فن التعامل مع الرأي العام
الأربعاء، 14 نوفمبر 2018 04:10 م
فى زمن زادت فيه التحديات واحدة تلو الأخرى حتى أثقلت صفحات تاريخه، أصبح التعامل مع ضغوط الرأي العام من التحديات الكبرى ، فالرأي العام لا يمكن تجنبه أو تجاهله أو صم الأذن عنه، فهو بمثابة تجمهر كبير على قمة جبل عالٍ يصرخ فى وجه شخص واحد على حافة تلك القمة.
أن ما يُشكل الرأى العام – للأسف- هو صوت الأغلبية وليس أصوات العقلاء، خاصة بعد أن أضٌيفت نكهة التكنولوجيا للقضايا الملتهبة المجتمعية، الفنية، السياسية أو حتى الشخصية، مما جعل من صناعة الرأي العام أبعدية مخفية، فلك أن تتخيل كيف يستطيع شخصًا واحدًا أن يشكل "رأى عام" أو إن صح التعبير أكثر؛ موقف عام من مجرد بعض التغريدات أو المنشورات الالكترونية، لكن بغض النظر عن ما آلت إليه صناعة الرأي العام اليوم وأفضى إلى ذلك التحدى، فمشكلة الرأي العام أنه قد يمارس نوع من الممارسات السياسية البغيضة وهى الضغط على القيادة السياسية دون أن يدرى كل خبايا القضايا التى يتحدث بها أو حتى يعلم بفحواها!.. دون أن يدرى خطورة ذلك الضغط المرعب، وقد شهدت مصر كثير من ذلك الضغط الذى كاد أن يودى بها، وعادة إذا ما دققنا النظر فسنجد أنه فى الأوقات المتأزمة التى ضغط الرأي العام فيها على القيادة، كان الذى يشحن المواطن ليس هو الفرد ذاته الذى قام ومارس الضغط كحق من حقوقه السياسية كما يرى.
فلا ننسى فى أيام الرئيسان السادات ومبارك عندما كان أحدهما يفكر فى إلغاء الدعم أو رفع الأسعار كان الضغط الشعبى يجعلهما يتراجعا، هكذا فى حرب الاستنزاف، هكذا فى الدفاع عن القضية الفلسطينية.
لكن هل يكمن الحل فى تعديل ذلك السلوك السياسى الخطأ الذى يستغله البعض؟.. ربما ذلك أحد الحلول العملية العقلية لكنها ليست السريعة وتحتاج لعقود لتغير سلوك وثقافة ونشر توعية سياسية تكون ركيزتها العقل للفرد القادر على الحكم بشكل سوى على الأمور غير مستجيب لأي شحن ولا يمارس أى ضغط على قيادته بل يفكر ويتحرى.
أما عن الحل الأخر وهو الأسرع، هو ذلك الفن فى استيعاب الضغط الشعبى الذى قد يمارس فى بعض القضايا المحلية حتى وإن كانت نقص سلعة أو ما شابه، وهو ما تفعله دائمًا كلمات السيد الرئيس للشعب الذى يحرص على أن يكون على وصال دائم مع الشعب على عكس العهود السابقة التى لم نكن نسمع أو نرى الحاكم سوى فى بعض المناسبات الرسمية، فالكلمات من الحاكم دائمًا ما تصل سريعًا للمواطن الذى يطمئن كثيرًا عندما يدرك أن رئيسه يعى جيدًا ما يمر به ويستوعب ذاك وتلك وعلى دراية بتحديات يومه الصغيرة.
الحديث والشرح والتفصيل من رأس الدولة يكون بمثابة وسادات تمتص الكثير من الصدمات والاحتقان، هكذا لابد أن يكون كل مسئول فى القيادة، لابد أن يكون قادرًا على ممارسة ذلك الفن المتسم بالكلمات البسيطة والشرح اليسير والحث على التحمل وصد أى محاولة للضغط أو التصرف التنفيذى تحت ضغط شعبى، وإزالة أثر السموم التى تٌدس فى ضغوطات الرأي العام المُشكًلة أغلبها من التواصل الاجتماعى وتحويلها إلى وعى وفهم واستثمارها فى مناحى أفضل أو تحويل مسارها إلى طاقات ايجابية وتنافس بين الكوادر الناجحة المجتمعية .