قصة مشروع النصف قرن لتعمير الصحراء الغربية: 100 عام من المياه الجوفية
السبت، 15 ديسمبر 2018 12:00 م
كشف الدكتور فاروق الباز الخبير الدولي بعلوم الفضاء، وعضو المجلس الاستشاري العلمي لرئيس الجمهورية، أن مشروع ممر التنمية ترجع بدايات دراسته للصحراء الغربية بالتصوير الفضائي إلى عام 1973 في عهد الرئيس السادات، حيث كان يرغب في تنفيذ مشروع تعمير الصحراء، وطلب منه دراسة الصحراء الغربية بالتصوير الفضائي.
وأضاف الباز، خلال ندوة عقدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية في وقت سابق من يوم الخميس، تحت عنوان: «الاستثمار في مستقبل مصر.. أفق تعمير الصحراء»، أنه كان يعمل في مشروع الفضاء أبوللو عام 1972 وكان دوره تحليل الصور الفضائية للقمر لاختبار مكان هبوط المركبة الفضائية حتى لا تتعرض لمشكلات.
وأشار إلى أنه تولى العمل بمشروع فضائي آخر مع وكالة ناسا في السنة التالية، وفي عام 1973 بدأ التفكير في استخدام تقنية التصوير الفضائي للأرض لاكتشاف طبيعتها الجيولوجية، وهو نفس الوقت الذي كان يفكر فيه الرئيس السادات في مشروع تعمير الصحراء لأنه كان مهموما بالزيادة السكانية.
وبحسب الباز، فإنه عاد إلى جامعته «عين شمس» ليتولى مع فريق بحثي من الجامعة دراسة الصحراء الغربية، بتمويل كامل من الولايات المتحدة حيث خصصت وكالة ناسا 250 ألف دولار سنويا للدراسات، وتم شراء المعدات والسيارات وبدأ العمل في الصحراء الغربية.
يحكي الباز، أنه من خلال 65 صورة فضائية للصحراء الغربية، تم كشف وجود حياة كاملة على نهر كبير، وطين بعمق 24 قدم مكان النهر القديم، ووادي كبير الحجم بعرض 200 كيلومتر مربع، وواديان آخران عرض كل منهما 8 كم و12 كم، كما أن دلتا النيل الحالية كان يسبقها دلتا أخرى في الصحراء الغربية ولكنها تحركت تزامنا مع حركة قارة أفريقيا بالكامل شمالا مبتعدة عن خط الاستواء، وهو ما يعود تاريخه لحوالى 1 – 6 مليون سنة.
وأكمل: وفي تلك الفترة كان هناك أمطار غزيرة فب هذه المنطقة تكونت من خلالها مياه جوفية تكفى مصر لمائة عام بشرط الاستخدام الرشيد للمياه والزراعة بالطرق الحديثة، وهي مياه نظيفة باردة على بعد 75– 300 متر.
ولم يكن هناك إمكانية لنقل الحياة البشرية إلى الصحراء مرة أخرى لأن الإنسان المصرى بطبيعته يحب العيش بجوار نهر النيل منذ عصر الفراعنة، وإذا انتقل سيعود مرة أخرى إلى نفس المكان، لذا قاده التفكير في مشروع ممر التنمية وهو ممر رئيسى بطول 1200 متر من شمال مصر إلى جنوبها، ويربطه ممرات فرعية عرضية بوادى النيل وتقم على جانبيه تنمية متكاملة عمرانية وصناعية وزراعية وسياحية.
وأشار عضو المجلس الاستشاري العلمي للرئيس، أنه أثناء الدراسات تم اكتشاف منطقة فريدة عند سفح الفيوم الشمالي من أكثر مناطق العالم جفافا، إذ يمكن عمل مجمعات للطاقة الشمسية عليها تكفى كهرباء مصر بأكملها، ودرسها خبراء ألمان وعرضوا إقامة مجمع طاقة على مساحة 50*50 كم تكفى إمداد مصر بالطاقة الكهربائية والتصدير إلى أوروبا ولكنها لم تنفذ، وقال الباز: «لدينا ثروات هائلة لا نفكر فيها أو ننظر إليها».
ولافت الباز، إلى وجود منطقة غرب كوم أمبو في أسوان واسعة جدا، بها تكوين سمكه 5 أمتار من التربة النيلية كانت دلتا قديمة، فيها خصوبة هائلة جدا يمكن على الأقل نقل نصف مليون فدان منها بقشط طبقة سمكها 2 متر من التربة الخارجية الخصبة إلى مكان آخر وزراعته، ويتبقى بها طبقة خصبة سمكها 3 أمتار أخرى، ورغم كل هذه الامكانات لهذه المنطقة فلا يتم الاستفادة منها.
وتابع: المساحة العمرانية التي يوفرها ممر التنمية تقدر بحوالي 10.5 مليون فدان، جزء منها يمكن زراعته، ويمكن عمل مجتمعات صناعية وسياحية وغيرها، مشيرا إلى أنه ظل 13 عاما يحاول إقناع وزير الزراعة الأسبق يوسف والي بإقامة زراعات على المياه الجوفية في الصحراء الغربية، ولكنه رفض تماما إنفاق أموال في «الأراضي الصفراء».
وأضاف: ممر التنمية شهد منذ طرح الفكرة فى الثمانينات وحتى الآن أكثر من دراسة جدوى اقتصادية للمشروع بدأتها مجموعة بيكتل العالمية، وقدرت التكلفة الاستثمارية لهذا المشروع فى ذلك الوقت نحو 6 مليارات دولار تستغرق 10 سنوات على الأقل، وبعد ذلك خضع المشروع لدراسة جدوى أخرى فى عهد أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق لنحو 5 سنوات وتم تقدير التكلفة الاستثمارية الخاصة به بنحو 23 مليار دولار.
وقال الباز، إن هناك اعتقاد سائد بأنه ينتظر الحكومة لتنفيذه وهذا اعتقاد خاطئ، مؤكدا أن الحكومة لا تستطيع تنفيذ هذا المشروع، بل يحتاج إلى مؤسسة خاصة تعمل على تبني هذا المشروع من الناحية المالية والإشراف حتى تستطيع إدارة الفكرة بالشكل المطلوب وتحقيق العائد منه على المدى الطويل، علما بأن المشروع سيحقق عوائد اقتصادية كبيرة جدا ولكن على المدى الطويل.
وأكد الباز، أن مشروع ممر التنمية لا يجب أن يكون خارج الإطار الحكومي بشكل مطلق، بل يجب أن يوضع هذا الممر في إطار برامج وخطط الحكومة المستقبلية الخاصة بالزراعة والصناعة والسياحة وكافة المجالات الاقتصادية الأخرى، على أن يتمتع فقط بالاستقلالية عن الحكومة من الناحية التنفيذية.