الحوار الملغوم!
الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018 02:34 م
منذ أعلن الحوثيّون عن أنفسهم كحركة تمرد مسلحة في 2003 -عَقب تسليم الولايات المتحدة السلطة للشيعة في العراق- وهُم يعتبرون الحوار فرصة للتموضع والتعبئة والتهيؤ لمعركة جديدة.
فعلى مدى ست سنوات (2004-2010) خاض الجيش ضدهم ستة حروب متتالية، انتهت الأخيرة وقد تكاثروا وسيطروا على معظم مديريات صعدة، وتوغلوا في حجة وعمران والجوف، وتسللوا من ثغرات الشريط الحدودي للمملكة العربية السعودية، مُستقوين بضغط دول وسفارات على الرئيس السابق لكي يرضخ للحوار معهم، حتى اقتنع بأنّ هذه الحركة يُراد لها أن تتنامى وتنتفش، ليس بسبب (قوّتها)، وإنما بدعم خارجي.
كان الحوثيون قد هُزموا في الحربين الأولى والثانية، وقُتل قائدهم المؤسس، واستسلم والده وأشقاؤه، وتم احتجازهم لأشهر في صنعاء، وبدلاً من محاكمتهم، أخرجوهم بوساطة قطريّة، وتدخلٍ من السفارتين الأمريكية والبريطانية.
قلة قليلة من السياسيين والمفكرين المطلعين على خبايا الحركة الحوثية كانوا يُحذرون من مشروعها العنصري التوسعي المرتبط بإيران، لكن أصواتهم تناثرت هباءاً بين شغب المزايدين، وصخب الحاقدين.
وكثيرون في الداخل والخارج دافعوا عنها وساندوها بحسن نيّة، على وَهم أنّها تُمثل أقلية مذهبية مضطهدة، إذا أُتيح لها الانخراط في العمل السياسي، ستتخلى عن السلاح، وتكتفي باستخدام أدوات الصراع المكفولة لها وفقاً للدستور؛ فتلجأ لتأسيس حزب تُقدم من خلاله برامجها وتصوراتها للحكم، وتنافس به للوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، لكن الجماعة التي أدمنت الغدر، تعاملت مع تلك النوايا الحسنة بكل ما لديها من سوء نية.
ومع الأسف، لا يأبه الغرب كثيراً للمجازر وشلالات الدم التي سفكها الحوثيون، طالما كان ضحاياهم يمنيون، فقد قتلوا الأبرياء الذين رفضوا الانصياع لهم، وأذلّوا ونكَّلوا بمن بقي تحت رحمتهم، وفجروا منازل من فرّ بشرفه وكرامته من بطشهم، حيث كان الأوروبيون والأميركان -ولا يزالون- على قناعة بأنّ الجماعة الحوثية يمكن التعايش معها، بل والاستفادة منها في محاربة الإرهاب والتطرف. مستدلين بأنّ مواطنيهم داخل اليمن لم يمسهم الحوثيون بأي سوء، عكس الجماعات والأحزاب الدينية المُنتمية للمذاهب السُنيّة.
وظل سفراء الولايات المُتحدة وبريطانيا على تواصل نشط مع بعض قيادات الحركة لاسيما في الحرب السادسة ضدهم، كما كانوا يحجّون بمواكبهم إلى صعدة للقاء بهم، في تحدٍ سافر للنظام الذي كان يحاربهم تارة ويهادنهم أخرى.
ولقد أسهم الناشطون المؤيدون للحركة -لأسباب عرقية- بدور كبير في الترويج لها عند مختلف الجهات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان. وأغلبهم ممن تكفلت رموز هاشميّة برعايتهم وتعليمهم، في منح دراسية مكنتهم من العمل في هذه المنظمات، وأذكر هنا على سبيل التمثيل لا الحصر الأستاذ الراحل ابراهيم بن علي الوزير، رئيس حزب القوى الشعبية، الذي كان يتلقى دعماً كبيراً من اللجنة الخاصة في السعودية، إلى ما قبل سنوات.
لا أريد الإساءة للهاشميين، كما لا أهاجم الحوثيّين عن حقد، وقد عرفت بعض قياداتهم ممن يتحلّون بأخلاق ونبل، لكني هنا أحاول تشخيص الإشكالية التي وقعوا فيها، وستكون سبباً رئيساً في استمرارية مواجهتهم، وإطالة أمد الحرب، ولو أيّدهم العالم أجمع.
تكمن مشكلتهم فيما يطلقون عليه (الولاية)، وحصرها في نسل أسرة واحدة، يَرَوْن أحقيتها في الحكم.. أو السيادة على الحاكم.
ليس بسبب جهود بذلتها، أو خدمات قدمتها، كما هو متعارف عليه في الأنظمة الملكية على مستوى العالم.. ولكن، لكونهم يَرَوْن أنّ الأسر الهاشمية من عرق أنقى، ونطفة أرقى، وسلالة أصطفاها الله للحكم من دون الناس. وهي فكرة نازيّة وعصبوية مقيتة لا تليق بأي بشر سَوي. ناهيك عن أسر تدعي الإيمان، والقرابة من الرسول الكريم المخلوق من ماء مهين، كما يفترض أنّهم يعلمون يقيناً أنّ اليمنيين سبق أن جربوا من قبل حكم الإمامة، التي يسعون قسراً لإعادتها، بما تحمله من تمييز وتجهيل وإفقار.. ولو كان آل حميد الدين تأسّوا بالأسرتين الحاكمتين في الأردن أو المغرب ،اللتين لا تزعمان الأفضلية العرقية، والوصاية الدينية، ووصلتا للحكم بخدمة الناس، لمَا ثار اليمنيون قبل أكثر من نصف قرن ضدهم .. ولما حاربوا الحوثيين اليوم لأنّهم على شاكلتهم.
الحق أقول لكم، أنّه لا جدوى من المفاوضات مع الحوثيين، غير منحهم وقتاً مُستقطعاً يستريحون فيه ويرتبون قواتهم، والقبول بالحوار مجدداً معهم، على الرغم من رفضهم الاعتراف بالقرار 2216 وفشل المحادثات السابقة، إنما هو مساندة لهم بشكل أو بآخر.. ويسعى لتمكينهم، والدفع بهم لاحقاً إلى ماوراء الحدود.