراقبة او المحاسبة دون إعادة تطبيق العقوبات كما كانت من قبل.
والذى يقرأ ردود البيت الأبيض وتعليلاته نجد أنها محقة فى ذلك، ولكن المنطقية تقول لماذا ترك المد الإيرانى أمام المراقبة الأمريكية فى كامب٢ القطرى لتدخل المعدات الثقيلة والصواريخ طويله المدى إلى الشمال اليمنى؟ ولماذا ترك المد الشيعى ونصيب قبله الإمام لإيران واتباع الحكومات لإياد والمالكى ومقتدى والحكيم لكى تترك المساحات خالية أمام الفرات فى العراق؟ لماذا تركت إيران تشترى الأراضى السورية والمبانى والمؤسسات والفنادق فى حلب ومداخل دمشق؟ لماذا لم يذهب جنود ولاية الفقيه لتحرير الجولان السورية من جيش الاحتلال الإسرائيلى؟ ولماذا التكتل القطرى الإيرانى وخط الغاز تحت الإنشاء فى بحر العرب بين إيران وقطر؟
على ذلك فإن كل تلك الأسئلة تحتاج إلى وقفة لتقييم الأحوال ولنجعل المنطق يجيب حيث إنها صفقة مثلث القرن فى الشرق الأوسط، أولها توقيع العقوبات ظاهريا على إيران، وثانيها نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس الشرقية، وثالثها الأطماع والأحلام فى أرض الميعاد! وما إن تم الاتفاق النووى مع إيران لم يجد العرب سبيلا للرد على إيران غير قوة الردع المماثلة لإيران، وهى حقهم فى امتلاك السلاح النووى، فذهب فريق من ملوك العرب لمقابلة أوباما فى كامب ديفيد كى يطلبوا الدعم والتكنولوجيا النووية الأمريكية، وتذكير أمريكا بالعهد البترودولارى الذى يوفر الحماية والتى أصبحت غير موجود بعد قرار الكونجرس بعدم التزام الولايات المتحدة بالتجييش إلا دفاعا عن الأراضى الأمريكية.
ولذا فإن السبيل الوحيد لوقف الخطر الإيرانى فى الخليج وإحداث نوع من التوازن معهم هو البرنامج النووى العربى، ولم يكن هناك رد صريح وواضح عن ما انتهت إليه المفاوضات فى كامب ديفيد مع أوباما غير تسويف للمطلب العربى لقوة نووية عربية، حيث ترى أمريكا أن وجود قوة ثالثة داخل الشرق الأوسط تنافس إسرائيل وإيران غير مقبول، ولا يحقق أمن إسرائيل، وبالتالى أرادت أن تهدئ من روع العرب حتى ينتهى عصر أوباما ولو بإعطاء الضوء الأخضر لإقامة محطات نووية عربية سلمية لإنتاج الكهرباء، وفى نفس التوقيت الذى التزمت فيه إيران بإتاحة المراقبة الدولية على برنامجها النووى لتخصييب اليورانيوم نجد قرار المرشد الأعلى الإيرانى على خامنئى إعادة تخصيب اليورانيوم عند أكثر من مستوى 20 % وإعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزية وإعادة تشغيل مفاعلات فوردو وبوشهر وآراك بالطاقة القصوى لإنتاج السلاح النووى وإتاحة الفرصة للمفتشين بالظهور فى أماكن معروفة لهم دون الأماكن السرية التى تم طمس معالمها القديمة قبل الاتفاق النووى.
ويظهر ترامب فى بداية ولايته كى يهدئ من روع العرب، ويقوم بزيارة الرياض ويستجيب إلى مطالب العرب وتأمينهم بفاتورة المليارات، ويزيح الخوف ويقرر الانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران حتى ينسى العرب تصميمهم المسبق بتنفيذ البرامج النووى العربى ويزيد من ثقته فى أن ينهى فكرتهم فى تطبيق البرنامج النووى بتطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران والتى كان من المفترض أن تطبق فى أول نوفمبر 2018، ونجد أنه بعد الإعلان عنها بأيام يتم تأجيلها إلى ستة أشهر وقد نفاجأ بمدها الى أكثر من سنة.
إن الظروف المحيطة بالشرق الأوسط والأمن العربى المطلق والذى ما زالت وستظل تؤمنه الدولة المصرية إيمانا من شعبها وقيادتها تجاه حمايه الخليج العربى، وبل الشرق الأوسط يحتاج الى إعادة تقييم موازين القوى الجيوسياسة فى المنطقة، والتى ينقصها اكتمال البرنامج النووى العربية ليكون الذراع المماثلة للحفاظ على الدول العربية من تخطيط ما بعد الربيع العربى السابق، ولنفهم أن اللعبة مع إيران، حيث إن تطبيق العقوبات ما هو إلا ساتر من ورائه سوف تكمل إيران برنامجها النووى حتى تكون إما بديلا عن العرب أو عصا ترفع وقتما تشاء تخويفا للعرب.
إن السبيل لكى يقوى العرب هو الانطلاق إلى سوق عربية مشتركة تنقذ الاقتصاديات العربية من تخبط أسعار البترول، وأيضا الذهاب إلى بناء قوة عربية مشتركة تحمل على عاتقها تنفيذ برنامج العرب النووى لكى يكون التوازن المنشود للقوى فى مثلث الشرق الأوسط.
وإلى تكملة قادمة.
أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعات المصرية والأجنبية، وعضو مجلس إدارة جمعية البترول المصرية