صعوبة الإثبات القانونية.. «قراصنة السوشيال» كلمة السر في ارتكاب الجريمة الإلكترونية
الأربعاء، 14 نوفمبر 2018 06:00 م
الواقع يؤكد أن التكنولوجيا ظهرت في بادئ الأمر لخدمة الإنسان في سبيل نجاحه وتقدمه، ذلك ما أدى بشكل كبير في الوقت الراهن إلى توافد الأشخاص والمؤسسات إلى استخدامها حتي وصل إجمالى الأعداد إلى مئات الملايين بهدف التواصل بين الأفراد وبعضها وكذا التواصل بين الشعوب الأخرى.
بينما للتقنيات الحديثة وجه آخر يغفل عنه الكثيرين حيث ظهر واضح خلال الفترة الماضية في الاستخدام الخاطئ للكثير من الأشخاص، فهناك من يتعامل مع مواقع التواصل الإجتماعى المختلفة أو السوشيال ميديا بصفة خاصة بعشوائية وجهل مطبق ينتج عنه أضرار بالغة الجسامة على الأشخاص والمجتمع على حد سواء حيث يسهل هنا تداول المعلومات الكاذبة اختلاق الشائعات ونشرها ما قد يضر بالأمن القومي.
اقرأ أيضا: أحد أسباب الإرهاب الدولي.. الجريمة الإلكترونية تجمع ما فرقته السياسية العالمية
والكثيرون يستخدمون هذه المواقع في أغراض فى غاية الخطورة على المجتمعات كتهكير الصفحات الشخصية بغرض سرقة البيانات أو المعلومات والتطفل على الآخرين، والنصب علي الآخرين باستخدام حسابات مزيفة وكذلك استخدام صفحات مزيفة لشحصيات عامة ومسئولين للتعليق على مواقف سياسية وقضايا عامة على غير الحقيقة، وكذا ابتزاز الفتيات والتحرش بهن من خلال الرسائل الإلكترونية الأمر الذي استدعي ضابطا قانونيا لهذا الاستخدام العشوائي واللا أخلاقي.
في التقرير التالى «صوت الأمة» رصدت أخطر ما يخص الجريمة الإلكترونية وهو صعوبة الإثبات ومشكلات الإقرار بحجية الوسائل الالكترونية في الإثبات، والأدلة المعلوماتية في المواد الجنائية والاعتراف بها، ومشكلات التفتيش والضبط في الجريمة الالكترونية، ونطاق الإفشاء وصلاحيات الاستشهاد في الجرائم الالكترونية، وموقف المشرع المصرى من جرائم تقنية المعلومات-بحسب الدكتور أحمد الجنزورى، استاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض.
الإثبات في الجرائم الإلكترونية
الجريمة الإلكترونية انتشرت فى الأونة الأخيرة بصورة مخيفة نتيجة التطور الهائل في التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال ومن النادر جداَ أن يترك المجرم الالكتروني أية أثار تُذكر لجريمته كون هذه الأنواع من الجرائم تتم في عالم افتراضي غير مادي، ومن هنا فمن الصعوبة بمكان الوصول إلى اكتشاف مرتكب الجرائم نتيجة عدم وجود الدليل المادي، حيث أنه في الجريمة العادية عادة يترك السارق أو القاتل آثار مادية يمكن أن تستدل بها سلطات التحقيق من أجل إدانة المجرم اما في الجرائم الالكترونية فاكتشاف فالامر في غاية الصعوبة كون المجرم الالكتروني يتمتع بذكاء يتيح له التخلص من اثار جريمة- وفقا لـ «الجنزورى».
اقرأ أيضا: عصابات أصحاب الياقات البيضاء.. الجريمة الإلكترونية من كيفية التنفيذ لـ«طرق المواجهة»
يصادف الإثبات في الجريمة الإلكترونية صعوبة شديدة تتمثل في مدى الاطمئنان لسلامة الوسائل الالكترونية في التعاقد والإثبات، وقد اتفقت الآراء على أنه حتي يمكن قبول تحقيق درجة قبول لوسائل التعاقد والإثبات الالكترونية، فذلك يتطلب توفير برنامج توعية شامل، للمتعاملين ومؤسسات الأعمال والجهات القضائية والقانونية ليس فقط لقبول وسائل التعاقد الإلكتروني ولكن لإيجاد ثقافة عامة تمثل الأساس للتعاطي مع كافة إفرازات عصر المعلومات الآخذة في التطور السريع.
مشكلات الإقرار بحجية الوسائل الالكترونية في الإثبات
«الجنزورى» يرى أن هناك اتجاه عالمي نحو الاعتراف بحجية المراسلات الالكترونية بمختلف أنواعها والاعتراف بحجية الملفات المخزنة ذات المدلول التقني البحت، والإقرار بصحة التوقيع الالكتروني وتساويه في الحجة مع التوقيع الفيزيائي والتخلي شيئا فشيئا عن أية قيود تحد من الإثبات في البيئة التقنية.
الأدلة المعلوماتية في المواد الجنائية والاعتراف بها
مع ازدياد الاعتماد على نظم الكمبيوتر والشبكات في الأعمال أثيرت ولا تزال تثار مشكلة أمن المعلومات وهو ما يعني حماية محتواها، والحماية من هذه الاعتداءات واثبات قدرة النظام على التعامل الآمن مع البيانات يثير مشكلات إجرائية عديدة في معرض تفتيش نظم الحاسوب أو تقديم الدليل في الدعوى الجنائية.
والقاعدة في الدعاوى الجنائية جواز الإثبات بكافة طرق الإثبات القانونية، والقيد على هذه القاعدة أن الدليل يتعين أن يكون من الأدلة التي يقبلها القانون، وبالتالي تظهر أهمية اعتراف القانون بالأدلة ذات الطبيعة الالكترونية، خاصة مع احتمال ظهور أنشطة إجرامية عديدة فأنها ليست ماديات لتقبل بينة في الإثبات، ووسائط تخزينها - غير الورق كمخرجات - لا تحظى من حيث محتواها- بقبولها دليلا ماديا، من هنا كان البحث القانوني في العديد من الدول يتجه إلى الاعتراف بالحجية القانونية لملفات الكمبيوتر ومستخرجاته والرسائل الالكترونية ذات المحتوى المعلوماتي ليس بصورتها الموضوعة ضمن وعاء مادي ولكن بطبيعتها الالكترونية المحضة-الكلام لـ«الجنزورى».
والمشكلة تكمن في القواعد المخزنة، في صفحات الفضاء الالكتروني، في الوثيقة الالكترونية إذ ما تحتويه من بيانات قد يكون الدليل على حصول تحريف أو دخول غير مصرح به أو تلاعب فكيف يقبلها القضاء وهي ليست دليلا ماديا يضاف إلى الملف كالمستند الخطي أو أقوال الشاهد أو تقرير الخبراء، ولتجاوز هذه المشكلة يلجا القضاء إلى انتداب الخبراء لإجراء عمليات الكشف والتثبت من محتوى الوثائق الإلكترونية ومن ثم تقديم التقرير الذي يعد هو البينة والدليل وليس الوثائق الالكترونية، لكنه مسلك تأباه بعض النظم القانونية عوضا عن معارضته لأسس وأغراض إجراء الخبرة وطبيعتها كبينة تخضع للمناقشة والاعتراض والرفض والقبول- هكذا يقول «الجنزورى».
مشكلات التفتيش والضبط في الجريمة الالكترونية
أن تفتيش مسرح الجريمة وما يتصل به من أماكن وضبط المحرزات ذات العلاقة بالجرم أمور تنظمها القوانين، ويثور التساؤل حول مدى انطباق القواعد القائمة على حالة تفتيش نظم الكمبيوتر وقواعد البيانات كما يري الخبراء أن الخطأ في تفتيش وضبط الدليل قد يؤدي إلى فوات فرصة كشف الجريمة أو فوات فرصة الإدانة.
يذكر أن تفتيش نظم الحواسيب هو في ذاته تفتيش للفضاء الافتراضي وأوعية التخزين، وهو تفتيش للإجراءات التي يحفظها الجهاز أن كان مزودا بحافظات الكترونية للعمليات المنجزة من خلاله ، وهو أمر يتعلق بالقدرة على تحديد المطلوب مسبقا لان التعامل وفق ذلك قد يكون له عواقب قانونية أهمها بطلان الإجراءات لأنها خارج نطاق أمر التفتيش والضبط أو قد تنطوي الإجراءات على كشف خصوصية البيانات المخزنة في النظام.
اقرأ أيضا: لماذا تنتشر القرصنة الإلكترونية؟..الجريمة السيبرانية بين الواقع وغياب التشريعات
مراعاة الخصوصية وضمانات المجرم الإلكتروني
ويُضيف «الجنزورى»- تمثل مراعاة حقوق المجرم الالكتروني عقبه في سبيل اكتشاف الجريمة فالبيانات المخزنة داخل النظم ليس جميعا تتصل بجريمة الاعتداء على النظام فمنها بيانات خاصة وأخرى ذات قيمة لصاحبها لهذا اهتم خبراء القانون بمخاطر الاعتداء على الخصوصية أو الحياة الخاصة في معرض الكشف عن الدليل أو في معرض الإقرار باستخدام دليل ذي طبيعة الكترونية وقد يكون ثمة صعوبة في حماية الخصوصية ويكون ثمة احتمالات اكبر لإهدار الأدلة غير القانونية ونشوء نزاعات في هذا المجال.
ففي النظم القانونية المقارنة وفي الوقت الذي تحركت فيه نحو حماية المعلومات وإقرار حجية الأدلة ذات الطبيعة التقنية اتجهت أيضا من زاوية أخرى لإقرار ضمانات دستورية للمجرم الإلكتروني وضمانات إجرائية لكفالة سلامة إجراءات الملاحقة الجزائية في الدعاوى المتصلة بالمعلومات ونظم الكمبيوتر، أبرزها الحق بالخبرة المقابلة للخبرة التي تجري بمعرفة الادعاء العام والحق بعدم إجراء أية عمليات ضبط وتفتيش على نظم الكمبيوتر دون حضور المعني أو من يمثله قانونا .
نطاق الإفشاء وصلاحيات الاستشهاد في الجرائم الالكترونية
هناك أهمية كبيرة فيما يتعلق بالإفشاء بالمعلومات أو الجائز للشاهد في الجريمة الالكترونية - فالشاهد يشهد فيما شهد بذاته أو قال أو علم، لكن الأمر في الجرائم الالكترونية مختلف، إذ ثمة نظام معين للمنشأة وثمة أعمال لا تتصل بالشاهد بذاته بل ربما لا تتصل بشخص طبيعي وقد تكون متصلة بنظام الكتروني أو نحوه، كما أن الشاهد يعلم الكثير وجزء مما يعلم واقع ضمن إطار الخصوصية والسرية-وفقا لـ«الجنزورى».
ومن هنا فالتنظيم القانوني للقواعد الإجرائية والإثبات في الدعاوى المعتمدة على أدلة الكترونية أو تتصل بعوالم التقنية والالكترونيات يري خبراء القانون إعادة توصيفها قانونا بل وتنظيمها بشكل لا يضع الشاهد موضع المساءلة ولا يحرم القضاء فرصة الإفادة من شهادة الشاهد في أن الحقيقة التي تتوقف في أحيان كثيرة على ما يعلمه الشاهد بالخبرة النظرية لا ما يعلمه بالواقع من حقائق رآها أو سمعها أو نقلت له.
موقف المشرع المصرى من جرائم تقنية المعلومات
مجلس النواب المصرى فى اغضون 5 يونيو 2018 أقر مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات و الجرائمالإلكترونية، حيث تضمن مشروع القانون 45 مادة، تناولت كل ما يتعلق بالبيانات والمعلومات، والمعالجة الإلكترونية، وتقنية المعلومات، ومقدم الخدمة، والبرنامج المعلوماتي، والمحتوى، بيانات المرور، والدعامة الإلكترونية.
اقرأ أيضا: أسباب إنتشار الجريمة المعلوماتية.. أنواع المجرم الإلكتروني من المتخصص لـ«المحترف»
القانون تضمن حزمة من التزامات وواجبات مقدم الخدمة ومنها المحافظة على سرية البيانات التي تم حفظها وتخزينها، وعدم إفشائها أو الإفصاح عنها بغير أمر مسبب من إحدى الجهات القضائية المختصة، أو أية بيانات أو معلومات متعلقة بالمواقع والحسابات الخاصة التي يدخل عليها المستخدمون أو أشخاص والجهات، وتأمين البيانات والمعلومات بما يحافظ على سريتها وعدم اختراقها أو تلفها.
وشمل القانون التزامات مهمة منها مراعاة حرمة الحياة الخاصة، وأن يلتزم مقدمو خدمات تقنية المعلومات ووكلاؤهم وموزعوهم التابعون لهم المنوط بهم تسويق تلك الخدمات بالحصول على بيانات المستخدمين.
وتضمن القانون الإجراءات والقرارات الصادرة بشأن طلبات حجب المواقع، حيث نص على أن لجهة التحقيق المختصة متى توافرت لديها أدلة على قيام موقع يبث من داخل الدولة أو خارجها بوضع أية عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أية مواد دعائية أو ما في حكمها، تعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وتشكل تهديدا للأمن القومي أو تعرض أمن البلاد، أو اقتصادها القومي للخطر أن تأمر بحجب الموقع أو المواقع محل البث.
وحدد مشروع القانون الجرائم المرتبكة والعقوبات الموقعة، حيث نص فيما يتعلق بجريمة الانتفاع بدون حق بخدمات الاتصالات والمعلومات وتقنيتها، على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف.
وتضمن القانون عقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 30 ألف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من دخل على موقع أو حساب خاص أو نظام معلوماتي، مستخدماً حقاً مخولاً له فتعدى حدود هذا الحق من حيث الزمان أو مستوى الدخول.
وعاقب مشروع القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتي، أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير، لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه.
جرائم الإحتيال الإلكتروني
وبالنسبة لجرائم الاحتيال والاعتداء على بطاقات البنوك والخدمات وأدوات الدفع الإلكتروني، نص مشروع القانون على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر والغرامة التي لا تقل عن 30 ألف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات في الوصول بدون وجه حق إلى أرقام أو بيانات بطاقات البنوك والخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الإلكترونية.
ونص القانون على أن المتهم إذا قصد استخدام جريمته في الحصول على أموال الغير أو ما تتيحه من خدمات يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا توصل من ذلك إلى الاستيلاء لنفسه أو لغيره على تلك الخدمات أو مال الغير.
اقرأ أيضا: فى 4 عناصر.. الجريمة الإلكترونية من مجال الانتشار لـ"أدلة الإثبات"
وتضمنت العقوبات أيضا الجرائم المتعلقة باصطناع المواقع والحسابات الخاصة والبريد الالكتروني ونسبه زورا إلى شخص طبيعي أو اعتباري، والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع سواء بإرسال العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين بكثافة دون موافقته أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته.
واشتملت الجرائم المنصوص عليها في القانون أيضا القيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة.
فمشاكل إثبات الجرائم الالكترونية أنها لا تترك أثر وان تركت فأنه يصعب الاحتفاظ بالآثر لاعتمادها على التقنيات العالية حيث يصعب الاستدلال فيها و مع صعوبة إثباتها، إلا أن ما يزيد الوضع سوءا هو الاحجام على الابلاغ و نقص الخبرة وهو الأمر الذي يحتم محاولة تلافي ذلك لمكافحة الجريمة الالكترونية عالميا.