زمن أحمد مراد.. لماذا هزمت الرواية الكتب العلمية عند جيل التسعينيات؟

ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية، ظاهرة إقبال الشباب وخاصة الفتيات على قراءة الروايات الجديدة التي يكتبها مجموعة من الكتاب الشباب، الذين شكلوا قاعدة ثقافية لهذا الجيل بعد نفوره من الكتب الفكرية والسياسية والفلسفية والتاريخية، وهذا ما أكدته تصريحات مسئولي دور النشر، واستطلاعات الرأي عبر الفيس بوك،  والبحث في المواقع الإلكترونية، ولكن تبقى مجموعة من الأسئلة لتفسير هذه الظاهرة وبيان أسبابها منها، ما هو سبب العزوف عن الكتب العلمية والفكرية في مقابل الإقبال الشديد على هذه الروايات الجديدة؟، وهل سحبت الرواية اهتمام الشباب من صنوف الإبداع الأخرى، وهل يمكننا أن نأخذ قراءة هؤلاء الشباب لهذه الروايات الجديدة معيارًا كي نحكم عليهم بأنهم مثقفون.

من الأسباب التي أدت إلى تزايد الإقبال على الرواية بشكل يفوق الكتاب الفراغ العاطفي الذي يعاني منه الشباب، واستعدادهم للهروب إلى عوالم أكثر متعة وتشويق، كثير من هؤلاء الشباب تمنى أن يجدوا أنفسهم محل الأبطال الذين يتابعونهم في هذه الروايات،  فضلاً عن أن الرواية أيسر وأسهل في القراءة مما يحقق عند الشباب ميزة ادعاء التقف والقراءة.

 عدد كبير من هذه الروايات تتحدث عن الأفكار والمشاعر والتجارب البشرية والمنطق والتسامح والتسامي؛ لإعطاء العبرة والنصيحة، وهذا ما لا يتم نقله عن طريق الكتب العلمية وإن تم فلا يتم بنفس طريقة عرض وشرح الرواية والتي تتميز ببساطة لغة الحوار للمتلقي، وفي ظل اهتمام الشباب في جيل التسعينيات بالرواية بزغ نجم عدد من الكتاب الشباب، ولعل أشهرهم أحمد مراد، حتى أن بعض المثقفين سخروا من ذلك الأمر بتسمية هذه الفترة بـ«زمن أحمد مراد». 

وعند الحديث عن اهتمام الشباب بالرواية في مقابل عزوفهم عن صنوف الإبداع الأخرى يجب أن نفرق بين صنفين من شباب القراء. الأول: قارئ بطبعه، ومحب للقراءة سواء أكانت في الكتب أو في الروايات عمومًا؛ رغبة منه في اكتشاف أغوار ما يقرأ، وتنمية لمداركه الثقافية والمعرفية، والإلمام بالكثير من المعلومات؛ لتوسيع أطر الفهم لديه، والثاني قارئ للروايات الجديدة بشغف كبير وكأنه متخصص في هذا المجال، وقلما تجده يقرأ كتابًا؛ لاعتقاده بأنه مملاً ومعطلاً بالنسبة له، أو زعمه بوجود عامل مادي حال بينه وبين اقتناء هذه الكتب مع العلم بأن العامل المادي ليس بالسبب الحقيقي – كما يظن البعض – للبعد عن قراءة الكتب؛ فهناك عددًا من الحلول كالاشتراك في المكتبات العامة، وفى حالة كثرة الانشغال بالأمور الحياتية من الممكن البحث عن الكتب المستعملة في المحلات المخصصة لذلك والتي تكون أقل ثمنًا من الكتب الجديدة، أو الذهاب إلى معارض الكتب، أو تحميل الكتب من الانترنت.

وعندما نقف أمام كلمة مثقف كي نطلقها على قارئ الروايات الجديدة يجب أن نضع نصب أعيننا ما تحمله هذه الكلمة من مضامين متنوعة كي تكون مقياسًا لنعت شخصًا ما بها، أهمها أن يكون محيطًا وواعيًا لما يجرى حوله، ومحبًا للعلم والمعرفة، وهذا يتعارض مع قارئ لا يقرأ إلا الروايات الجديدة، ويريد أن يعرف كل شىء منها، دون النظر إلى أي كتاب آخر، غافلاً  لأدب كتابنا العظماء أمثال نجيب محفوظ، وطه حسين، وعباس العقاد، وتوفيق الحكيم، وجمال الغيطاني وغيرهم، فأصبح محصور الفكر والثقافة في إطار ما قرأه، وليس معنى ذلك أن قراءة الروايات الجديدة أمر ليس منه أي فائدة على الإطلاق، بل على العكس فمن الممكن أن تكون جسرًا لقراء الكتب بشكل عام.