«الضريبة الحرام» بين الشرع والقانون.. عائدها من تجارة المخدرات والدعارة يصل إلى 7 مليارات جنيها
الجمعة، 14 ديسمبر 2018 02:00 ص
من وقت لأخر تخرج علينا دعوات من أشخاص وكيانات عن طريق وسائل الإعلام تنادى للمطالبة بتقنين زراعة وتعاطى وتجارة مخدر الحشيش، وكذا ممارسة الدعارة على سند من القول لدى البعض إن تجارة الحشيش داخل مصر بلغ حجم التعامل فيها 22 مليار جنيه، وكذا ممارسة الدعارة التى تدر مليارات الجنيهات وإن من شأن تقنين هذه التجارة أن يتيح للدولة دخلاً ضريبياً يتجاوز 7 مليارات جنيه سنوياً، بدلا من ترك هذه التجارة المؤثمة لهواة الكسب الحرام، والهاربين من ملاحقة العدالة وسيف القانون.
فى التقرير التالى «صوت الأمة» رصدت إشكالية إقتراح الضريبة على تجارة المخدرات والدعارة بين الشرع و الواقع والقانون، وذلك فى الوقت الذى يعتبر فيه المال الحرام المكتسب بطريقة غير مشروعة من قمار أو دعارة أو مخدرات من الناحية الشرعية لا يتملك ولا ينتفع به حائزه.
فى البداية، يقول خبير الضرائب والمحامى بالنقض جمال الجنزورى، أن مسألة المال الحرام الذى يتم إكتسابه بطريقة غير مشروعة من قمار أو دعارة أو مخدرات من الناحية الشرعية لا يتملك ولا ينتفع به حائزه، ومن ثم لا ضريبة ولا زكاة فيه.
مصادرة أموال المتهمين
ومن الناحية الواقعية والعملية – وفقا لـ«الجنزورى» - داخل المجتمع الضريبى فإن مصلحة الضرائب المصرية تقوم بحصر هذه الأنشطة من داخل سجلات النيابات والمحاكم وتقوم بفتح ملفات لهم ومحاسبتهم ضريبيا وحجز ومصادرة أموالهم طبقا لحجم الصفقة والمصاريف والأرباح المحققه بغض النظر عن الحكم بالبراءة أو الإدانة .
مخاطبة أصحاب النشاط المشروع
أما من الناحية الدستورية والقانونية – بحسب «الجنزورى» - فمن غير المتصور أن المشرع الدستورى والقانونى فرض ضريبة على تجارة المخدرات وهو نشاط غير مشروع، فالمشرع الضريبى إنما يخاطب بأحكامه الممولين الذين يزاولون نشاطا مشروعا، دون أولئك الذين يتخذون من الجريمة وجهاً لنشاطهم إذ رتبت لهم القوانين العقابية جزاء لهم فى أنفسهم «الاعدام والسجن والحبس والمراقبة القضائية»، وفى أموالهم سواء «المصادرة أو الغرامة أو المنع من التصرف لزوجتة وابناءه»، وقد تواترت أحكام المحاكم وأستقر قضاء محكمة النقض على مبدأ قضائى مؤداه أنه: «لا ضريبة على عمل غير مشروع كفله المشرع بقوانين جزائية تعاقب ممارسيه، وتصادر أموالهم الملوثة بالإثم والجريمة، باعتبار أن الأصل فى التعامل الإباحة والمشروعية ، فلاتعامل فيما هو غير مشروع» .
الضرائب لا تكون إلا بقانون
وتعاقبت الدساتير وظل مبدأ دستورى هام حوته كل الدساتير المتعاقبة بالنص على أن: «إنشاء الضرائب وتعديلها والإعفاء منها لا يكون إلا بقانون»، والقوانين الضريبية المتعاقبة وصولا إلى قانون 91 لسنة 2005 لم تنص صراحة على اخضاع الأنشطة الغير مشروعة للضريبة على الدخل بل حددت أرباح النشاط التجارى والصناعى على أساس الإيراد الناتج عن جميع العمليات التجارية والصناعية - مادة 17 من ق 91 لسنة 2005- هكذا يقول الخبير الضريبى.
بل إن الايرادات الخاضعة للضريبة والمنصوص عليها بالفصل الأول من الباب الثالث من القانون سالف الذكر وتحديدا المادة 19 منه والتى حددت الإيرادات الخاضعة للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية لم يرد بها الارباح المحققة عن التجارة غير المشروعة أو تجارة المخدرات بوجه خاص، وكل ما ورد بها هى أرباح محققة عن انشطة تجارية وصناعية مشروعة، ومن ثم فلا يتصور أن القانون الضريبى يخاطب تجار المخدرات وأصحاب الأنشطة غير المشروعة بأحكامه، وإن خاطبهم واخضعهم للضريبة فهو أمر غير دستورى – الكلام لـ«الجنزورى» .
تأصيل أخر
وحول ما أثير فى هذا الشأن، يقول ياسر سيد أحمد، الخبير القانونى والمحامى بالنقض، إن تلك الدعوة وإن كانت محلا للمعارضة لدى الكثيرين من أصحاب الفكر والرأى غير أن من عارضوا ذلك جاء قولهم وتأصيلهم قاصراً على تناول واستعراض مواضع التحريم والتجريم فى إطار اقتضاء الضريبة عن مثل هذا النوع من النشاط غير أن صواب الأمر وصحيحة يستوجب ويقتضى أن يكون التأصيل متناولاً مرحلة فرض الضريبة على النشاط غير المشروع باعتبارها مرحلة سابقة على الإقتضاء، وفى سياق ذلك يكون الحديث عن مشروعية وشرعية محل الضريبة دستورياً وقانونياً وقضائياً وشرعياً بلوغاً إلى تأصيل القول بعدم شرعية ومشروعية دعوة هؤلاء.
من الناحية الدستورية
ووفقا لـ«أحمد» - أولا من الناحية الدستورية : تعددت المبادئ الدستورية فى هذا الشأن ، ومن هذه المبادئ مبدأ قانونية الضريبة، والذى مفاده أن إنشاء الضرائب وتعديلها والإعفاء منها لايكون إلا بقانون، وذلك يعنى أن بنيان الضريبة من حيث النشاط الخاضع لها مع الأشخاص المخاطبين بأحكامها، ووعائها وكيفية وآجال اقتضائها لايكون إلا بقانون، فهل من المتصور أن يخاطب القانون تجار المخدرات بالرغم من كونهم من أصحاب النشاط المنحرف والمؤثم ، فإن حددهم وخاطبهم بأحكامة، جاء القانون الضريبى متناقضاً مع ذاته، متعارضاً مع نصوصه متضارباً فى أحكامه وقواعده معترفاً بأنشطتهم، وإذا خلا من تحديدهم ومخاطبتهم بأحكامه، فإن إخضاعهم للضريبة يضحى أمراً غير دستورى.
من الناحية الشرعية الإسلامية
ثانياً من الناحية الشرعية الإسلامية : من الثوابت الشرعية محل الإجماع أن المال الذى يحوزه صاحبه بطريق خبيث من طرق السحت والحرام كالسرقة وتجارة المخدرات لاملك فيه، فالصحيح أن صاحب المال الحرام لايتملكه حتى ولو إختلط بأمواله الحلال، وكل مال حرام يحرم على المسلم أن ينتفع به لخبث كسبه، وسداد الضريبة والوفاء بدينها للدولة من صور النفع المحرم شرعاً على حائز المال الخبيث، فالمال الحرام المكتسب بطريق غير مشروع من قمار أو دعارة أو مخدرات هو فى حقيقته الشرعية مال غير مقوم، لا يتملك ولاينتفع به حائزه، ومن ثم لاضريبة ولازكاة فيه لفقدان حائزه شرط الملك التام، وذلك يعنى من الوجهة الشرعية أن يكون وعاء الضريبة ومحلها مالاً مشروعاً لا إثم فى اكتسابه – طبقا لـ«أحمد».
من الناحية القضائية
ثالثاً من الناحية القضائية: تواترت أحكام المحاكم وأستقر قضاء محكمة النقض على مبدأ قضائى مؤداه أنه لا ضريبة على عمل غير مشروع كفله المشرع بقوانين جزائية تعاقب ممارسيه، وتصادر أموالهم الملوثة بالإثم والجريمة، باعتبار ان الأصل فى التعامل الإباحة والمشروعية، فلا تعامل فيما هو غير مشروع، ومن الخطأ الجسيم أن ينسب الى المشرع أنه فرض ضريبة على تجارة المخدرات وهو نشاط غير مشروع، فالمشرع الضريبى إنما يخاطب بأحكامه الممولين الذين يزاولون وجوه نشاط مشروعة فحسب، دون أولئك الذين يتخذون من الجريمة وجهاً لنشاطهم ومن جماع ماسلف يبين أن من دعوا الى تقنين الحشيش، ومن ناصرهم القول جانبهم الصواب باعتبارالمشروعية كمبدأ لايمكن تجاوزه وكقاعدة لايمكن إغفالها أو إهمالها، بل إن فى التجاوز تعارضاً وتضارباً مع الأسس التى تقوم عليها العلاقة الضريبية، بحيث لايكون هناك محل للمنازعة فى مباشرته أو مشروعيته وحتى لا يشكل الأمر خروجاً على شرع سماوى، أو تعارضاً مع تشريع وضعى، أو إخلالاً بمبدأ دستورى .