تخيلي: الوجه الآخر لـ «عبدالغفور البرعي».. انتهازي وبخيل وديكتاتور
الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018 02:00 مكتب- معتمد عبدالغني
عندما عرض مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي»، عام 1996، تحولت شخصية عبدالغفور البرعي، التي قدمها الفنان الراحل نور الشريف، إلى أيقونة نجاح لرحلة صعود عامل بسيط في وكالة الحاج إبراهيم سردينة، أصبح بعد عدة سنوات من الأثرياء، ورغم مرور 22 عامًا على العرض الأول، إلا أن سحر الشخصية مازال يلقى ترحيبًا من المشاهدين، وانتقل هذا الإعجاب إلى صفحات المواقع التواصل الاجتماعي التي أعادت تقديم فلسفة الشخصيات الرئيسية للمسلسل في صورة «كوميكس».
بعد عرض المسلسل قال نور الشريف، إنه تأثر بشخصية عبدالغفور، وبدأ يعيد النظر في طريقة تعامله مع أمواله، اللافت أن الحلقات الأولى – والتي بسببها وافق نور الشريف على القيام بالدور- لم تُذكر في الرواية الأصلية لإحسان عبد القدوس، ففي النص الأصلي تدور الأحداث من وجهة نظر شخصية «نظيرة» الأبنة الصغري، الفتاة المتحررة التي تدرس في الجامعة الأمريكية، وتقع في غرام صديق شقيقها عبدالوهاب.
مع متابعة الحلقات الأولى تتعاطف مع شخصية عبدالغفورالبرعي، الفقير البائس الذي يتعرض للمضايقات من ابن صاحب الوكالة «محفوظ سردينة»، ومساعده الشرير «مرسي»، ثم أطماع عائلة الوزير الأرستقراطية.
في هذا التقرير سوف نستعرض الأمر بصورة عكسية، ونعطي الفرصة للشخصيات الدرامية لكي تتحدث عن نفسها، وأسبابها المقنعة لكراهية المعلم عبده.
الريس مرسي
منذ اللحظة الأولى، أدركت أن «الواد» عبد الغفور البرعي، يستهدف مكانتي في وكالة الحاج إبراهيم سردينة، الداهية عرف كيف يدخل لقلب الرجل العجوز، بمهارته في «رص حجر الشيشة»، وطبق كشري من عربة فاطمة وأخيها سيد.
منذ اللحظة الأولى، أدركت أن «الواد» عبد الغفور البرعي، يستهدف مكانتي في وكالة الحاج إبراهيم سردينة، الداهية عرف كيف يدخل لقلب الرجل العجوز، بمهارته في «رص حجر الشيشة»، وطبق كشري من عربة فاطمة وأخيها سيد.
كنت أظنه يجتهد في العمل من أجل النوم ليلًا في الوكالة، لكنه بدأ التمرد مبكرًا، صار ظلًا للحاج سردينة، ينهل من تجربته في عالم الخردة، ويتدخل في تفاصيل العمل كأنه صاحب الوكالة، كان عليه أن يستمع إلى نصائحي ويصبح تحت سيطرتي، لكنه كان يتعمد كلما أمرته بشئ أن يستنجد بعينيه الدامعتين بالمعلم الكبير، الذي بدوره يوجه غضبه ناحيتي، ويتهمني بـ"النفسنة" من عامل بسيط، ربما ظلمتني ملامحي القاسية، ونبرة صوتي الخشنة، لكن في النهاية الإدارة درجات، وعبد الغفور صعد السلم مرة واحدة، لوم يراع أنني مديره المباشر.
في عالم الواقع التمجيد المبالغ من الموظف لمديره، يطلق عليه كلمة واحدة.. نعم من وجهة نظري عبدالغفور البرعي «عـ...ص» كبير.
لن أتحدث عن علاقته بفاطمة كشري، التي كنت أتمنى الزواج منها قبل ظهوره في الحلقة الأولى، لأن الزواج في النهاية قسمة ونصيب، لكنه لم يتعامل كالفرسان ويتقدم لها مثلما فعلت، خذلها بحجة أنه غير مستعد، ربما لو كان أمتد دوري للحلقات الأخيرة لواجهته في مشهد لا ينسى، لكن رغبة المخرج جعلتني أخرج من الحلبة خاسرًا، سجينًا بعد أن سلطت أحد اللصوص لسرقة أمواله، وأغلب الظن أنه لو تم حذف دور عبد الغفور، لكنت الأن متزوجًا من فاطمة، ولم أدخل السجن، واستمر عملي في وكالة سردينة.
محفوظ سردينة
لن أندهش إذا «طقت» في دماغ السيناريست مصطفى محرم، أن نكتشف بعد إجراء فحص تحليل الحمض النووي DNA، أن الـ«جِعر» عبدالغفور، الذي أتأفف من السلام عليه، ويغسل عربيتي الفاخرة أمام باب الوكالة، هو أخي الأكبر الذي تاه من أبي في مولد السيد البدوي، أثناء انشغاله بالحديث في أمور الدين مع الشيخ حنفي العنبري، جميع مشاهدي مع الوالد تدور في فلك الدفاع عن هذا البرعي، يستميت في إرضاءه وتدليله، بينما أنا دوًما معرض للشخط وعدم الرضى.
لماذا أكره عبدالغفور البرعي؟.. ببساطة لأنه أفسد علاقتي بوالدي الحاج إبراهيم سردينة، لم أراه سوى «عصفورة» في الوكالة، لا أعلم فيما يتهامسون عندما يرص له حجر الشيشة، لكني أرجح أنه ينقل أخبار زملاءه.
الفتى المدلل لوالدي -أشعر بمرارة العبارة- وأنا أقر أنه أكثر قربًا لسردينة الكبير من ولده الوحيد، يتباري في إحضار كل الأشياء التي منعها الطبيب عن أبي، الشيشة التي تفسد صحته، وطبق الكشري الملوث، ووصلت به الوقاحة أن يحضر هذه الممنوعات ليلة زفافي من زوجتي الأولى، ومتباهيًا وقف يرقص أمام الكوشة، كأنه يقول لي: «أنا أنفذ رغبات أبيك غصبًا عنك يا محفوظ»، أعلم أنه يتخلى عن مناداتي «سي محفوظ» في خياله، لقد شاهدت الحلقة الثانية من المسلسل، التي كان يحلم فيها أنه صار صاحب الوكالة، وكان يعنفني بشدة، هل رأيتم خياله المريض؟.. لقد كشر الوحش عن أنيابه مبكرًا، ولولا طاعتي وحبي لأبي، لطردت لعبته من الوكالة، وانتهينا من سيرة صاحب الجلباب الممزق التي تحولت إلى أسطورة درامية.
سيد كشري
لم أكره عبدالغفور البرعي، لكنه أثر سلبيًا على حياتي العملية، لو كان تركني في حالي لكانت عربية الكشري التي أمتلكها تحولت إلى سلسة مطاعم كشري «أبو خضير»، لكنه استطاع اقناعي بالتحول من صاحب عمل إلى موظف يعمل لديه مقابل أجر زهيد.
قبل أن يأتي «عبده» إلى الوكالة، كنت سعيدًا بحصيلة اليوم التي أربحها من عربية الكشري، كنت انتهي من عملي ثم أذهب للقاء أصدقائي على المقهى، أما الآن أنا مجرد موظف يعمل في وكالة صهره، يخشى أن يرفع صوته حتى لا يتعرض للطرد، لاحظ معي دوري في الحلقات الأولى، كانت نبرة صوتي عالية، أقول رأيي بجسارة، والآن أنا مجرد تابع، لاحول له ولا قوة، لم أعلق عندما رأيت الحاج ينهر زوجتي فتحية عن الرقص في فرح ابنته «سنية» من نجل الوزير، لو كنت سيد قراري لاختلف رد الفعل، أنا لست مثله، بينما هو يريد كل من حوله يفكر بطريقته، ليتني رفضت عرضه بالعمل لديه.
بلا شك هو ديكتاتور، يستمع إلى وجهة نظري ثم يليقها مثل الخردة التي يتاجر فيها، وينفذ ما كان يريده منذ البداية، حتى فهيم أفندي المتعلم خضع لسطوة رأيه، وصارت جملة «ماشي كلامك.. نديها يا حاج» قانونًا للوكالة، أما أنا صرت أضحك كلما ضحك، مجرد رد فعل، لقد جنيت على «خضير» بدون قصد، صار الولد امتدادًا لفهيم أفندي، صحيح أنه كافأه بالزواج من «نوفا»، لكن الواقع أن ابني مثلي، موظف صوته منخفض.
نبيل زوج سنية
تحملت كثيرًا تهمة «النذالة» التي لاحقتني منذ العرض الأول للمسلسل لـ22 عامًا، لم يتعاطف أحد مع «نبيل» ابن الوزير الذي طمع في ثروة المليونير العصامي عبدالغفور البرعي، وتزوج من ابنته طمعًا في أموال الأب، إذا سمعتم للقصة من وجهة نظري، ربما تتفهمون أسبابي، سوف أكشف لكم عن الوجه الأخر؛ لرفع الظلم عن نفسي وعائلتي.
هذا زمن «القطط السمان»، والسلطة لم تستطع أن تمنع انصهار الطبقة الجديدة التي تطفو على سطح المجتمع، رجل يعمل في الخردة يمتلك أموالًا طائلة، لكن ينقصه الواجهة الاجتماعية، مصاهرته لوزير سابق سوف تصنع جيلًا جديدًا، يملك السلطة والثروة، لهذا اتخذت القرار بالزواج من «سنية»، ضحيت بنفي من أجل عائلتي التي بدأت تعاني من الانفتاح.
منذ اللحظة الأولى بدأت الحرب الخفية، رأيت في عينيه جملة «أنت طامع في ثروتي»، ولم يتردد في السخرية مني عندما أخبرته بمرتبي في البنك، لم يعجبه الثلاثمائة جنيه، وانا أعلم أنه بدأ بأجر 25 قرش، عن اليوم الواحد.
قاوم رغبتي في الصعود، رغم أنني كنت أفعل مثلما فعل هو، لماذا لم يسمح لي أن أكون «عبدالغفور البرعي» الجديد؟.. أيظن أنني لم أشاهده في الحلقات الأولى وهو يتقرب من الحاج سردينة، كلانا حاول التسلق على أكتاف رجل ثري، ولولا مساعدة سردينة الأكبر، لكان الآن مجرد عامل في وكالة محفوظ، وأنا لم اطلب سوى أن أكون من حاشيته، أنا النسخة المنقحة للمعلم الكبير.
رفض محاولاتي لرفع شأن تلك العائلة، وتمسك بتقاليده البالية، وأذلني بحفل زفاف متواضع، حتى شقة الزواج كتبها باسم الأخ الأكبر لزوجتي، ومن أجل أحلامي تحملت رائحة الثوم والبصل في شقتهم الواسعة، ورضيت بمصاهرة رجل يحجب ثروته عن إسعاد الآخرين.