غزاة وإخوان في أحضان المحليات.. متى تستيقظ الوزارة لاستعادة شوارع مصر من المجرمين؟
الأحد، 21 أكتوبر 2018 07:00 م
دولاب ضخم وثقيل الحركة، يسير كسلحفاة بطيئة للغاية، هذا حال وزارة التنمية المحلية التي تُدير مُجتمعًا ضخمًا جدًّا من العمالة والإدارات المُتخمة بالكسل والترهُّل، وربما بقدر من الفساد وسوء الإدارة. والمؤكد أن أي وزير يتولّى هذه الحقيبة يحمل عبئًا كبيرًا ومسؤولية مُرهِقة، لكن هذا العبء لا يمكن أبدًا أن يكون مُبرّرًا لاستمرار استباحة شوارع مصر وتوظيفها في الاحتفاء بالمجرمين والإرهابيين.
المقطوع به أن أسماء شوارع مصر وميادينها مسؤولية كاملة لوزارة التنمية المحلية والإدارات التابعة لها. ومن غير المنطقي أن الدولة التي تُحارب الإرهاب، وينصّ قانونها على اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، تحمل شوارعها في الوقت نفسه أسماء قيادات هذه الجماعة، بجانب قائمة طويلة من الشخصيات الجدليّة والمُتورِّطة في جرائم مباشرة بحقّ هذا البلد وتاريخه ومواطنيه.
اللواء محمود شعراوي وزير التنمية المحلية
حسن البنا وسيد قطب
قبل أسبوعين تقريبًا فجّر "صوت الأمة" الكارثة، وفتح ملف الشوارع التي تحمل أسماء قيادات جماعة الإخوان ورموز الإرهاب في أنحاء مصر، وما زالت الوقائع تتداعى والحالات تتابع.
بدأ الأمر باكتشاف شارعين في مدينة دمنهور يحملان اسمي حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، وسيد قطب أبرز مُنظّري الجماعة ودُعاة التطرف والإرهاب. الغريب في الأمر بحسب ما توصّلنا له أن المحافظ الأسبق اللواء مصطفى هدهود كان قد أصدر قرارًا بتغيير اسمي الشارعين في أكتوبر 2014، لكنه لم يدخل حيّز التنفيذ فعليًّا حتى إثارتنا للموضوع.
عقب فتح الملف تواصل معنا محافظ البحيرة الحالي، اللواء هشام آمنة، مشيرًا إلى قرار "هدهود" الصادر برقم 1403 لسنة 2014، ومؤكّدًا أنه وجّه مدير إدارة الأحوال المدنية ببدء تعديل اسمي الشارعين في بطاقات الرقم القومي وأوراق المواطنين، لكن الردّ لم يتضمّن إشارة إلى مخاطبة البنوك والجهات الرسمية والأهلية الكائنة في الشارعين لتغيير اسمي حسن البنا وسيد قطب، ووضع الاسمين الجديدين، وحتى الآن ما زال الشارعان يحملان الاسمين نفسيهما على موقعي بنك أبو ظبي الإسلامي وأحد أبرز البنوك الحكومية.
عنوان فرع بنك أبو ظبي الإسلامي بالبحيرة يشير لشارع حسن البنا
الإرهاب من البحيرة للمنيا
قبل أيام طالب عدد من أهالي محافظة المنيا، المحافظ اللواء قاسم حسين بتغيير اسم شارع حسن البنا المُتفرِّع شرقًا من شارع الحرية في حي جنوب المنيا، مُستهجنين بقاء الشارع باسم مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، خاصة أن المنيا من أبرز المحافظات التي عانت بسبب جرائم الجماعة وخرقها للقانون، لا سيّما بعد فضّ اعتصام رابعة العدوية.
وقال الأهالي في مناشدتهم إن قادة الإرهاب وزعماءه يجب محوهم من كل شوارع مصر وميادينها، وليس الإبقاء على اسم مؤسس الجماعة مُحتلاًّ شارعًا مُهمًّا يتفرّع من شارع التجارة، أو ما يُعرف بين أهل المدينة بـ"شارع الصاغة" ويُعدّ واحدًا من أبرز معالم المنيا، بجانب احتلال الإرهابي "البنا" مكانًا بارزًا في بطاقات المواطنين وأوراقهم.
المثير للغيظ أن خطوة تغيير اسم الشارع لم تأت عبر مبادرة من مسؤولي مدينة المنيا، وإنما جاءت ردّ فعل لمناشدة من الأهالي، قدمت الوحدة المحلية لمركز المنيا على أثرها مُذكّرة رسمية لإدارة شؤون المجالس واللجان والمؤتمرات تطلب فيها تغيير اسم الشارع تلبية لرغبة المواطنين، قرّر اللواء قاسيم حسين اليوم الأحد تغيير اسم الشارع من حسن البنا إلى عمر بن الخطاب، والتنسيق مع الجهات المعنيّة لتنفيذ القرار. موجّهًا في الوقت نفسه بمراجعة أسماء كل الشوارع والميادين في أنحاء المحافظة ومراكزها، وتغيير ما يحمل منها أسماء قيادات بجماعة الإخوان أو رموز محسوبين على الإرهاب، وإحلالها بأسماء شهداء مصر أو الرموز والشخصيات الوطنية المعروفة.
المحافظ أوضح في بيان صادر عن المحافظة اليوم، أنه كان مُقرّرًا إطلاق اسم أحد شهداء القوات المسلحة أو الشرطة على الشارع، لكن بمراجعة إدارة المجالس والوحدات المحلية تبيّن إطلاق أسماء العدد الأكبر منهم على عدد من الشوارع والمدارس، استجابة لطلبات أسرهم الين فضلّوا أن تكون أسماء ذويهم على منشآت وأماكن بالقرب من محال سكنهم، لهذا استقرّ الأمر على تسمية الشارع "عمر بن الخطاب" لارتباطه بالمنطقة بسبب أبرز مساجدها الذي يحمل الاسم نفسه.
لافتة شارع حسن البنا بالمنيا
لماذا لا تتحرك الوزارة؟
بالنظر إلى واقعتي البحيرة والمنيا، اللتين كشفتهما "صوت الأمة" وبعض المواطنين، يُمكن القول إن الكارثة ربما يكون لها بُعد أكبر، فبين 27 محافظة ومئات المراكز والمدن وآلاف القرى ومئات آلاف الشوارع، استطعنا في أسبوعين، وبجهد أقرب للفردي، اكتشاف ثلاثة شوارع تحمل أسماء قادة جماعة الإخوان الإرهابية، فماذا عن باقي شوارع مصر؟!
الجماعة التي تأسَّست قبل تسعين سنة تقريبًا نجحت خلال العقود الماضية في التغلغل داخل بنية الإدارة المحلية، ومنذ تعميق روابطها بالرئيس الأسبق محمد أنور السادات، ثم خليفته حسني مبارك، تمكّنت من دفع بعض وجوهها البارزة داخل دائرة الضوء والاحتفاء الرسمية، وبالنظر إلى أن أسماء أغلب الشوارع في مدن مصر وقراها تُحدّدها الوحدات المحلية، وأن هذه الإدارات اختُرقت بعناصر الجماعة سنوات طويلة، فمن المُتوقّع أن يكون الأمر متكرِّرًا في محافظات وأنحاء أخرى.
طوال العقود الماضية احتضنت القاهرة، وتحديدًا حي الزيتون، شارعًا باسم سليم الأول، السلطان العثماني الذي غزا مصر واحتلّها وقتل آخر سلاطين المماليك طومان باي. وفي فبراير الماضي قرَّرت المحافظة تغيير اسم الشارع، وإطلاق اسم الشهيد محمد أحمد غنيم بدلاً منه، لكن ما زالت الأمور على حالها، لافتات الشارع باسم المُحتل المجرم سليم الأول، وبطاقات الناس وأوراقهم، وعناوين السجلات التجارية والمنشآت الرسمية والأهلية، كل التفاصيل تحتفي بواحد من أكثر الناس إجرامًا في حق مصر وتاريخها الحديث.
ربما يحتاج الأمر تدخُّلاً مباشرًا وعاجلاً من اللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية، بتوجيه المحافظين ورؤساء المراكز والمدن والوحدات المحلية بالقرى بالعمل على حصر أسماء الشوارع والميادين والمدارس والمستشفيات، وإعداد قوائم شاملة بها، وفرز ما يتناسب منها مع الهوية الوطنية ومصالح مصر، واستبعاد ما يُصادم هذه الهوية أو يحتفي بالإرهابيين أو الأعداء.
هل يتدخّل الوزير اللواء محمود شعراوي ويُصدر قرارًا بمراجعة أسماء الشوارع والميادين في أنحاء مصر، وتنقيتها من الإرهابيين والمحسوبين على التيارات المُتطرّفة ومن تورّطوا في جرائم بحق هذا البلد؟! السؤال قائم ومفتوح إلى أن تُقر وزارة التنمية المحلية بالكارثة، وتستيقظ من سُباتها الطويل، وتتحرّك بشكل جاد للقضاء على هذه الكارثة.