نبش القبور «المهنة الحرام».. كيف تصدى القانون لجريمة سرقة جثث الموتى؟
الخميس، 29 نوفمبر 2018 06:00 م
«نبش القبور» من الجرائم التى انتشرت فى الفترة الماضية على الرغم من كونها مُحرمة فى جميع الأديان السماوية، فى الوقت الذى دعت فيه كل الأديان إلى حرمة جثمان الإنسان محفوظة حيا وميتا، لكننا أصبحنا الآن نعيش فى أيام تُمتهن فيه حرمة الجثامين وتُجمع العظام والرفات بعد سنة أو سنتان من الدفن وربما بعد عدة أشهر.
اليوم الموافق 29 نوفمبر، تنظر محكمة جنح مستأنف السيدة زينب الإستئناف المقدم من متهمين لإلغاء الأحكام الصادرة ضدهما من محكمة أول درجة برئاسة المستشار أسامة عبد الرحمن بالحبس عامين، وكفالة 2000 جنيه لاتهامهما بانتهاك حرمة المقابر ونبشها، حيث كانت تلك الواقعة قد أثارت حفيظة وغضب الشارع المصرى.
حكم أول درجة
محكمة الجنح فى تلك القضية عاقبت حارسة مقابر وشقيقها حداد مسلح بالحبس عامين وكفالة ألفين جنيه، بتهمة انتهاك حرمة الموتى ونبش القبور، فيما سدد سدد المتهمان الكفالة لوقف تنفيذ العقوبة واستئنافا على الحكم، حيث حددت النيابة العامة جلسة اليوم الموافق 29 نوفمبر لنظر الاستئناف على حكم حبس المتهمين عامين.
أغرب ما شهدته القضية تمثل فى اعتراف المتهمين خلال التحقيقات بقولهما: «نسرق جماجم وجثث موتى مستشفى جامعة القاهرة من مجهولى الهوية، ومن ليس لهم أقارب للسؤال عليهم»، وذلك بعدما قادت الصدفة رجال الشرطة للقبض على المتهمين وبحوزتهم 3 جماجم، وقررت النيابة حبسهما وإحالتهما للمحاكمة العاجلة، بنصوص المادة 160 من قانون العقوبات المصرى عقوبة نابش القبور بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
نبش المقابر..وطلبة كلية الطب
التحقيقات قالت أن المتهمة الرئيسية فى القضية كانت تعمل على «نبش المقابر» وبيع الجثامين و الأعضاء لصالح طلبة كلية الطب بمقابل مادي كبير، وذلك من خلال دخول المتهمة إلى القبر عقب دفن المتوفى، وتقطيع جثته إلى أجزاء أحياناَ، ثم تبيعها إلى طلاب الطب بمعاونة شقيقها، بينما فى أحيان أخرى يقوما ببيع الجثة كاملة، عن طريق وضع تسعيرة بأعضاء المتوفيين، فتكون الساق والذراع بـ3 آلاف جنيه، والجمجمة بخمسة آلاف جنيه، والجثة كاملة يبلغ ثمنها إلى 20 ألف جنيه.
عقوبة..نبش المقابر
وعن مسألة النبش فى القبور والدافع من وراءها، يُجيب الدكتور أحمد الجنزورى، أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض، أنه قبل الحديث عن دوافع تلك الجريمة النكراء، لابد من الحديث عن مسألة تغليظ العقوبة فى المقام الأول حيث أن عقوبة «نبش القبور» تضمنتها المادة 160 من قانون العقوبات المصرى بالحبس وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تزيد على 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كالتالى:
أولًا: كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو احتفال ديني خاص بها أو عطلها بالعنف أو التهديد.
ثانيًا: كل من خرب أو كسر أو أتلف أو دنس مباني معدة لإقامة شعائر دين أو رموزًا أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس.
ثالثا: كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها، وتكون العقوبة السجن الذى لا تزيد مدته على 5 سنوات إذا ارتكبت أى من الجرائم المنصوص عليها فى المادة 160 تنفيذًا لغرض إرهابى.
أزمة حراس المقابر
أركان الجريمة-وفقا لـ«الجنزورى» فى تصريح لـ«صوت الأمة»- منها الركن المادى، وهو كل فعل مادى من شأنه الإخلال باحترام الموتى، وأن يكون الفعل معبرا عن إرادة الجانى ورغبته، وأن يكون من شأن الفعل امتهان حرمة القبور أو تدنيسها، كإخراج الجثث من المقبرة فى غير الأحوال المصرح بها قانونا، والقصد الجنائى أن يرتكب الجانى بإرادته الفعل المؤثم، ولا عبرة بالباعث.
المحافظة التابعة لها المقابر فى المقام الأول هى المسئولة عنها، وعن تأمينها وحمايتها من خلال حرّاس المقابر، فمن المعلوم أن هناك إجراءات وخطوات وشروط قانونية لتعيين حارس المدفن، يجب الإلتزام بها ثم يكونون مسئولون أمام المحافظة عن أى تجاوزات تحدث منهم، إلا أن الأزمة فى الوقت الراهن ليست فى حراس المقابر بينما تكون فى مساعدى حراس المقابر الذين يستعينون بهم للقيام بأعمال الحراسة والرعاية، حيث أن منهم غير الأمناء على المقابر-بحسب «الجنزورى».
نبش المقابر..والسحر
وفى سياق أخر، كشف الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية عن بعض الأسرار والأمور الخاصة بـ«نبش المقابر» من خلال الوثائق وأوراق القضايا حيث أكد أنه تطلع إلى كثير من قضايا «نبش المقابر» التى تورط فيها حراس مقابر ومساعديهم الذى يعملون على دفن الأعمال والسحر فى المقابر بغرض الانتقام أو الإنجاب أو جلب الحبيب مقابل أموال باهظة، وذلك رغم تحريم الدين لمثل هذه الأعمال.
وضمن هذه القضايا-بحسب «مهران» فى تصريح خاص- قيام مساعدى حُرّاس المقابر بنبشها ليلاَ لإستجراج الجثامين وفصل أعضاءها أو أجزاءها من بعضها البعض لبيع العظام والجماجم من المقابر وفى العادةً يقومون ببيعها لتجار المخدرات، من خلال قيام البعض بطحنها ومزجها ببعض المواد من أجل بيعها بأسعار مرتفعة، فى الوقت الذى يقوم فيه بعض الترابية بغلى عظام الجثامين أو الهياكل لإزالة الأنسجة والشحوم والتخلص من الرائحة الكريهة، ويتم بيعها لبعض الطلاب بأسعار متفاوت على حسب الزبون ومقدرته المالية، وهذا ما ورد فى العديد من قضايا «نبش المقابر».
200 ألف مقبرة فى القاهرة
المقابر هى المتهم الأول والرئيس فى كارثة «نبش المقابر» حيث أن محافظة القاهرة بمفردها تحتوى على ما يزيد عن 200 ألف مقبرة تقع فى إيدى حراس آمنيين يعملون على حمايتها ليلاَ نهاراَ وحماية حرمة الموتى من النبش والانتهاك، بينما البعض الآخر يتسم بالنزاهة والأمانة ويراعى ضميره فى كل شى يفعله، بينما آخرون منهم يلهثون وراء جشعهم المادى ورغباتهم لكسب بضع جنيهات مقابل بيع ضمائرهم والتفريط فى الأمانة التى فى أعناقهم-هكذا يقول «مهران».
مفاجأة..الجثث المجهولة
فيما، فجّرت يارا أحمد سعد، المحامية والخبير القانونى، مفاجأة من العيار الثقيل تحدث بشكل ممنهج داخل المشرحة وتكون من أهم الأسباب التى تدفع إلى سهولة «نبش المقابر» وهى أن هناك عدد من جثث الموتى مجهولى الهوية يتم إحضارهم إلى المشرحة، البعض منها يكون فى حالة تشوه تام ما يصعب معه عملية التعرف عليهم، تكون الإجراءات القانونية هى وضعها فى ثلاجة المشرحة ومعهم بطاقة ورقية يتم وضعها داخل زجاجة لحمايتها وتأمينها من التآكل وتكون بها بيانات المتوفى من: «رقم محضر، تاريخ وصوله للثلاجة، هويته إذا كان ذكراً أم أنثى».
مصير كل جثة –طبقا لـ«سعد» فى تصريح خاص- داخل المشرحة تحدده من الناحية القانونية والطبية مصلحة الطب الشرعى، فإما يتم دفنها فى مقابر الصدقة أو يتم تسليمها لمشرحة مستشفيات كليات الطب لكى يتدرب عليها الطلاب، ومن هنا تبدأ حلقات مسلسل «نبش المقابر»، ويتم وضع الجثث فى ثلاجة المشرحة لفترة تتراوح ما بين 3 و6 أشهر.
وتضيف الخبير القانونى أنه خلال هذه الفترة إذا لم يتم الاستدلال على أهل المتوفى أو فى حال عدم استفسارهم عنه، فيتم دفنه فى مقابر الصدقة بعد قرار من النيابة العامة، وأحياناً تقوم المصلحة بمخاطبة المحامى العام فى حال وجود تكدس فى الثلاجات لإصدار تصريح الجثمان بعد أخذ البصمة الجنائية من الجثة، بحيث إذا حضر أحد أقاربه يتم مطابقة بصماته ببصمات الجثة للتأكد من وجود علاقة به وبين أهله، وبعدها يتم إبلاغهم بمكان الجثة فى حال دفنها، أو إذا كانت لم تدفن يتم تسليمها إليهم لدفنها بمعرفتهم، الأمر الذى يساهم معه مسألة الجثث المجهولة فى نبش قبرها بعد ذلك.