20 عاما في حرم «الصحة النفسية».. هكذا أنقذت التضامن الاجتماعي «مشرد المقابر» (صور)
الإثنين، 29 أكتوبر 2018 02:00 م
هائم على وجهه، ينتقل من مكان لأخر، يبحث عن لقمة عيش بين القمامة، يجوب الطرقات دون وجهة، تتسخ وتتمزق ملابسه يوما بعد آخر، ويتمكن منه المرض والخوف والقلق، يحنو عليه بعض الأهالي، بينما يقسو عليه آخرون، يعتقد فيه البعض الجنون، وتدور في مخيلته أسرار وحكايات لاتنتهي، ولايعلمها سواه.
«عم محمد» انتهى به الحال بين الأموات، قضى آخر 20 عاما في كشك خشبي صغير اتخذه مسكنا له يحميه من برد الشتاء، ولهيب الصيف، في الجهة المقابلة لمقابر العزبة القبلية بشارع الورش، بمنطقة حلوان، يقتات على قمامة الأهالي، ويقضي وقته بين الهوام، أصبح شاهدا على ماتحويه باطن أرض تلك البقعة من أموات فطالما كان شاهدا على اللحظات الأخيرة للموتى قبل أن يهبط بهم ذووهم إلى مقابرهم، ينام ويستيقظ على صراخات وعويل أهاليهم، ويداعب الموت آماله للخلاص من تلك الحياة التي يحياها.
الكارثة أن الرجل مشرد، يحيا كالأموات، في معاناة يومية، على بعد خطوات من أبواب مستشفى الصحة النفسية بحلوان، وعلى مرأى ومسمع من مسئوليها، يراه أطباؤها وفريق تمريضها، وقياداتها يوميا، حتى أنه أصبح من «علامات المكان»، وبدأ الأهالي في مساعدته وتوفير احتياجاته، وملائكة الرحمة في «خبر كان»، لم يطرأ على ذهن أيا منهم حتى محاولة مساعدته.
هذا الصرح الذي يضم بين أرجائه العديد من المرضى النفسيين، ويقدم العلاج اللازم لهم محاولا إعادتهم مرة أخرى إلى الحياة الطبيعية، ضاق بهم الحال عن مساعدة «مشرد المقابر»، وتركوه وحيدا يعاني الهلاوس والأمراض، دون أن يرق قلب أحدهم إليه، في مشهد غير إنساني استمر عرضة طيلة عشرين عاما الماضية.
جال بخاطر أحد المواطنين أن يخلص «عم محمد» من عذابه، وإبلاغ فريق التدخل السريع بوزارة التضامن الاجتماعي لمساعدته، ونقله إلى مكان آدمي، وبالفعل تلقى الفريق عبر الرقم المُعلن على بوابة الشكاوى الحكومية (١٦٥٢٨)، بلاغا بتواجد رجل مشرد بلا مأوى يبلغ من العمر 55 عاما، مريض، ويعيش بالمنطقة، وهو الأمر الذي توجه معه أعضاء الفريق إلى حيث مكان البلاغ وبالفعل عثروا عليه.
وبفحصه تبين أن اسمه «محمد. ش»، لايحمل أي أوراق تثبت شخصية، ضعيف البنية وقليل الحركة ويتواجد أمام المقابر بحلوان، وهو متواجد في هذا المكان منذ حوالى عشرين عاما، يرعاه أهالي المنطقة طوال هذه الفترة، ونجح أعضاء الفريق في إقناعه بالانتقال والإقامة وتوفير حياة جديدة بعيدًا عن الشارع وعليه تم إيداعه دار «عقيلة السماع» بحلوان.