السيسى وبوتين.. تغير فى العلاقات المصرية الروسية
الأربعاء، 17 أكتوبر 2018 12:01 م
زار الرئيس عبد الفتاح السيسى روسيا قبل ذلك مرتان، والتقى نظيره الروسى فيلاديمير بوتين ثمانى مرات، ما بين القاهرة وموسكو وبكين، لكن الزيارة التى يقوم بها الرئيس حالياً لموسكو ومدينة سوتشى السياحية، يمكن اعتبارها حجز الزاوية فى العلاقات المصرية الروسية التى بدأت تأخذ طابعاً مختلفاً، لا يرتكن إلى الحاجة المصرية للدعم الروسى، وإنما أساسها وجود مصالح مشتركة، تتطلب أن يكون هناك توافق ولقاءات وتنسيق.
ما أقوله يمكن أن نلمسه من خلال الاستقبال الذى خص به الروس للرئيس السيسى، سواء فى موسكو، أو فى سوتشى، وهو يختلف تماماً عما كان يجرى لرؤساء مصر السابقين، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها من وجهة نظرى أن مصر تسير وفق خط سياسى واضح للجميع، يعلى من المصالح المشتركة، ولا يعترف مطلقاً بفكرة التبعية السياسية أو الاقتصادية أو حتى الأيدلوجية، وهذا لا يقلل من المجهودات التى قام بها رؤساء مصر السابقين خلال تعاملهم مع الدب الروسى، لكن الظروف والواقع تغير، كما أن الأولويات تبدلت، وأصبحت مصر تحديداً بعد ثورة 30 يونيو 2013 صاحبة قرار، وهو ما أدركه جيداً ساسة روسيا، فكانوا أول من أيدوا الثورة، وأعلنوا وقوفهم إلى جانب مصر، كما فعل أصدقاء آخرين مثل الصين على سبيل المثال، فقد ترأى لهؤلاء أنهم أمام مصر جديدة تختلف عن السابق، حتى وأن كانت أوضاعها الاقتصادية غير مستقرة، بفعل حالة الفوضى التى عاشتها سواء قبل 2011 أو بعدها، لكن ما حدث فى شوارع مصر فى 30 يونيو، ووقوف المصريين فى وجه الفاشية الدينية المتطرفة كان بمثابة رسالة للعالم الخارجى أن مصر تغيرت، وأن قراراها مستقل، وهى الرسالة التى أيقنتها جيداً روسيا وبدأت فى ترتيب أوضاعها تجاه مصر.
ساعد على ذلك أيضاً وجود تفاهم ولغة مشتركة جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسى وبوتين، خاصة خلال اللقاء الأول الذى جمعهما بعد الثورة حينما كان الرئيس حينها وزيراً للدفاع، فقد ظهر من وقتها أن مسار العلاقات سيأخذ بعداً مختلفاً عما ذى قبل، وجاءت الزيارات واللقاءات المتبادلة والمتعددة لتؤكد ذلك، يضاف إلى ذلك أن القاهرة لم تشأ أن تلعب لعبة الماضى، بالارتماء فى أحضان طرف دولى، وترك الأطراف الأخرى، ففى الوقت الذى فتحت فيه مصر أبوابها للتعامل مع روسيا والصين، كانت الأبواب مفتوحة أمام واشنطن وأوربا، ولم تغلق مصر بابها فى وجه أحد، ورفضت أن تسير وفق سياسة المحاور أو الأحلاف، واختارت حلف واحد فقط، وهو حلف المصلحة المصرية والأمن القومى العربى والإقلميى، وربما ذلك ما ساعد على أن تحدث مصر العديد من الاختراقات فى الملفات الدولية فى مدد قليلة، عكس ما كان يتوقعه كبار الساسة والمخضرمين فى العلاقات الدولية.
الشهر الماضى كان الرئيس السيسى فى نيويورك والتقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وزعماء دول أخرى، واليوم موجود فى روسيا، وغداً فى ألمانيا وقبلها كان فى الصين، وأجندة لقاءات الرئيس وزياراته الخارجية مليئة، ومن يريد أن يفهم كيف تدير مصر علاقاتها الخارجية عليه أن يدرس كيف يتحرك الرئيس، فهو منذ أن وصل للحكم فى 2014 لم يغلق الباب مطلقاً حتى فى وجه من دأبوا على توجيه سمومهم تجاه مصر والمصريين، لأنه يؤمن بأن مصر أكبر من كل هذه المؤامرات التى تحاك ضدها.
بالعودة إلى زيارة الرئيس السيسى لروسيا، فهى كما قلت مختلفة عما سبقتها من زيارات ولقاءات، ويعود ذلك إلى أن أواصر الصداقة المصرية الروسية ترسخت، فالدولتان يحتفلان بمرور 75 عاماً على العلاقات الثنائية، وفى نفس الوقت هناك تقدير متبادل لدور الطرف الأخر، وهو ما ظهر من حفاوة الاستقبال الروسي لرئيس مصر، وأن كنت لا أنظر لمظاهر الاستقبال على أنها دليل على شئ ملموس، لكن لا يمكن تجاهلها، خاصة أذا ما قارنا استقبال الرئيس هذه المرة سواء فى موسكو أو سوتشى، واستقبال رؤساء آخرين، فضلاً عن التقدير الروسى الكبير للرئيس السيسى ودعوته لإلقاء كلمة أمام مجلس الفيدرالية الروسى، كأول رئيس أجنبى يقف مخاطباً الروس من فوق هذه المنصة، وهذا أمر لم يكن ليحدث إلا مع رئيس مصر عبد الفتاح السيسى.
الاستقبال والحفاوة أمر مهم، لكن الأهم هو ما ستتمخض عنه الزيارة، وهو ما يركز عليه دوماً الرئيس السيسى فى كل زياراته الخارجية، فهو لا يهتم بالمظاهر مطلقاً، قدر تركيزه على ما سيفيد مصر، وأذا نظرنا لروسيا سنجد أنها دخلت فى شراكة اقتصادية وسياسية كبيرة مع مصر طيلة السنوات الأربع الماضية، نتج عنها أتفاق إقامة محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء، ومشروع إقامة المنطقة الصناعية الروسية بمحور قناة السويس، والتي تعد المنطقة الصناعية الروسية الأولى خارج أراضي روسيا، وما تمثله من شراكة جديدة تتخطي مرحلة الاستثمار والتبادل التجاري لتصل إلى مراحل التصنيع المشترك، والعودة التدريجية للسياحة الروسية لمصر، بالإضافة إلى موضوعات اقتصادية أخرى جرى الاتفاق عليها مؤخراً تتعلق بتوطين الصناعات والتعاون في مجال السكك الحديدية والطاقة وزيادة التبادل التجاري.
وربما يكون خطاب الرئيس السيسى أمام مجلس الفيدرالية الروسى أضاف بعداً جديداً للعلاقات، خاصة أن الخطاب كان موجهاً مباشرة للشعب الروسى، حيث حدد الرئيس مسار العلاقات، وما تريده مصر سواء على المستوى الثنائى أو المتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
فى المجمل أستطيع القول أن هذه الزيارة سيكون لها تأثيرات إيجابية مباشرة قريباً على واقع العلاقات المصرية الروسية، كونها رسخت لمفهوم المصلحة المشتركة بين البلدين، وهو المفهوم الذى أدركه الروس، ويعملون حالياً على ترجمته إلى واقع ملموس.