تحريك الدفة
الأربعاء، 12 ديسمبر 2018 11:29 ص
قرأت يوماُ قصة حقيقية، أعجبتنى كثيراً، دعونى أقصها عليكم..
فى ليلة عاصفة فى إحدى البحار، كانت هناك سفينة تحاول مقاومة العاصفة، لكنها رأت نوراً يومض أمامها، فأرسلت إشارة للسفينة المقابلة حتى تغير اتجاهها، لكن جاء الرد بأن على السفينة الأولى أن تغير هى مسارها..غضب ربان السفينة الأولى وأصر على أن يثبت على موقفه، وأرسل رسالة حادة للسفينة المقابلة بضرورة تحريك دفتها، وسريعاً لأنها أصبحت قريبة جداً.
جاء الرد من الجهة الأخرى، وعلى إثره، أمر طاقمه بتغيير مسار سفينته على وجه السرعة، واختفت علامات الغضب عن وجهه، فهكذا كان رد الجهة الأخرى "أنا فنارة...أنا لا أتحرك!".
تحركت مشاعر الغضب عند الربان، ونالت من سلوكه، لأنه لمس عناداً من ربان السفينة الأخرى، لكن فجأة تغيرت الحقائق، واتضحت الرؤية، فما كان يطلبه، يخرج حقاً عن مقدرة الطرف الأخر.. الطرف الأخر إذن ليس بالمتعنت، فانتفى سبب غضب الربان وقام بتغيير مساره.
ألا يحدث معنا نفس الشئ كل يوم؟.. ألا نرى الأشياء والأشخاص من حولنا بطريقتنا، بل لا أبالغ إن قلت أننا نرى أنفسنا بطريقة قاصرة فى الأغلب، لكن هل يجعل هذا من ظنوننا حقيقة؟.. فهل ما نراه من حولنا هو الصورة الكاملة المكتملة، أم انه استنباط عقلى للجزء الصغير الذى رأيناه، هل نرى جبل الثلج المدفون تحت المياه، أم كل ما نراه هو قطع ثلجية تطفو فوق السطح؟.
لكى نعرف الاجابة، علينا أن نراجع أفكارنا بين الحين و الآخر، وأن نقف وقفة حق مع أنفسنا، ونتحسس المناطق المظلمة فى نفوسنا، ونفتح أعيننا على ما تنطوى عليه سرائرنا، وعندما نرى الحقيقة المجردة، سوف نتألم.. نعم سنتألم لأنها سوف تكون مغايرة لما ظنناه واقعاً.
وبعد الألم ، نمر بأصعب مرحلة.. مرحلة ضرورية للاتزان النفسي.. مرحلة التقبل، فعلينا أن نتقبل أنفسنا بأخطائها وعثراتها قبل إنجازاتها، بإخفاقها و فشلها، قبل نجاحاتها.. تلك هى الخطوة الأولى فى الاتجاه الصحيح، من يصل إليها يعدو ربان السفينة، و ما عليه إلا أن يدير الدفة و يصحح مساره، فالرؤية أصبحت واضحة، و بر الأمان يلوح فى الأفق.
فلننظر جميعاً حولنا من جديد، وكأننا نرى الأشجار أول مرة، ربما وجدتموها اليوم مليئة بالزهور، ولنتأمل السماء وكأنها خلقت اليوم، فقد ترون ما يبهركم ولتنظروا إلى قلوبكم وكأنكم جئتم للتو لهذه الدنيا..ناصعة البياض، ولا تحمل داخلها ذرة كره أو غضب، وعندما تفتحوا أعينكم كل صباح، تذكروا أن يوماً جديداً، ما هو إلا بداية جديدة مليئة بالفرص، وإن أخطأتم فلا بأس، فلا تعلم بغير أخطاء، ولا نجاح بدون فشل.