الجزر الإماراتية أرض وتاريخ لاينسى (1- 10)
الأربعاء، 05 ديسمبر 2018 05:07 م
مرت علينا الأسبوع الماضي الذكرى الثامنة والأربعون على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث «أبو موسى – طنب الكبرى – طنب الصغرى»، ومنذ ذلك العام (1971) يحاول الاحتلال الإيراني أن يفرض سيطرته على الجزر الثلاث بمحاولة تعميق صور الاحتلال بشتى الطرق الغير مشروعة، في محاولة لإثبات شرعية على أرض اتخذت بسطوة القوة الظالمة وبتواطؤ دولي واضح بوجه عام، وتواطؤ بريطاني بشكل خاص.
ومنذ هذا التاريخ حاولت إيران تحدي المجتمع الدولي في أن تفرض أسلوب هيمنتها على الجزر بكافة الصور منذ 30 نوفمبر 1971، في محاولة منها لطمس الحقائق وتزوير التاريخ وحجب النور عن حقوق واضحة وضوح الشمس وظاهرة للأعمى والبصير، وأصبحت تلك المحاولات التي يكسوها الفشل لأن التاريخ أصبح أذكى مما تتصور إيران، والعالم أصبح مدرك لخطورة طمسها لتلك الحقائق، وأن محاولتها الحثيثة لفرض شرعية الأمر الواقع أصبحت غير مجدية وغير ذي نفع.
وعلى رغم أن العالم العربي وحتى هذه اللحظة غير مدرك لخطورة استمرار الاحتلال الإيراني لتلك الجزر، لكن الأجيال القادمة لابد أن يكون لديها الادارك والحس الكافيين لاستيعاب خطورة الاحتلال وخطورة استمراره وأيضاً خطورة بقاء الوضع على ما هو عليه، ولذلك مرت الذكرى الثامنة والأربعون لنكبة الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث التي تمثل أهمية إستراتيجية تزداد يوماً بعد يوم مرور الكرام في أغلب صحف العالم، برغم خطورة استمرار الاحتلال لتلك الجزر وجب علينا البحث في طرق للحلول السلمية التي يجب أن يتبعها الجيل الحالي أو القادم، وكان من باب أولى أن نحاول سرد في لمحة تاريخية واقتصادية لأهمية لتلك الجزر للخليج وللعالم العربي ولجميع الدول المحبة للسلام والاستقرار.
فالجزر الثلاث تمثل أهمية إستراتيجية ضخمة لأنها المتحكم الرئيسي لمضيق هرمز الذي تمر منه تقريباً 40% من تجارة العالم وتمر عبره 22 % من ناقلات البترول والنفط والغاز، وزادت أهمية الجزر منذ وقت مبكر لأن من يسيطر عليهم فإنه يتحكم في تدفق حركة التجارة في العالم أجمع، ومن هنا أخذت الجزر أهميتها الإستراتيجية التي جعلت إيران بفضلها تمتلك ثقل لا يغفله أحد برغم إقرار المجتمع الدولي بسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على تلك الجزر التي تعد جزأ لا يتجزأ من الإقليم الإماراتي وجزء هام من تاريخها وحاضرها ومستقبلها، برغم اقرارنا ان هذا الدعم كان سياسيا ولفظيا نوعا ما .
وإن كنا نعترف سلفاً بأن ذكرى الاحتلال تمر علينا ونحن في وضع إقليمي لا نحسد عليه ووضع دولي أصبح أكثر تعقيداً مما كان عليه سابقا، يزيد على ذلك أن الدولة الظالمة "إيران" والتي مارست كل أنواع الجور تجاه جارتها، أصبحت غير قادرة على الرجوع إلى رشدها ورد المظالم إلى أهلها كواجب أخلاقي، ورد الحقوق التي اغتصبتها إلى ملاكها كرد فعل طبيعي من دولة مسلمة تشاركها الدين والثقافة والإقليم وجزأ لا يغفل من الحضارة الإنسانية.
نعترف سلفاً أن دولة الأمارات العربية ومن خلفها الدول العربية كان لديهم حسن ظن وكثير من الأمل في أن تعود إيران لرشدها وتقر بالمظالم التي ارتكبتها في حق الإمارات، وتصور البعض خطاً أن يكون هناك سياسة لمراجعة النفس، خاصة بعد (الثورة الإسلامية ) التي قادها الخميني عام 1979، فإذ بالثورة ( الإسلامية ) وقادتها أكثر ظلماً وأعظم جوراً وأعمق جرحاً من الحكم الشاهنزي، وكالعادة خاب الظن العربي تجاه رد الفعل على مراسلات الإمارات لجاراتها إيران لاسترجاع الجزر بالطرق السلمية من باب حسن الجوار وعلاقة الأخوة وعلاقة التاريخ والدين.
لكن إيران استمرت في سياساتها البعيدة عن الدين والمنطق وحسن الجوار، لتستمر سياسة الظلم والجور والبهتان ليكتمل مسلسل العدوان بصورته القذرة، ولذا أقر المجتمع الدولي بأن سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة وشيوخها كانت حكيمة في التعامل مع هذه القضية باستخدام كافة الطرق السلمية في حل النزاع من أجل الحفاظ على العلاقات الطيبة بجارتها، وبذلت جهود كبيرة في فرض الطرق السلمية في إدارة ملف النزاع، وبدأت ذلك بالمشاورات والوساطة والمفاوضات والمساعي الحميدة إلا أن إيران وعنجهيتها الفارسية رفضت كافة تلك السبل الرامية إلى حل النزاع بشكل عادل ومرضي في تحدي واضح للمجتمع الدولي، وهنا يثور نقاش حول الطبيعة القانونية لاسترداد الجزر وخاصة جزيرة أبو موسى والتي تم في إطارها توقيع "مذكرة تفاهم" بأسلوب فرض القوة من الطرف الأقوى بتواطؤ من الطرف المحتل لتوقيع تلك المذكرة ، لان من شروط المعاهدات لكي تقع صحيحة أن يتم توقيعها خالية من عيوب تشوب إرادة أحد القائمين قبل وبعد التوقيع.
وما حدث في مذكرة التفاهم كان يشوبه سلامة الرضى فمن شروط الرضى أن لا يقبل التأويل ومن المتفق عليه في النظام الدولي أن المعاهدات ومذكرات التفاهم والاتفاقيات لا تنعقد صحيحة الإ بتوافر الرضى التام لإطرافها، وبالتالي وجب ألا يكون هناك غلط أو غش أو إكراه ، وهذا ما لم يتوافر في تلك الحالة، والوثائق والمخاطبات تؤكد أن شاه إيران محمد رضا بهلوي، حاول بكافة طرق التهديد والوعيد أحياناً والرشوة دائماً، وإنما استمالة حاكم الشارقة خالد القاسمي عن طريق الوسيط البريطاني السير وليم لوس ضمن شروط وضعها الشاه بنفسه في تحدي واضح للعرف الدبلوماسي وتحدي أكبر لأعراف التفاوض، وفي إطار مظلة من التخاذل الوسيط البريطاني.. وهذا ما سوف نوضحه في الجزء الثاني من هذا المقال.