تتويجا لـ«نبيل بهجت».. قصة تسجيل الأراجوز المصري في اليونيسكو ضمن قائمة التراث غير المادي

نجحت مصر منذ أيام في ضم شخصية الأراجوز المصري، إلى قائمة اليونيسكو لقائمة التراث المادي غير العالمي، حيث أعلنت منظمة اليونيسكو، خلال جلستها المنعقدة في دولة موريشيوس بشرق إفريقيا، تسجيل شخصية الأراجوز لقائمة التراث المادي غير العالمي، تتويجا لجهد الباحث الدكتور نبيل بهجت، الذي عكف على إعداد الملف لسنوات تقترب من العقدين.

الأراجوز المصري

في كتابه "الأراجوز المصري" الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة، والذي جمع مادته ووثقها كأول دراسة كبيرة عن شخصية الأراجوز المصري، يشير نبيل بهجت إلى أن تجربته مع الأراجوز وخيال الظل، لم تكن مجرد دراسة يتقدم بها لنيل درجة علمية أو يقدمها للقارئ، بل كانت تجربة حياة بدأت منذ عشر سنوات، واستمرت حتى هذه اللحظة، مشددا على أن جده لفت انتباهه بأمثاله التي كان يرددها على سمعه منذ صغره: إيش تاخد يا برديس من تفليسي" و" في فرفرتيه سعد رئيسك يا عدلي" وعندما فحص نبيل بهجت هذه الأمثال، وجد أنها تحمل إشارات لوقائع تاريخية، فالبرديسي أحد الحكام الذين فرضوا ضرائب أدت لثورة شعبية بعد رحيل الحملة الفرنسية، وكذلك حملت العبارة الثانية وقائع الخلاف بين سعد زغلول وعدلي يكن على رئاسة الوفد المصري.

غلاف كتاب الأراجوز المصري

إن اختفاء النموذج المحلي لصالح النموذج الغربي، كرس لمفاهيم العجز وعدم الرضا عن الذات حسبما يرى نبيل بهجت في مستهل كتابه، لذلك كان شعار تجربته: إن لدينا ما يستطيع أن يعبر عنا" ومن ثم كان مسمى "ومضة" لفرقته التي أسسها لإحياء التراث والفنون لتلفت الأنظار إلى الإمكانيات التي يمتلكها المجتمع المصري للنهوض مرة أخرى.

وينبه نبيل بهجت إلى حملة التغريب التي اجتاحت البيوت المصرية، عبر الإطلاع على مسلسل النينجا الذي ينتهي إلى شراء البيتزا الأمريكية، وغيرها من المسلسلات الكارتونية التي تروج لمنتجات غربية، وهو ما ينطبق على الوضع الحالي، فالأطفال المصريين يعرفون سبايدر مان، ولا يعرفون الأراجوز المصري، وحسبما يشير نبيل بهجت في كتابه، فإن النماذج المحلية التراثية، من أهم المصادر الاقتصادية سواء بإعادة إنتاجها بشكل مباشر، أو باستخدام عناصرها واستلهامها في مجالات مختلفة.

الباحث المصري نبيل بهجت صاحب ملف تسجيل الأراجوز في قائمة اليونيسكو

يقول نبيل بهجت: لا ينتبه الآباء للرسائل التي تحملها الدمى الغربية، بمواصفتها الشكلية التي تختلف عن طبيعة أطفالنا، مشددا على إن الثقافة اقتصاد فمصر لا تمتلك منتجا بحجم الثقافة تستطيع أن تسوقه وتعتمد عليه، ولقد بات من شبه المؤكد تفوق سوق الثقافة على ما عداه.

لهذه الأسباب بدأت محاولات نبيل بهجت لإحياء فني خيال الظل والأراجوز، والعجيب أن جميع الأكاديميين أكدوا له عند بداية بحثه أن هذه الظواهر انتهت من الوجود، في الوقت الذي لم يزل لاعبو الأراجوز يطوفون الشوارع حاملين تراث اللعبة، معتمدين على المنح التي يتلقونها من الجمهور مصدر رزق لهم.

بحث نبيل بهجت عن لاعبي الأراجوز في شوارع القاهرة وموالد مصر، حتى عثر على عدد من اللاعبين فكان لقائه بشيخ لاعبي الأراجوز صابر المصري، في مقهى التجارة بشارع محمد علي، الذي تحول الآن لمحال تجارية، كما قابل صابر شيكو بمقهى نجيب السواح بنفس الشارع، وصلاح المصري بمولد فاطمة النبوية، وسمير بعد العظيم وحسن سلطان بمولد السيدة زينب، وسيد الأسمر بمولد النبي بإحدى مناطق الهرم.

تسجيل شخصية الأراجوز المصري في قائمة التراث العالمي غير المادي مناسبة عظيمة للتعريف به، ولحث الأجيال الجديدة من الآباء بتعريف أبنائهم على تراث مصر الثقافي والفني، وتوجيه أبنائهم إلى التعرف على رموزهم وحضارتهم، ولفت انتباههم إلى أن الأراجوز المصري أحد رموزهم الاجتماعية، وهي مناسبة عظيمة لتتبنى وزارة الثقافة مناسبة تسجيل الأراجوز المصري في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي غير المادي، وتحتفي بلاعبي الأراجوز، وتشجع المؤسسات الثقافية التابعة لها على عقد فعاليات للأراجوز، واستدعاء لاعبي الأراجوز لتقديم عروضهم.