الكويت أكبر من صفاء الهاشم.. هل تتحدى النائبة موقف الدولة والأمير ومجلس الأمة؟
الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018 12:36 صحازم حسين
«يسرني الإعلان عن توجيه أجهزة الاستثمار في دولة الكويت 4 مليارات دولار للاستثمار في مصر».. بهذه العبارة شديدة الإيجاز والتكثيف والتعبير عن عمق الروابط بين البلدين، تحدّث سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، في مؤتمر الاستثمار الذي استضافته مدينة شرم الشيخ في ربيع العام الماضي، تلا ذلك صدور قرار رئيس الجمهورية، الرئيس عبد الفتاح السيسي، رقم 386 لسنة 2017، باعتبار أمير الكويت مصريًّا له حق تملّك الأراضي، بالاستثناء من القوانين التي تحظر تملك الأجانب للأراضي في مصر.
بين عبارة سمو أمير الكويت، وقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، تبدو مساحة خضراء من الاتصال بين الكويت والقاهرة، ليس فقط في إطار الروابط العربية والمشترك الثقافي والقومي، وإنما في حيّز أخوي يتجاوز فلسفة الجنسية بأُطرها الضيقة، ويفتح بابًا واسعًا تتدفّق منه آيات التآلف والتقارب رغم فواصل الجغرافيا، والمساحة، والتاريخ، والحاضر.. هكذا ترى الدولة الكويتية، مُمثّلة في أميرها، حجم ارتباطها بمصر، وهكذا كانت القاهرة دومًا ترى علاقتها بالكويت.
دولة رشيدة وأصوات نشاز
النظر في ملف العلاقات المصرية الكويتية، لا يحصر هذا الارتباط الودود في دوائر الدبلوماسية أو القيادة السياسية. تبدو الروابط بين الشعبين قوية ومُتماسكة للغاية، منذ استقلال الكويت في العام 1961 ومدّ أواصر الأخوّة بين سمو الشيخ عبد الله سالم الصباح والرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وطوال أكثر من نصف القرن كان المصريون ضيوفًا مُكرمين في الكويت، وشركاء مُحبّين ومُتفانين في بناء نهضتها، ولم تكن مشاعر الأشقاء بعيدة عن هذه النظرة الخالصة من حسابات السياسة والاقتصاد، انتصارًا لروابط الأخوّة ومشاعر الاحتواء المُتبادَلة.
ملايين المصريين زاروا الكويت، وأقاموا على أرضها، وعملوا في منشآتها ومؤسَّساتها، طوال 57 سنة، وحتى قبل الاستقلال.. وخلال هذه العقود لم تزد المُنغصات والمشكلات البسيطة على عدة حوادث فردية يسهل حصرها، ترتبط بتفاصيل الحياة ونزاعات العمل العادية، وربما كانت أقل من نزاعات الأشقاء من أبناء الكويت مع بعضهم. وحتى في هذه الحوادث الفردية كان البلدان قادرَين طوال الوقت على احتوائها باتّزان وحكمة، وكان الإعلام على الجانبين واعيًا ومُقدِّرًا لخصوصية هذه العلاقة، وارتقائها فوق كل العوارض والمشكلات.
هذه الأُلفة بالتأكيد رُبّما لم تكن تُرضي بعض الكارهين للتقارب المصري الكويتي. سواء في عراق صدام حسين قديمًا، أو حتى من المحسوبين على جماعة الإخوان في البلدين، إخوان مصر الذين كانوا يسعون دائمًا للتوسُّع عربيًّا والتقارب مع أنظمة الحكم لتحقيق أغراضهم السياسية، وإخوان الكويت الذين كانوا يتبنّون خطاب الجماعة وتنظيمها الدولي في أحايين كثيرة، ويسعون لأن يكونوا جسرًا للجماعة في هذا البلد المُسالم المُنفتح.. لكن ظلّت كل هذه الأصوات نشازًا وتغريدًا خارج السرب، في ظل غلبة الحكمة من قيادتي البلدين، وشيوع الوعي بين وسائل الإعلام في الجانبين.
الكويت أكبر من صفاء الهاشم
الآن يعيش في الكويت قرابة 475 ألف مصري، من إجمالي 4.5 مليون تقريبًا يعيشون بالبلد الشقيق بحسب تعداد 2017، منهم 1.4 مليون مواطن. بنسبة تتجاوز 10% من مجموع المُقيمين و30% من تعداد الأشقاء الكويتين، ورغم هذا العدد الضخم تسير الأمور بين المصريين وأشقائهم بهدوء ومودّة وتناغم، لا تتجاوز حادثة هنا أو واقعة هناك. تُجيد الإدارتان في البلدين احتواء الأمر دائمًا، ويصون الإعلام جدار الأخوّة صُلبًا ومُتماسكًا. لكن تتردَّد أصوات فرادى بين وقت وآخر، تبدو كنغمة نشاز في معزوفة العلاقات المشتركة، ورسالة ملغومة لا مُبرِّر لها.
من الحوادث العابرة مؤخّرًا تعرُّض مواطنة مصرية لمشكلة قانونية في الكويت. قالت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، السفيرة نبيلة مكرم، تعليقًا عليها: «كرامة المصريين خطّ أحمر، ونثق في القضاء والقانون بالكويت».. يبدو تصريح الوزيرة عاديًّا ومُلتزمًا باللياقة الدبلوماسية والتزاماتنا السياسية تجاه سيادة بلد شقيق، والتزاماتنا الأخوية تجاه الكويت التي تزيد كثيرًا في النظرة المصرية عن رتبة الصداقة والأخوّة، لكن سيدة الأعمال المُحترمة صفاء الهاشم، عضو مجلس الأمة الكويتي، رأت أن تتجاهل إعراب الوزيرة المصرية عن ثقتها في القضاء والقوانين الكويتية، وأن تقتطع تعبير «كرامة المصريين خطّ أحمر» لتصطنع مشكلة لا أساس لها.
صفاء الهاشم
المؤكد لدينا أن الدولة الكويتية، وأميرها وشعبها، يرون جميعًا أن كرامة المصريين خطّ أحمر، تمامًا كما نرى في مصر أن كرامة الكويت والكويتيين خط أحمر. ونعتقد يقينًا أن أول من سيهبّ للذود عن كرامة مصر ومواطنيها هو سموّ الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والحكومة الكويتية، و49 عضوًا في مجلس الأمة الكويتي.. وفي الحقيقة كنا نتمنّى أن نقول (50 عضوًا) لولا أن النائبة المحترمة صفاء الهاشم اختارت أن تخرج على الإجماع الكويتي، وعلى رؤية الدولة الكويتية وأميرها، وتُغرِّد بمفردها في سرب بعيد عن طبيعة علاقات البلدين.
الصادم في كلمة النائبة المُحترمة صفاء الهاشم، التي تداولتها مواقع ومنصات إعلامية عديدة، أنها ذكرت واقعة الطالبة المصرية مريم، التي تعرَّضت لاعتداء تُوفِّيت على أثره في بريطانيا. ورأت (الشقيقة) صفاء الهاشم أن وفاة طالبة مغدورة في اعتداء غاشم أمرٌ يدعو للشماتة والطعن في الدولة المصرية وكرامة مواطنيها، وكُنّا نتصوَّر أن تصدر النائبة المحترمة بيانًا يدافع عن مريم وحقّها، ويقف بجانب الدولة المصرية في صيانتها لكرامة مواطنيها.. كُنّا نتصوَّر أن ما بيننا وبين الكويت - وهو كبير للغاية فعلاً - يُمكن أن يكون واضحًا لدى النائبة صفاء الهاشم، كما هو واضح لدى أغلب زملائها في مجلس الأمة، وكما هو واضح لدى سموّ أمير الكويت وحكومته. لكن النائبة اختارت أن تتجاوز في حق الكويت نفسها، من حيث تخيّلت أنها تسحق المصريين وتدوس على كرامتهم.
الكويت بالتأكيد أكبر من أعدائها، ومن بعض أبنائها الذين قد لا يتحلّون بما تتحلّى به قيادتها من حكمة وبصيرة وسِعة عقل وروح. الكويت أكبر من النائبة المُحترمة صفاء الهاشم، حتى لو كانت هي نفسها لا تعي هذا، ولا تعرف أن إهانة مصر ليست ممّا يُرضي القيادة السياسية في الكويت، وأننا لسنا عدوَّين في حلبة مصارعة، لتُقرِّر ببساطة واجتزاء أن تتجاهل الإيجابي جدًّا في كلام الوزيرة المصرية، وأن تُفسِّر الوطني والإنساني تفسيرًا لم يرد على خاطر أو بال، ولا معنى لهذا الموقف من النائبة المحترمة إلا أنها تشذّ عامدة عن موقف الكويت وقيادتها، وأنها لا تعلم أيضًا حجم بلدها الكبير المُقدّر، والذي يبدو أن مصر ومواطنيها يعرفونه أكثر من عضو مجلس الأمة الكويتي.
رباط الدم لا تقطعه صفاء
حينما خُضنا حربنا الأكبر في العام 1973، كنا نثق في الله أولاً، لكن عيوننا كانت تتطلَّع إلى الأشقاء، وهبّ الجميع في الجزائر وتونس والمغرب والسعودية والإمارات والكويت أيضًا للدعم والنصرة، وقتها كانت النائبة المحترمة صفاء الهاشم في التاسعة من عمرها، وربما لم تعلم أن رباطًا وثيقًا عقدته المواقف الصادقة بين مصر والكويت.
هذا الرباط هو الذي أوجب على مصر أن تردّ التحية بأحسن منها، وتهبّ لنصرة الكويت عندما تعرَّضت لاعتداء غاشم من قوات صدام حسين بين أغسطس 1990 وفبراير 1991، وقتها كانت النائبة المحترمة صفاء الهاشم في السادسة والعشرين من عمرها، ومن المؤكَّد أنها رأت الجنود المصريين يرفعون علمي مصر والكويت، لا لشيء إلا أن مصر وشعبها يرون كرامة الكويت والكويتيين خطًّا أحمر، ويستعدّون مُخلصين لنزف دمائهم صيانة لهذه الكرامة، ومنعًا لتجاوز خطوطها الحمراء، وهذا رباط دم وثيق آخر، ربما لا تستوعبه النائبة المحترمة صفاء الهاشم ولا تفهمه.
السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج
في الوقت الذي تضع الدولة الكويتية مصر فوق مستوى الصديق، وترى القيادة الكويتية العلاقات المشتركة أخوّة كاملة، وتنحاز لمصر والمصريين - وبالمنطق فإن هذا الانحياز يحمل ضمن معانيه العميقة أن القيادة في الكويت ترى كرامة مصر ومواطنيها خطًّا أحمر - يبدو غير مفهومٍ بالمرّة أن يُثير هذا الأمر النائبة المحترمة صفاء الهاشم، دون كل زملائها في مجلس الأمة، ودون موقف الحكومة الكويتية، خاصة أن مصر تُبادل الأشقاء المشاعر نفسها، وترى كرامتهم وكرامة بلدهم خطًّا أحمر، وتُجلّ قوانينهم ونظامهم القضائي العادل.
الحكمة التي يتعامل بها سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في كل الملفّات العربية، واختياره أن يكون صوتًا عاقلاً يبحث عن الوفاق، وهو ما تجلّى بوضوح في وساطته خلال الأزمة بين الرباعي العربي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) مع دولة قطر، على خلفية دعم الأخيرة للإرهاب وتهديدها لأمن الأشقاء، يمكن استجلاؤها بوضوح في مواقف الدولة الكويتية وحكومتها، وفي مواقف مجلس الأمة الكويتي، باستثناء النائبة المحترمة صفاء الهاشم، التي ترى الانتقاص من كرامة الأشقاء عملاً وطنيًّا وبطولة، على غير ما ترى الدولة الكويتية وقيادتها.
في مصر يحتفظ الجميع، قيادة وحكومة وشعبًا، بتقدير بالغ الرقيّ للدولة الكويتية وقيادتها ومواقفها، ويثقون في أن الكويت ترى كرامة كل الأشقاء، وبينهم المصريون، خطًّا أحمر، لهذا ربما لا تكون النائبة المحترمة صفاء الهاشم مُمثّلاً حقيقيًّا للدولة الكويتية وبرلمانها، في كلمتها التي خرجت على الموقف الكويتي الرسمي، وعلى روابط الأخوّة والتاريخ والدم.. والمؤكَّد في كل الأحوال أن الكويت وأميرها وشعبها ومجلس أُمَّتها، أكبر كثيرًا من صفاء الهاشم.