مراحل التربية النفسية السليمة
الثلاثاء، 20 نوفمبر 2018 12:04 م
تحدثنا فى المقال السابق عن الأخطاء الشائعة التى قد نقع فيها جميعاً و نحن نحاول فك شفرة عملية التربية السليمة لأطفالنا ، و فى الواقع أن هناك علم مختص بذلك , و هناك علماء دأبوا على تطوير هذا العلم ، و استنباط نظريات نستطيع جميعاً الاستفادة منها لتنشئة أجيال تنعم بصحة نفسية سليمة ، تساعدهم على مواجهة صعاب الحياة و على إيجاد السعادة.
إلى كل ولى أمر مهتم بسعادة أطفاله روشتة تشمل ما يحتاجه الطفل فى كل مرحلة عمرية حتى يصبح إنساناً ناضجاً و متوازناً نفسياً
ذهبنا لنسأل أهل العلم ، فكان هذا الحوار مع الدكتورة سارة الشقنقيرى ، أخصائى الطب النفسي ، و رئيس قسم الطب النفسي بمركز ريفايف الطبى.
المرحلة الأولى ( منذ الولادة) :
يولد الطفل ، لا يعرف شيئاً فيبدأ فى التعرف على كل ما حوله. كل شئ بالنسبة له جديد و غريب ، و يظل يبحث عن إحساس واحد فى تلك المرحلة..الإحساس بالأمان.
قد يولد هذا الطفل وسط صراعات عائلية أو حروب ..فيتولد عنه إحساس بالخوف.
أما إذا وفرنا له جو هادئ و آمن فى المنزل فإن هذا يعزز من إحساسه بالأمان.
و يتساءل الطفل منذ البداية عن إجابة لهذا السؤال..هل أنا مقبول كما أنا؟ فى محاولته لتكوين فكرته عن نفسه.
يحتاج الطفل منا إذاً بدايةً ، أن نشعره بأنه مقبول و محبوب حباً غير مشروط لنزرع بذرة الأمان فى نفسه.
المرحلة الثانية (من سنة حتى 3 سنوات) :
يبدأ الطفل فى هذه المرحلة العمرية فى الحركة ، و الإمساك بما يقع تحت يده ليستكشف. لذا يجب توفير مكان آمن له يستطيع فيه أن يتحرك بحرية. فأولياء الأمور الذين يحدون من حركة أطفالهم فى تلك المرحلة بحجة حمايتهم بطريقة مبالغ فيها ، أو الذين ينتقدون بكثرة ما يفعله أطفالهم من أخطاء هم فى واقع الأمر، يمنعون أطفالهم من تنمية مهارات الحركة التى يحتاجون إلى تعلمها فى تلك المرحلة.
الطفل يحتاج كذلك إلى التشجيع على كل خطوة صغيرة و كل حركة جديدة لاكسابه الثقة فى قدرته على أن يفعل أى شئ وحده.
و مازال يحتاج إلى ما كان يحتاج له فى المرحلة السابقة. فنحن نبنى على اشباع الاحتياجات السابقة و لا نتركها.
المرحلة الثالثة (من 3 إلى 5 سنوات ) :
هذه المرحلة تطور للمرحلة السابقة، يجب تشجيع الطفل فيها على إتخاذ قرارات صغيرة تخصه، ماذا يريد أن يأكل.. ماذا يختار أن يلبس..ما اللعبة التى يحب أن يلعب بها..
يجب أن يتعلم الطفل فى هذه المرحلة أن يصبح قادراً على اتخاذ القرارات الصغيرة وحده.
و أن يتعود شيئاً فشيئاً ،على التواجد وحده وهو يلعب ، دون وجود الأم إلى جواره ، و يكون ذلك بالتشجيع و التطمين.. و ليس عن طريق خداعه حتى لا يفقد الثقة فى أمه.
المرحلة الرابعة ( من 5 إلى 11 سنة) :
تدخل المدرسة فى المعادلة فى تلك المرحلة، حيث يكون على المدرسين تعليم الطفل الاعتماد على النفس من خلال دعمه و تشجيعه باستمرار.
ويبدأ فى هذه المرحلة تنمية المهارات الاجتماعية للطفل ، من خلال تعاملاته مع الآخرين.
و الحقيقة ، أن يكون الطفل جزءاً من مجتمع سواء فى المدرسة أو فى النادى ،هو أمر فى غاية الأهمية فى تلك المرحلة.
يجب أن يشعر الطفل فى هذا السن أنه بدأ يكون مسئولاً عن بعض قراراته مثل المذاكرة ، و الرياضة التى يمارسها ...إلخ
و علينا وضع القواعد له ، و نعتمد على التشجيع أكثر من التوبيخ لحثه على الالتزام بتلك القوانين.
و علينا أن نعلمه أن لديه الخيار و لكن لكل اختيار نتيجة عليه أن يتحملها.
المرحلة الخامسة ( سن المراهقة) :
تكمن صعوبة تلك المرحلة العمرية فى التغيرات الهرمونية ، و تلك التى تحدث فى كيمياء المخ، ولكن الطفل الذى تعلم كيفية اتخاذ القرارات ، و لديه إحساس بالأمان و تربى على مساحة كبيرة من حرية التعبير و الحوار ، سيمر على تلك المرحلة مرور آمناً.
فالعلاقة الجيدة مع الأهل و استعداد المراهق لتحمل المسئولية ، هو خط الحماية له.
فإذا غابت ثقته فى اختياراته، فسوف يكون تابعاً لأصدقاءه
ولو تربى على القهر، فسوف يتمرد و يصبح رافضاً لكل النصائح الواردة من البيت.
ويبحث المراهق فى تلك المرحلة عن هويته الشخصية , لذا يجب تشجيعه على شغل وقته و تفكيره فى أنشطة مفيدة طوال الوقت ، حتى ينجو من براثن أصدقاء السوء بل و الأخطر.. الإدمان بكل أنواعه و على رأسه الإدمان الإلكترونى.
مع محاولة اكتشاف ما يحب الطفل منذ الصغر من هوايات ، و تنميتها، تصبح مع الوقت جزءاً من هويته. فيلقب المراهق الذى كان يعزف على الجيتار , بالعازف ، لأنها جزء من هويته ، و ينتمى حينئذ إلى مجموعة من المراهقين لديهم نفس الشغف و الهواية.
وعلى ذلك ، يصبح من المهم للغاية أن نترك كل طفل يكتشف ما يحب دون إجبار ، مع الدعم و التشجيع المستمر حتى نساعده على تحقيق ذاته لاحقاً.
عندئذ ، يصبح لدينا شخص عاقل ، رشيد ، قادر على تحمل مسئولية نفسه.
هذه كانت روشتة د. سارة ، أتمنى أن تفيدكم .
و فى النهاية ، اقترح وجود أخصائى نفسي فى المدارس ، لمعالجة حالات الاضطراب النفسي و هى فى بدايتها. ، كما أرى من وجهة نظرى، أن التربية السليمة تحتاج إلى أعداد لأولياء الأمور منذ الصغر، و على ذلك اقترح إدخال علم التربية فى المناهج المدرسية ، حتى نخرج أجيالاً أكثر استعداداً على تولى أصعب مهمة فى الحياة، ألا وهى تنشأة شباب المستقبل.