في ذكرى رحيل أمير البهجة محمد فوزي.. كان الأول في كل مجال ولكنه لم يدخل في صراع مع أحد

الأحد، 21 أكتوبر 2018 11:00 ص
في ذكرى رحيل أمير البهجة محمد فوزي.. كان الأول في كل مجال ولكنه لم يدخل في صراع مع أحد
محمد فوزى ومديحة يسرى

- تنازل عن التلحين لأم كلثوم وقدم بليغ حمدى للست كرمته الجزائر بإطلاق اسمه على معهد الموسيقى.. فمتى تكرمه بلده؟! 

 

بمناسبة مئوية ميلاده التى حلت فى شهر أغسطس الماضى، وفى ذكرى وفاته الثانية والخمسين يوم 20 أكتوبر نحتفل بالفنان محمد فوزى «كازانوفا الشرق» كما كانوا يلقبونه، والذى كان واحدا من أهم الموسيقيين فى تاريخ الأغنية المصرية والعربية، كان فنانا شاملا ملحنا ومغنيا وممثلا أيضا، فقد كان أكثر المطربين الرجال تمثيلا فمثل فى 36 فيلما وحققت أفلامه نجاحات كبيرة، وكان رجل أعمال ناجحا تميز بعقلية تجارية من الطراز الأول. 

بدأ فى تأسيس عدة مشاريع فنية اقتصادية ناجحة وكون شركة للإنتاج والتوزيع السينمائى.. كان سابقا لعصره، عمل على تجديد وتطوير الموسيقى، ورغم عمره القصير الذى لم يتجاوز الثامنة والأربعين عاما، وخلال 17 عاما فقط هى عمره الفنى منذ 1944 وحتى 1961 صنع إنجازات لم يستطع أحد تحقيقها، وترك رصيدا فنيا كبيرا فى الموسيقى والغناء بلغ 400 أغنية منها حوالى 300 فى الأفلام، لحّن لأشهر مطربي زمانه، وترك بصمته الخاصة فى الأغنية العربية، ومثّل فى العديد من المسرحيات التى كانت سببًا فى انطلاقته. 
 
محمد فوزي
محمد فوزي
 
 
ولد محمد فوزى عبدالعال حسبو الحاو فى أغسطس 1918 فى قرية كفر أبو جندى التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية، هو الابن الحادى والعشرون من أصل 25 أنجبهم والده من ثلاث زيجات، وكانت من أخواته المطربتان هدى سلطان وهند علام. 
 
تخرج من المدرسة الابتدائية فى طنطا عام 1931 وظهرت حينها ميوله للموسيقى والغناء، حيث علمه أصول الموسيقى رجل الإطفاء محمد الخربتلى صديق والده، وجاء إلى القاهرة عام 1938 وانتسب لمعهد فؤاد الأول للموسيقى، لكن سرعان ما غادره.
 
واجهته صعوبات لفترة قبل العمل فى فرقة بديعة مصابنى ثم فرقة فاطمة رشدى ثم الفرقة القومية للمسرح، حتى طلبه الممثل يوسف وهبى ليشارك فى فيلم سيف الجلاد عام 1944 وكانت تلك أولى خطواته نحو الشهرة والنجاح.
 
 
تزوج محمد فوزى ثلاث مرات الأولى عام 1943 من السيدة هداية وأنجب منها المهندس نبيل والمهندس سمير والدكتور منير، وانفصل عنها عام 1952 وتزوج من الفنانة مديحة يسرى وأنجب منها ابنها الوحيد عمرو عام 1955 الذى توفى عن عمر يناهز 26 عاما وانفصل عنها عام 1959، وتزوج أخيرا من الفنانة كريمة (فاتنة المعادي) وظلت معه حتى وفاته وأنجب منها ابنته الصغرى إيمان. كان فوزى رائدا فى العديد من المجالات ومن أهم إنجازات هذا العملاق إنه أول من قدم فى مصر فن (اكابيلا) وهو لون فني يستغني عن مصاحبة الآلات الموسيقية ويستعين بدلا منها بالصوت البشري من كل الطبقات، وذلك في أغنيته «طمني». 
 
وأول من قدم أغنية للطفل مثل «ذهب الليل» و«ماما زمانها جاية» وهى أول أغنية مصورة تليفزيونيا. وأول من قدم أغنيات فرانكو آراب: «يا مصطفى» التى غناها برونو مورى شقيق الفنانة العالمية داليدا والمطرب بوب عزام التى انتشرت وأصبحت أيقونة عالمية وترجمت للعديد من اللغات منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية حتى اللغة الاردية.
 
 
كان أول من لحن أغنية رمضانية «المسحراتى» و«هاتوا الفوانيس يا ولاد» التى كانت أيضا للطفل. وأول من لحن أغنية لعيد الميلاد ( عيد ميلادك أحلى عيد)، كان فيلمه «من أين لك هذا» الذى قام ببطولته مع الفنانة مديحة يسرى هو أول فيلم يقدم خدعا سينمائية، وهو من أوائل الذين قدموا فيلما بالألوان الطبيعية عام 1951 «الحب فى خطر»، وأول من طبق حق الأداء العلنى مع المطربين فقد كانت شركات إنتاج
الأسطوانات تتعاقد مع المطربين على منحهم مبلغا ماليا مقابل حق استغلال أغانيهم دون أن يكون لهم الحق بعد ذلك فى المطالبة بأية مبالغ خارج المنصوص عليها فى العقد، فى حين كانت هذه الشركات تحقق مبالغ طائلة من بيع الاسطوانات وتعيد طبع آلاف النسخ.
 
وكان رائدا للأغنية الثنائية أو الدويتو (بعد طبيب عيون لعبدالوهاب) وأحدث بها طفرة كبيرة فى السينما المصرية فغنى مع ليلى مراد فى السينما أغنيات «شحات الغرام» وأغنية «الحب طيار»، وأبدع فى تقديم الأوبريت السينمائى.
 
كما لحن الأغانى الدينية مثل «لبيك إن الحمد لك والشكر لك لا شريك لك» وأغنية «يا تواب يا غفور» وأغنية «الهى ما أعدلك» التى كانت أحب أغنياته إليه، وقدم 6 قطع موسيقية بحتة هى فتافيت السكر، وتمر حنة، وياليل يا عين، وواحدة ونص، وحبايب، وشهر العسل.
 
محمد فوزى
محمد فوزى
 
وبنى فى مصر أول مصنع للأسطوانات فى الشرق الاوسط عام 1958 لتوفير العملة الصعبة، وأطلق على شركته اسم « مصر فون» بدافع وطنى، وألحق بها استوديو لتسجيل الالحان والأغانى، وأنتجت شركته أغانى كبار المطربين فى ذلك العصر مثل أم كلثوم وعبدالوهاب وغيرهما، وبعد ثلاث سنوات صدر قرار التأميم فانتقلت ملكيته للدولة. لحن النشيد الوطنى للجزائر «قسما» وأهداه اليهم بدون مقابل.
لحن حوالى 25 أغنية وطنية غنى منها « بلدى أحببتك يا بلدى»، و«يا أم البلاد».
 
وهو أول من قدم أغنية سياسية للأطفال وهى أغنية «كان وإن» حكى فيها تاريخ ثورة 23 يوليو، والعدوان الثلاثى على مصر عام 56 وتطرق كذلك للقضية الفلسطينية.
 
 
كان الفنان محمد فوزى من أوائل الفنانين الذين دعموا ثورة 23 يوليو وشاركوا فيها، واشترك فى إحدى الفعاليات المسئولة عن جمع التبرعات من المواطنين لدعم الجيش المصرى، كما اشترك مع مديحة يسرى، وعماد حمدى، وشادية وفريد شوقى وهدى سلطان فى رحلات قطار الرحمة التى أمرت الثورة بتسييره عام 1953 بين مديريات الوجه البحرى والقبلى، كما قدَّم جانباً من فنه مع الفنانين الآخرين لمواساة المرضى فى المستشفيات وفى مراكز الرعاية الاجتماعية.

حلاوتك يا فوزى
 
أطلق حميد الشاعرى عام 96 شريطا بعنوان «حلاوتك يا فوزى» أعاد فيه توزيع عدد من أغنياته. كان فوزى إنسانا نبيلا فما فعله مع بليغ حمدى أصدق مثال على ذلك، فقد كان محبًا للفن ومقدرا له حتى وإن صنعه غيره، حينما أصرت أم كلثوم أن يلحن لها محمد فوزى أغنية وعرضت عليه أغنية أنساك رآها بليغ حمدى بالصدفة خلال زيارته له وأعجبته فلحنها وهو جالس، وحين استمع لها فوزى أعجبته وأصر أن يكمل بليغ تلحينها، واحتفظ بليغ بالمقدمة الموسيقية التى وضعها فوزى.
 
 
 
ولم يدخل فى صراع مع أحد فقد كان منهمكا فى عمله الفنى والتجارى، حريصا على أن يتعلم ويثقف نفسه ويتطور عبر أعماله ومشروعاته الفنية التى تعكس حقيقته كفنان عاش مخلصًا لفنه، مؤمنًا بواجبه فى الارتقاء بالصناعة نفسها حتى تظل مصر رائدة الفنون فى الدول العربية، فاتفق الجميع على أنه فنان سبق عصره، مبدعا بسيطا الى حد التعقيد، صاحب عقلية تجارية عبقرية، قادر على الوصول إلى العالمية. 
 
وكلما تذكرنا محمد فوزى ترتسم بسمة على شفاهنا فقد كان صانعًا للبهجة خفيف الظل، سيظل اسمه مصحوبا دائما بالأمل والمرح والشقاوة والمواقف الضاحكة، من بين هذه المواقف حين سجل أغنية المسحراتى للإذاعة ارتدى جلابية وطاقية ومر على منازل أصدقائه يوقظهم للسحور ولم يعلموا أن المسحراتى هو فوزى إلا فى اليوم التالي. 
 
محمد فـوزي
محمد فـوزي
 
وقصة أخرى رواها فى المقال الذي نشره في مجلة الكواكب عام 1949 حين تلقى وصديقاه «علقة سخنة» عندما غنى فى ليلة المولد حين توجه إلى السرادق القديم الممزق المقام على مسرح صغير، كما وصفه فوزى فى المقال، واصطحب معه طالبين من هواة الموسيقى، فبينما كان منسجما وغارقا فى الطرب والسرور، جاءه شيخ الخفر من قسم الشرطة وطلب منه الحضور معه للقسم لمقابلة الضابط، فأجابه فوزى «مقدرش أروح دلوقتى وهامر عليه بعد ما أخلص الحفلة»، فهجم الخفر على الأهالى بينما وجد فوزى نفسه مع صاحبيه محاطين «بالقراداتية والغوازى» وكان ذلك بداية معركة مروعة، شبع فيها محمد فوزي وصديقاه ضربا ولكمًا، وصفعات على حد وصفه في مقاله، وما هى إلا لحظات حتى كانت أرض المولد بلا خيام أو شموع أو فوانيس وأفاقوا ثلاثتهم ووجدوا أنفسهم أمام الضابط ودماؤهم تسيل، واكتشف أن الضابط أحد أقربائه. 
 
ومن بين الطرائف التى رواها أيضا أنه كان يعمل فى أحد ملاهى الإسكندرية وكان يشترى سندوتشات لحمة من عربة بجوار المسرح وخرج ذات ليلة ولم يجد البائع فلما سأل عنه اخبروه أن الشرطة ألقت القبض عليه لأنه كان يبيع لحم حمير فضحك وقال «أنا كده ابقى كلت ييجى حمارين». شكّل تأميم شركة مصر فون أكبر صدمات حياة محمد فوزى، فمرض بعدها وتوفى بمرضٍ أصاب 5 أشخاص فقط فى العالم، وهو مرض تليف الغشاء البريتونى الخلفى وافته المنية فى 20 أكتوبر عام 1966.
 
 
فى العام الماضى أصدر الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة أمرا بإطلاق اسم هذا المبدع الأسطورى محمد فوزى على المعهد الوطنى للموسيقى وأمر بمنح اسمه وسام الاستحقاق الوطنى.
 
 
كنوع من التكريم له أهدت أسرة مسلسل بالحجم العائلى الحلقة الثالثة عشر إلى روحه بمناسبة مرور مائة عام على ميلاده، وأخيرا تم تكريم الفنان محمد فوزى فى مهرجان الاسكندرية السينمائى لدول البحر المتوسط فى دورته الـ 34 التى تحمل اسم النجمة نادية لطفى، عرض الفيلم السينمائى الوثائقى «أمير البهجة» احتفالا بمئوية ميلاده فى 15 اغسطس عام 1918، وهو عن مسيرته الفنية..انتجه وأخرجه الدكتور حسين بكر مدير التصوير والمدرس بالمعهد العالى للسينما. 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق