هل تدمر طفلك وأنت لا تدرى؟
الجمعة، 09 نوفمبر 2018 10:17 ص
أتأمل أطفال هذا الجيل، و أعود بالذاكرة حين كنت فى مثل سنهم ( منذ بضع سنوات فقط) ، لأجد فارقاً شاسعاُ فى كل شئ ، فى طريقة تفكيرهم ، فى ردود أفعالهم ... حتى فى نظرتهم للأكبر.ثم أنظر حولى لأحاول فهم هذا التباين الرهيب بين الأجيال ، فأتساءل ما الذى تغير؟ فأجد أن كل شئ ..كل شئ من حولنا قد تغير.
من منا لا يتذكر عندما كنا ننتظر برنامج الأطفال الأوحد على الشاشة و الرائعة ماما نجوى..فى حين أن الخيارات الموجودة حالياً تشتت الأطفال من وفرتها.
من لا يتذكر الأتارى..و الكمبيوتر الصخر أو السنكلير ، كنا نحتاج لنصف نهار لتحميل لعبة ..فى حين يحمل الأطفال الآن ألعاب على الهواتف المحمولة فى ثوان.
عالمهم إذن غير عالمنا، يجب أن نقر بذلك ، و من ثم، هل علينا أن نتبع معهم نفس طرق التربية التى اتبعت معنا أم يجب أن تكون مختلفة عما تربينا عليه؟
ذهبنا لنسأل أهل العلم ، فكان هذا الحوار مع الدكتورة سارة الشقنقيرى ، أخصائى الطب النفسي ، و رئيس قسم الطب النفسي بمركز ريفايف الطبى.
يهتم مجتمعنا بالصحة الجسدية للآطفال ، فيهتمون بجدول التطعيمات و الأغذية الصحية...ماذا عن الصحة النفسية للأطفال؟ أين نحن منها و ما هى أهميتها؟
للأسف ، ينصب اهتمام معظم أولياء الأمور على التفوق الدراسي لآبناءهم ، أو الدفع بهم فى البطولات الرياضية بصورة مبالغ فيها أحياناً..فى حين أننا إن اهتممنا بالصحة النفسية لأبناءنا ، سيصبحون حتماً سعداء.
فالطفل الصحيح نفسياً ، هو طفل راضى و متقبل لنفسه. .هو طفل قادر على تحقيق أحسن ما عنده، فى ظل إيماننا باختلاف قدرات و طموحات كل طفل عن الآخر،و هذا ما يجب أن يعيه الطفل حتى يرضى إلا أن هذا لا يحدث فى الأغلب مع الأسف.
فأشهر مقولة نسمعها من الآباء ( لازم تجيب النمرة النهائية عشان أحبك) هى فى الواقع عبارة يفهم منها الطفل أنه غير مقبول إلا بشروط ، فى حين أن أهم حقوق الطفل علينا هو منحه حباً غير مشروط.
و لما كانت لعبارات دارجة فى قاموس كل بيت ، أثر نفسي على الأطفال، كان لزاماً علينا معرفة الأثار النفسية لأشهر تلك العبارات من د.سارة.
أ- انت راجل.. متعيطش
يجب أن يعرف كل إنسان سواء ذكر أو أنثى كيف يشعر بجميع المشاعر من سعادة و حزن و غضب و غيره، و لا يكبت تلك المشاعر.
يجب أن نعلم أولادنا أن من حقهم أن يشعروا بكل أنواع المشاعر، فإذا حرمنا الطفل حقه فى الحزن،فنحن بذلك لا نقضى على الحزن بداخله و إنما نحول مساره إلى مشاعر أخرى كالغضب مثلاً، فيصبح بالتالى الطفل عدوانياً.
فلنحمى أبناءنا من تشوه المشاعر و نعلمهم أنه ليس من مقومات الرجولة أن يصبح إنساناً لا يشعر.فالرجل من الممكن أن يكون حساساً ومن الطبيعى أن يبكى.
ب- اللى يضربك اضربه
هنا ، أنا أعلم الطفل طريقة تفكير غير صحية، تربى شخصاً اعتمادياً فى قراراته على الأم و الأب.
هنا ،أنا لا أدع الطفل يتعلم المسئولية عن قراراته و عن ردود الأفعال الناتجة عن تلك القرارات سواء اتفقنا معها أم لا..
فلندع الطفل يقترح هو الحل، و نفهمه نتائج كل اختيار..و فى النهاية نفهمه أنه وحده صاحب القرار لأنه سيتحمل تبعاته.
فقد يضرب من ضربه دون أن يفكر أن من يضربه يفوقه قوة بأضعاف فيصاب بعاهة...أو يكون الطفل خجولا فلا يستطيع ضرب من يضربه فيشعر بالضعف و المهانة.فى حين من الممكن للطفل الذى تدرب على اتخاذ القرارات، أن يفكر فى حلول أخرى تبعاً للظروف المحيطة..فلا يستخدم نفس الحل فى كل مرة ربما.
ج- انت اتخبط من الترابيزة؟ الترابيزة وحشة
هكذا نعلم الطفل أنه غير مسئول عن أى شئ سئ يحدث له، فيعيش بعقلية الضحية. يجب فى هذه الحالة أن نحتويه دون أن نلقى باللوم عليه أو على أي شخص أو شئ آخر،بل نشعره بأننا نتفهم مشاعره (أنه موجوع) على الفور، ثم لاحقاً نفهمه أنه قادر على تغيير النتائج بتغيير طريقة التفكير. فنشجعه على التفكير الإيجابى الذى يتضمن التفكير فى تجنب الأخطاء السابقة، و لكن مجدداً دون توجيه أصابع الإتهام.
فاللوم على الطفل يؤثر بالسلب على ثقة الطفل بنفسه و اللوم على الآخرين يجعله غير مسئول.ففى النهاية، الأخطاء تحدث حتى نتعلم منها.
د- يلا المدرسة..يلا ذاكر..يلا التمرين....ما تأثير الوتيرة السريعة للحياة اليومية على الأطفال؟
من الرائع أن يتعلم الطفل كيف ينظم وقته، ليقوم بأكثر من نشاط ،و من الصحى أن ينضم لأحد الرياضات، و لكن بالمعقول..فبعض الأهالى يصبحون تنافسيين للغاية و يضغطون على نفسية الأطفال مما يدفعهم إلى كراهية الرياضة و الابتعاد عنها عند أول فرصة. فالنشاطات المطلوبة من الطفل لا يجب أن تسلبه حقاً آخر من الحقوق المهمة له مثل حقه فى اللعب، و حقه فى أن ينال قسطاً من الراحة ..
وحقه فى قضاء وقت ممتع مع والديه ليتعلم منهم الخبرات الحياتية ، و حقه فى حياة اجتماعية بها العديد من الأصدقاء. التوازن إذن هو الحل.
هـ- انت لازم تسمع كلامى من غير مناقشة
هذه المقولة هى السبب فى فى الكثير من المشاكل التى يعانى منها الأطفال فى الكبر، فالرسالة التى يفهمها الطفل كالتالى : (أنا مش هأشغل مخى ، ولا آخد قراراتى و لا هاشيل مسؤلية)
فأنا هنا أعود الطفل أن يكون تابعاً طول حياته..أعلمه أن يعطى مسئولية قراره لشخص آخر غيره.فيكون تفكيره تابعاً لأهله فى الصغر، ثم لأصدقائه فى سن المراهقة ، و يكون صيداً سهلاً للجماعات المتطرفة و الإرهابية.
يجب أن نربى الطفل على أن يفهم ماذا عليه أن يفعل و لماذا..يجب أن يعرف أن من حقه أن يسأل ، و من حقه علينا أن نحترم عقليته...و من هنا يتعلم فن الحوار.
و- بس..هس..ما تتكلمش ..عيب
لازم نسمع لأولادنا، و نستمع جيداً لما يقولون و نحترم كلامهم.فكم من قصص إعتداءات و تنمر تم السكوت عنها ليتربى الطفل الضحية ، على مشاعر العار..فيؤمر أن يسكت..ألا يتكلم ،و كأن شيئاً لم يكن، ولكن فى الواقع، حدث الكثير من الدمار لنفسية هذا الطفل فى حين كان يجب تشجيعه على حرية التعبير ومن ثم حصوله على الدعم و المساندة المطلوبة من الأهل فى مثل تلك الحالات... و لكننا بإسكاته ، نحرمه من أهم شعور ندين به لأطفالنا ..الشعور بالأمان.
فى الختام نتوجه بالشكر للدكتورة سارة الشقنقيرى على تلك المعلومات التى تهمنا جميعاً بكل تأكيد ، و كان هذا هو رأى العلم أما رأى الدين ، فيقول سيدنا على بن أبى طالب "لا تحملوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمن غير زمنكم" .
أما عن الخطوات الصحيحة للتنشئة النفسية السليمة، فسنتعرف عليها فى المقال القادم بإذن الله.