مقبرة السيارات.. كنز الدولة المفقود
الإثنين، 29 أكتوبر 2018 09:00 م على الديب - نقلاً عن العدد الأسبوعى
- من المسئول عن «دفن آلاف منها» بمليارات الجنيهات تحت التراب؟!
«إهدار المال العام».. تهمة التصقت بالفاسدين، ومن سنحت لهم الفرص لإضاعة أموال الدولة دون الاستفادة منها فى مشروعات وخدمات عامة للمواطنين، إلا أن الاتهام هذه المرة لم يكن لأشخاص، ولكنه لظروف الأهمال لكيفية الاستفادة من «كنز الدولة المدفون»، وهو لسان حال آلاف السيارات التى «دُفنت» بفعل الرمال والأتربة المتراكمة عليها متروكة بمخازن وتجمعات إدارات المرور المختلفة بالجمهورية، بعدما حالت الظروف والاتهامات بينها وبين ماليكها، لتؤول فى النهاية إلى عوامل المناخ لتنال منها، ولا تتركها إلا «خُردة» لا تصلح حتى أن تكون هيكل سيارة.
على بُعد عدة كيلو مترات من مدخل مدينة السادس من أكتوبر، فى الكيلو ١٠ ونص بطريق مصر إسكندرية الصحراوى، تقع واحدة من المناطق التابعة للإدارة العامة للمرور، والتى يتم استخدامها لحجز السيارات والدراجات البخارية التى تم ضبطها فى حملات مخالفة، أو وقائع جرائم، أو حوادث طرقات، حتى أصبح المكان يُعرف بين الجميع بـ«مقبرة السيارات»؛ بعدما باتت حالة السيارات والدراجات المركونة فيها أشبه بالجثث التى فعلت بها الأتربة الأفاعيل لشهور وأعوام دون أن تمسسها يد.
مزادات علنية
يقول مأمور قسم شرطة الدقى، إن السيارات والدراجات البخارية التى يتم التحفظ عليها وتجميعها، بعضها يتمكن أصحابها من استعادتها مرةً أخرى، وذلك بعد إجراء مخالصة للسيارة بقرار من النيابة العامة، حيث يتم الإفراج عن السيارة بعد تقديم ما يفيد بملكيتها لصاحبها.
وأشار المأمور، إلى أنه إذا ما لم يتم تسليم تلك السيارات أو الدراجات البخارية خلال فترة زمنية معينة، تقوم لجنة من قطاع الإمداد والتموين بوزارة الداخلية بتشكيل لجنة لفحص تلك السيارات، ويتم عمل مزاد علنى لبيعها،على أن يتم وضع أموال المزاد فى مشاريع تنموية تخدم المواطنين.
من جانبه، يرى اللواء يسرى الروبى، خبير المرور الدولى والإنقاذ والتدخل السريع فى الحوادث بمنطقة الشرق الأوسط، أن أغلب السيارات التى تتم مصادرتها تم رفعها من على الطرق بعد تعرضها لحوادث سير، فضلًا عن أن هناك عددا كبيرا منها يُصادر لوجود نزاع قانونى عليها.
وشدد الروبى، على أن وضع السيارات بتلك الصورة فى الصحراء سببه الرئيسى عدم وجود «جراج» يتسع لتلك الأعداد، منوهًا بأن تكلفة بناء الجراج تكون أغلى من تكلفة تلك السيارات المتهالكة.
خسارة بالمليارات
بمرور الوقت تتحول السيارات التى تتم مصادرتها إلى قطعة «خردة»؛ بعدما تقضى أشعة الشمس والأتربة عليها، فيما يتكفل اللصوص بسرقة أغلب محتوياتها، والخاسر فى النهاية هى الدولة، والتى رغم تحصيل ملايين الجنيهات من بيع تلك السيارات بالمزادات العلنية، إلا أن المحصلة النهائية تشير إلى خسائر بمليارات الجنيهات، مقارنةً بالأسعار الفعلية لتلك السيارات قبل «تكهينها».
رحلة الخردة
بعض السيارات بالطبع قد تعود لمالكيها، إذا ما توافرت المستندات الخاصة بملكيتها، حيث تقرر النيابة العامة تسليم السيارة لصاحبها، لكن التسليم يتم بصورة أشبه برحلة شاقة ومليئة بالعذاب للمالك، والذى يذهب إلى مكان تجمع السيارات، بحثًا عن سيارته، والتى قد تكون تعرضت للسرقة أو تم ضبط سيارته بسبب تعاطى المواد المُخدرة، أو غيرها، حيث يتم وضع تلك السيارات بجراج تابع لهيئة النظافة.
صاحب السيارة يبدأ رحلة البحث عن سيارته أو دراجته البخارية وسط آلاف من السيارات والمركبات، لكن الصدمة الأولى تكون منظر مركبته التى يبحث عنها، والتى فى الغالب تكون أشبه بالخُردة بفعل عوامل المناخ، لكن الصدمات لا تنتهى؛ فبمجرد أن يجد المواطن سيارته يبدأ رحلة جديدة بحثًا عن مفتاحها، والذى يكون موضوعًا فى حافظة تضم آلاف المفاتيح لسيارات ودراجات تراصت بجوار بعضها البعض، ورغم أن بعضها يُعد من أغلى السيارات، فإن المُحصلة النهائية تكون «خُردة» بهتت ألوانها وتشابهت مع لون التراب الذى يُغطيها.
وكشف مصدر بالإدارة العامة للمرور، أن صاحب السيارة بعدما يجدها يكون مطالبًا بدفع الرسوم الخاصة بـ«الأرضية»، وهى لائحة داخلية بالهيئة العامة للنظافة، تنص على أن يقوم المواطن سواء مجنى عليه أو جانى بسداد رسوم مقابل الحراسة والحفاظ على السيارة.
وأشار المصدر، والذى طلب عدم نشر اسمه لـ«صوت الأمة»، إلى أن ضوابط لائحة الرسوم مخالفة تمامًا للواقع، فلا محتويات السيارة تتم حراستها، ولا تلقى أية مظاهر للحفاظ عليها من التلف، موضحًا أنه يتم حساب قيمة «الأرضية» بناءً على عدد الأشهر التى تم إيداع السيارة خلالها، حيث يتم حساب أول 3 أشهر بـ 150 جنيها للشهر الواحد، ثم 3 أشهر بـ 100 جنيه للشهر، و3 أشهر بـ 75 جنيهاً للشهر، وباقى المدة يتم خلالها احتساب الشهر الواحد بـ 50 جنيهًا، على أن تُضاف إلى ذلك 13 % ضريبة و13 % قيمة مضافة.
نص قانونى
ويرى الدكتور أحمد مهران، المحامى بالنقض، أن تبديد المضبوطات أيًا كان نوعها يُعد بمثابة إهدار للمال العام، لافتًا إلى عدم وجود نص قانونى يمكن من خلاله محاسبة المسئولين المتسببين فى تبديد المضبوطات.
وطالب مهران، بضرورة إصدار تشريع ينص على تسليم تلك المضبوطات على سبيل الأمانة، بحيث يحظر بيعها أو التصرف فيها لحين إصدار حكم قضائى بشأنها إما بمصادرتها لصالح الدولة أو تسليمها للمواطن، وهو ما يضمن الحفاظ عليها من التهالك.