قمة الرياض الخليجية تزيد أوجاع قطر المنبوذة
الأربعاء، 12 ديسمبر 2018 11:21 ص
يبدو أن الخليجيين اتفقوا ضمنينا على غلق ملف التحول لاتحاد ولو مؤقتا، وأن يركزوا على تطوير آليات العمل المشترك تحت مظلة مجلس التعاون الخليجى، خاصة أن الوقت غير مناسب لإثارة المزيد من الخلافات السياسية بين دول المجلس الست، فيكفى النشاز الذى مارسته ولاتزال تمارسه إمارة قطر، الذى سبب ضرراً كبيراً للعمل الخليجى المشترك، حتى وأن حاول البعض تجميل الصورة التى تسبب فيها تميم بن حمد وتنظيم الحمدين.
البيان الختامى لقمة الرياض الخليجية الـ38 خلى من الإشارة لموضوع الاتحاد الذى ترفضه سلطنة عمان، رغم أن بيان القمة السابقة التى استضافتها الكويت فى ديسمبر 2017، تناول فقرة أكدت على أن الموضوع لازال محل نقاش وتباحث، حيث أشار بيان الكويت إلى أن " المجلس الأعلى أطلع على ما وصلت إليه المشاورات بشأن تنفيذ قرار المجلس الأعلى في دورته "37" حول مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتوجيه المجلس الأعلى بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتكليفه المجلس الوزاري ورئيس الهيئة المتخصصة باستكمال اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى المجلس الأعلى في دورته القادمة".
خلو بيان الرياض من هذه المسألة، يؤكد أن النقاش تم ترحيله، وهو أمر قد يكون مبرراً بأن رئاسة الدورة الحالية للقمة الخليجية هى لسلطنة عمان " المعترضة على الفكرة"، وأن عقد القمة فى الرياض كان إستثنائياً، بناء على طلب مسقط.
السعودية حينما طرحت فكرة التحول من التعاون إلى اتحاد كان لديها ما يدعوها لذلك، فالكثير من التحديات الأمنية المستجدة باتت تملي على دول المجلس تنسيقاً وعلاقات مختلفة عن السابق، ويكفى الإشارة هنا إلى التحدى الأكبر والمتمثل فى بروز التمدد الإيراني في عدد من الدول العربية كخطر متنامٍ يهدد دول الخليج، خاصة فى ظل السياسات الإيرانية المعلنة وبعضها غير معلن والتى تسعى إلى إسقاط العواصم العربية والخليجية في يد الحرس الثوري، بمساندة دول إقليمية وعلى رأسها قطر التى قررت الارتماء فى أحضان ملالى إيران، نكاية فى دول الخليج خاصة السعودية والإمارات والبحرين.
تعود فكرة تأسيس الاتحاد الخليجي إلى العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذى دعا خلال قمة الرياض، في ديسمبر 2011، إلى انتقال دول الخليج من مرحلة التعاون إلى الاتحاد، وهو توجه أيّدته دول المجلس عدا سلطنة عمان، التى أعلن وزير خارجيتها، يوسف بن علوي، معارضة بلاده صراحة للمرة الأولى في ديسمبر 2013، وكرر الرفض في أكثر من مناسبة، واعتبر أن "المجلس يكفي"، وليس هناك حاجة للاتحاد وأن بلاده "لن تكون عضوا فيه"، وقال أن التماسك الخليجي لم يصل إلى إمكان تحول مجلس التعاون إلى "اتحاد" مثلما تطمح بعض دوله، وقال: "لسنا مؤهلين له الآن".
رغم ترحيل مناقشة الفكرة، لكن تبقى عناصر التحول للاتحاد مطروحة على مائدة النقاش الخليجى، خاصة بعد تأكيد البيان الختامى على مجموعة من العناصر المتعلقة باستمرار التعاون الخليجى، والتشديد على حرص قادة الخليج على "قوة وتماسك ومنعة مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة أساسها العقيدة الإسلامية والثقافة العربية، والمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبتها في تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين من خلال المسيرة الخيرة لمجلس التعاون، بما يحقق تطلعات المواطن الخليج"
العاهل السعودى، الملك سلمان بن عبد العزيز، فى كلمته بالجلسة الافتتاحية الأحد الماضى، ذكر قادة الخليج بأسباب نشأة مجلس التعاون الخليجى، بقوله " لقد قام مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أجل تعزيز الأمن والاستقرار والنماء والازدهار والرفاه لمواطني دول المجلس فهم ثروتنا الأساسية وبهم تتحقق الرؤى والآمال. وأثق أننا جميعاً حريصون على المحافظة على هذا الكيان وتعزيز دوره في الحاضر والمستقبل.. لقد حبا الله عز وجل دولنا بثروات بشرية وطبيعية عززت دورها الحضاري في المنطقة والعالم، الأمر الذي يتطلب منا جميعاً تسخير طاقاتنا لخدمة شعوب المجلس والحفاظ على أمن واستقرار دولنا والمنطقة".
وتبقى "قطر" هى الأزمة التى تؤرق الجميع، ليس الخليج فقط، خاصة أن إمارة الإرهاب سلمت يدها لمحور الإرهاب فى المنطقة الذى يضم إيران وتركيا، وفشلت كل المساعى لعودة قطر للحضن العربى والخليجى، لتصميم "تنظيم الحميدين" على أن يكونوا خنجر فى خصر العرب، حتى مع المحاولات التى تبذلها الكويت لحل الأزمة، وإعادة قطر إلى صوابها، وأخرها النداء الذى وجهه أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، فى القمة الخليجية ب"وقف الحملات الإعلامیة التي بلغت حدودا مست قیمنا ومبادئنا وزرعت بذور الفتنة والشقاق في صفوف أبنائنا وستدمر كل بناء أقمناه وكل صرح شیدناه "، وهو النداء الذى استقبلته الدوحة بهجمة إعلامية شرسة على دول الرباعى العربى "مصر والسعودية والإمارات والبحرين"، بل حاول إعلام "الحمدين" ضرب القمة الخليجية، لا لشئ الا لأنها عقدت فى السعودية.
استمرار الأزمة القطرية كان ظاهراً بشدة على القمة الخليجية، حيث ظهر الوفد القطرى، برئاسة وزير الدولة للشئون الخارجية، سلطان بن سعد المريخى فى عزلة شديدة بين المشاركين فى القمة، ففى الوقت الذى شهدت فيه الكواليس لقاءات ونقاشات و"سيلفى" بين مسئولى الدول الخليجية الخمس، بقى الوفد القطرى وحيداً منبوذاً، لا يتحدثون الا مع أنفسهم فقط، وكأنهم ليسوا موجودين، وهو ما زاد من العزلة القطرية، التى أصبح كل مسئوليها منبوذين.
وحاول وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير التقليل من وقع الأزمة القطرية على العمل الخليجى المشترك، بقوله أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي يمثلون أسرة واحدة، ومن الطبيعى أن يحدث خلاف بين أفرادها، بل ويظل ذلك أمرًا بسيطًا لن يصعب حله، لاسيما في ظل المصداقية وحجم الترابط بالدم والمصير، لذا دائماً ما حرصوا على معالجة خلافاتهم بذات القدر من الاهتمام والجدية، مشيرًا بذلك إلى أزمة قطر التي أعرب عن أمله فى انتهائها بالاستجابة القطرية للشروط التي وضعتها الدول الأربع، وهى الشروط التى وصفها بالمنطقية والقابلة للتطبيق على أرض الواقع، وقال الجبير "الاختلاف مع الأشقاء في قطر ليس كما يصوره البعض، ولكن بعض السياسيات القطرية أساءت لمجلس التعاون عمومًا وهذا يتعارض مع آلية العمل المشتركة التي دأبت عليها دولنا في الخليج العربي إقليميا أو دوليًا على الصعيد الثقافي والاقتصادي والأمني والسياسي".