من قناع «توت عنخ آمون» إلى بردية «الفواخير».. مراحل تطور صناعة التعدين عند الفراعنة

يعد التعدين واحدا من أقدم الأنشطة التي مارسها وقام بها الإنسان منذ فجر التاريخ، وقد لعبت الخامات الطبيعية والمعادن دورا بارزا وهاما في مراحل تطور الحضارة البشرية على مر العصور، حتى أن ذلك انعكس بشكل كبيرعلى مسميات هذه المراحل مثل العصر الحجري وعصر النحاس وعصر البرونز، وعصر الحديد، حيث كانت هذه المواد الطبيعية  والمعادن أهم ما اعتمد علية الإنسان القديم في مسكنه وأدوات الصيد وأدوات الدفاع عن نفسه وفي إنشاء المباني  والقنوات  والطرق.

استغلال الأحجارعند الفراعنة 
وكانت الحضارة المصرية القديمة  خير شاهد  على دور الخامات الطبيعية وحسن استغلالها ، فهي الحضارة التي قامت على حسن استغلال الأحجار  التي تتوفر في مصر بالكم الهائل، مما كان له الأثر الكبير في بقاء  واستمرارية الحضارة المصرية القديمة إلى وقتنا الحاضر ولا يرجع  خلود هذه الحضارة إلى نوعيات الأحجار المستغلة فقط وإنما أيضا إلي معرفة المصريين ومهاراتهم  في حسن اختيار نوعيات الأحجار والصخور التي كانوا يستعملونها  لتحمل تاريخهم عبر الزمان.

معرفة جيولوجيا مصر واكتشاف مواقع المعادن عند الفراعنة 
وتداهمنا الحيرة  حينما نحاول أن  نفهم  ما أمتلكه المصريين  القدماء من معرفة  بجيولوجيا مصر واكتشاف مواقع المعادن  ثم القدرة علي استخراجها  في صورتها الطبيعية ومعرفة التكنولوجيا الخاصة بعلوم التعدين  والفلزات وصولا إلي إنتاج الذهب الخالص  وتصنيع سبائك من  معدني الفضة والنحاس  حيث كان معدن النحاس من أوائل المعادن التي قام باكتشافها  المصري القديم  وحدث ذلك في عصر ما قبل التاريخ وحتى العصر البرونزي .

الحكومة المركزية في الحضارة الفرعونية
وأشرفت الحكومة المركزية في الحضارة الفرعونية القديمة علي صناعة  المعادن ، حيث كان مصنع الأسلحة بمدينة منف أقدم مصنع جماعي بالعالم ، وقامت أيضا بالإشراف علي بناء  وتشيد المعابد  وكان العمال المصريين يقومون بتنقية خام النحاس  في منجمة ، أما البرونز   فكان يرد جاهزا  كما هو الحال مع القصدير الذي استوردته مصر من بعض دول الشمال قبل أن تقوم بخلطة بالنحاس .

أقتران الذهب بعملية تسجيل التاريخ في الدولة القديمة
أما الذهب فقد أقترن تسجيل بدء إنتاجه بعملية تسجيل التاريخ في الدولة القديمة ، وهى 6 أسر امتدت من عام 3100 قزم  إلي عام 2181 ق.م وقد ازدهرت صناعة التعدين المصرية وتطورت مع ازدياد الاكتشافات  في العصور اللاحقة  حيث ارتفع عدد مواقع تعدين  الذهب إلي 86 موقعا كلها بالصحراء الشرقية  امتدت من أسوان إلى  النوبة  وغطت الصحراء  الشرقية بأكملها إلي جنوب الزعفرانة  وهى محددة الأسماء  والمواقع الجغرافية  وبلغ إنتاج الذهب أشدة خلال الأسرتين  الـ18 والـ 19  وأمتد استخراجه  إلى دنقلة  وأبو حمد.

بردية خريطة منجم "الفواخير" المحفوظة  بمتحف تورين بإيطاليا
وتشهد بردية خريطة منجم "الفواخير" المحفوظة  بمتحف تورين بإيطاليا علي تطور وازدهار صناعة تعدين الذهب  في عصر الحضارة الفرعونية  القديمة وحسن تخطيط "مجمع بخن الصناعي" وتعتبر هذه البردية  التاريخية  الرائعة المكتوبة باللغة الهيروغليفية المصرية أقدم خريطة في العالم  حيث يرجع تاريخها إلي 1300 ق.م وهو عهد سيتى الأول وتحتوى هذه البردية علي شرح مفصل للجبل الذي يستخرج منه الذهب وبيوت العمال وغيرها من التفاصيل الدقيقة  الخاصة بهذه الصناعة.

قناع وتابوت الملك الشاب «توت عنخ آمون» 
كما يشهد على ازدهار  صناعة الذهب  أيضا في ذلك الوقت  قناع وتابوت الملك الشاب " توت عنخ آمون الموجود بالمتحف المصري  والذي يزن ما به من ذهب خالص  حوالي 133 كليو جرام من الذهب.

أما فيما يتعلق بمعدن النحاس  فيدل العثور علي بواتق "أواني" للصهر عند المناجم علي أن استخلاص معدن النحاس كان ينطوي علي عمليات تنقية بالموقع بينما كانت معظم مناجم الذهب  توجد بالصحراء الشرقية والنوبة.

مصر من أقدم وأعرق الدول التي عرفت الأحجار الكريمة 
وتعد مصر  من أقدم وأعرق الدول التي عرفت الأحجار الكريمة وشبة  الكريمة  واستخدمتها عبر العصور  وخاصة في عصور الحضارة المصرية القديمة ، حيث كانت تستخرج من المناجم المصرية الموجودة  بمناطق وسط وجنوب الصحراء   الشرقية وشبة جزيرة سيناء ، حيث كانت  حجر الجمشت " الأممثيست " يستخرج من مناجمه  قريبا من أسوان.

حجر الزمرد من مناجمه بوسط الصحراء الشرقية 
وكان يستخرج  أيضا حجر الزمرد من مناجمه بوسط الصحراء الشرقية من مناطق النوبة ووادي الجمال وما حوله  وكان يصدر وقتها الزمرد إلي  قصور حكام فارس : إيران " حاليا  وكذلك دولة الهند  واستخرج أيضا العقيق الأحمر من الصحارى المصرية وكان يتراوح لونه  بين البني  الداكن والبني الفاتح  ونوع أخر من العقيق المعروف باسم العقيق الأبيض وهو شبة شفاف إلي أخضر فاتح.

قدماء المصريين واستخلاص الملح اللازم للطعام من المناجم  بالصحراء الغربية 
كما قام قدماء المصريين أيضا باستخلاص الملح اللازم للطعام من المناجم  بالصحراء الغربية  أو من برك تبخير  على شاطئ البحر المتوسط وكان النطرون " بيكربونات الصوديوم " مادة هامة استخدمت في أغراض التحنيط وفى صناعة الزجاج وحفظ الأطعمة  وكان النطرون يستخرج من مصادره بمنطقة وأدى النطرون بين القاهرة والإسكندرية.