80 ألفا في أمريكا يواجهون مخاطر كارثية.. لماذا يرفض علماء الأعصاب الحبس الانفرادي؟
الخميس، 06 ديسمبر 2018 02:00 م
بحث العديد من علماء الأعصاب والطب النفسى الجدوى من الحبس الانفرادي، خاصة بعدما رصدت أحدث الإحصائيات أن هناك حوالي 80,000 سجين، في السجن الانفرادي بأمريكا، يقضون 23 ساعة يوميًا في زنازين دون نوافذ، أو أدنى تواصل بشري عدا حراس السجن.
وبحسب قوانين الولايات المتحدة الأمريكية، فتتراوح مدة السجن الانفرادي عامة بين شهر وثلاثة أشهر، مع العلم أن واحدًا من كل أربعة سجناء يدخلونه لمدة لا تقل عن سنة كاملة، أما عن الأسباب الشائعة للجوء إلى عزل السجين تشمل الإجراءات الوقائية، أو كمجرد تصعيد للعقاب.
حبس انفرادى
عدة ولايات أمريكية قامت بتمرير قوانين تحدد المدة الزمنية للحبس الانفرادي بالإضافة إلى نوع الأفراد الجائز تطبيق السجن الانفرادي عليهم، فى الوقت الذى تعتبر فيه الأمم المتحدة أن أي مدة تتجاوز الأسبوعين تقع ضمن أنواع التعذيب وتدعو لمنعه بشكلٍ نهائي، فعزل السجين اجتماعيًا له تأثيرات نفسية سلبية، فخلافا لشعورة بالوحدة هناك تأثيرات عاطفية وجسدية حادة تكمن خطورتها فى تقهقر مستويات القدرة الإدراكية لدية، وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، يزيد العزل من احتمال الموت المبكر بنسبة %26، الأمر الذي ينتج عن فقدان السيطرة على الضغط العصبيّ ما يؤدي إلى رفع مستويات الكورتيزول وضغط الدم والالتهابات، كما تزيد العزلة الاجتماعيّة من خطر الانتحار.
فى حصة من اللقاء السنوي لمجتمع علم الأعصاب، بمقاطعة سان دييغو هي مدينة ساحلية تقع في جنوب ولاية كاليفورنيا تحدث روبرت كينج ، أحد السجناء الذى قضى 29 سنة بمفرده داخل زنزانة عرضها مترين وطولها لا يتعدى ثلاثة أمتار، وقد أطلق سراحه سنة 2001 بعدما أسقط عنه القاضي إدانةً بقتل زميله في السجن سنة 1973، ليخرج بعدها مكرسا حياته للتوعيّة بالأضرار النفسيّة الناتجة عن السجن الانفرادي.
بعدما خصص حياته للتوعية، قال كينج فى المحاضرة، يريد الناس معرفة ما إذا كنت أعاني من مشاكل نفسيّة، هل أنا مضطرب أم لا، كيف لك أن لا تفقد عقلك؟، أنظُر إليهم وأقول: لم أقل لكم أني لم أفقد عقلي، لا أعني أنني مريض نفسيا أو شيء من هذا القبيل، لكن بعد إبقائك في زنزانة تتكوّن من ثلاثة أمتار على مترين لـ23 ساعة يوميًا، كيفما كانت حالتك الظاهريّة، فأنت لست سويًا، لقد عانى كينج من تغييرات مستديمة في قدراته الإدراكية خلال تواجده بالسجن الانفرادي، وتقهقرت ذاكرته وفقد القدرة على التجوال نتيجة للضرر الذي تعرض له دماغه على مستوى الحصين، وقد وصلت حالته إلى فقدان القدرة على تمييز الوجوه، لكنّ ذلك كان مؤقتًا.
حالة كينج لم تكن الوحيدة ولكن بعد قراره بتخصيص حياته للتوعية بأضرار الحبس الانفرادي، شكل مع عدد من علماء الأعصاب و نشطاء آخرين ومحامون فريقا بهدف المطالبة بإلغاء الحبس الانفرادي، فهو واحدا من أشكال العزلة الاجتماعيّة والحرمان الحسي وله تأثيرات خطيرة على الدماغ، معظمها دائمة ولا يمكن إصلاحها.
اعتبرت ستيفاني كاتشيوبو الأستاذة المساعدة بتخصصّ الطبّ النفسيّ وعلم الأعصاب السلوكيّ في جامعة شيكاغو ، السجن الانفرادي لا يقل عن حكم الإعدام عن طريق العزلة الاجتماعية، وذلك خلال كلمتها فى المحاضرة التى تحدث فيها كينج، مضيفة أن الدماغ يتأثر بشكلٍ كبير بمحيط الفرد، سواء كان ذلك التأثير سلبيًا أو إيجابيًا، لذلك من المحتمل أن كينج للعزلة الاجتماعيّة والحسيّة في السجن أثّرت على دماغه، كما يصبح الأشخاص المعزولون عرضةً لفقدان الذاكرة وانخفاض القدرات الإدراكيّة والاكتئاب.
وأكدت أن الدراسات تؤكد أن المحبوسين انفراديا يتعرضون للاكتئاب وهذا يساهم في قتل الخلايا العصبيّة بالحصين بالدماغ، بالإضافة إلى فقدان عاملٍ مسؤولٍ عن النضج، وصاحب خصائص مماثلة لمضادات الاكتئاب، ما يترك الفرد في دائرة مفرغة، إضافة إلى غياب أيّ نشاط حسيّ أو ضوء طبيعيّ، حيث يُصبح الشخص عرضةً لاضطراباتٍ نفسيّة واختلالات في الجينات المسؤولة عن تنظيم التواتر اليوميّ.
وبعد تفجير قضية كينج، سعى علماء الأعصاب فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى دعم بحوثهم بالتجربة الشخصيّة لكينج بهدف إلغاء الحبس الانفرادي، ويقول جولز لوبيل أستاذ في القانون في جامعة بيتسبرغ وعضو في الفريق المشكل بعضوية كينج، وقد سبق له أن فاز بقضيّة مماثلة ضدّ السجن الانفراديّ بولاية كاليفورنيا، إن علم الأعصاب ليس مجرد أداةٍ لفهم الحالة البشريّة، بل يمكنه لعب دورٍ هامّ في تغيير الظروف التي يعيش البشر تحتها