يوسف أيوب يكتب عن منتدى غاز شرق المتوسط: حينما تعلي مصر واليونان وقبرص من مصالح الشعوب
الجمعة، 12 أكتوبر 2018 02:00 م
فى القمة السادسة لقادة مصر واليونان وقبرص، التى عقدت الأربعاء الماضى بمدينة "كريت" اليوناينة، أُتفق على إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، يكون مقره القاهرة، ويضم الدول المنتجة والمستوردة للغاز ودول العبور بشرق المتوسط، بهدف تنسيق السياسات الخاصة باستغلال الغاز الطبيعى بما يحقق المصالح المشتركة لدول المنطقة، ويسرّع من عملية الاستفادة من الاحتياطيات الحالية والمستقبلية من الغاز بتلك الدول.
أهمية هذا المنتدى أنه يضم دول المنطقة الأكثر امتلاكا للغاز الطبيعى فى العالم، فوفقاً لتقرير أصدرته شركة "BP" البريطانية للبترول فى يونيو الماضى، والخاص بإحصاءات الطاقة العالمية 2018، يبلغ إجمالي احتياطي الغاز الطبيعي بالعالم 93.5 تريليون متر مكعب، وجاءت منطقة الشرق الأوسط في صدارة المناطق الأكثر امتلاكا لاحتياطي الغاز الطبيعي بنحو 79.1 تريليون متر مكعب، كما أن هذا المنتدى وفق تقديرات الخبراء سيوفر إطارًا واضحا لتعزيز التعاون بين مصر واليونان وقبرص فى مجال الطاقة من أجل التنمية ليس فقط في الدول الثلاث بل لدول الاتحاد الأوروبي بأكمله والتي تعتمد اعتمادا كبيرا على استخدام الغاز الطبيعي.
الرئيس السيسى ركز منذ البداية على ملف الطاقة
فى البداية علينا أن نعرف كيف وصلنا إلى هذه المرحلة، التى يمكن القول أن مصر كانت الدافع الرئيسى لها، لأنها منذ 2014، ووصول الرئيس عبد الفتاح السيسى للرئاسة، هناك تركيز كبير على ملف الطاقة فى مصر والمنطقة، وكانت هناك دراسات تجرى حول فرص الاستفادة منها، وكان واضحاً منذ البداية أن مصر لا تريد الاستئثار بالملف، وإنما فتحت قنوات اتصال وتعاون مع الشركاء الإقليمين، وجاء التجاوب السريع من اليونان وقبرص ليضع اللبنة الرئيسية لهذا التعاون، الذى يمكن اعتباره النموذج الذى سيمثل مثالاً يحتذى به عالمياً، خاصة أن التعاون الثلاثى ليس موجهاً ضد أحد، وإنما هدفه تحقيق المصلحة للجميع.
التنمية هى الهدف الرئيسى لقادة مصر واليونان وقبرص
قادة الدول الثلاثة، الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس القبرصى "نيكوس انستسيادس"، ورئيس الوزراء اليونانى "أليكسيس تسيبراس"، كانوا واضحين منذ البداية، أن التنمية هى الهدف الرئيسى للتنسيق الثلاثى، وجاءت مبادرة إنشاء "منتدى غاز شرق المتوسط"، لتؤكد هذا المعنى والهدف، وهو مصلحة شعوب المنطقة التى يراد لها من بعض الأطراف الإقليمية والدولية أن تظل مضطربة وبعيدة عن الاستقرار سواء كان سياسى أو اقتصادى، لكن جاءت الفكرة المصرية، والتجاوب اليونانى القبرصى ليؤكد أن هناك من يعلى من شأن مصالح الشعوب، وتحقيق الأهداف النبيلة البعيدة تماماً عن التآمر والقتل والخراب.
بالعودة إلى "منتدى غاز شرق المتوسط"، فمن خلال استقراء القمم الخمس الماضية، وما تخللتها من اجتماعات لمسئولى الدول الثلاثة، سنصل إلى النتيجة، وهى أن ما أعلن الأربعاء الماضى، لم يكن وليد اللحظة، وإنما نتاج عمل وجهد وتفكير ونقاش أمتد لأكثر من أربع سنوات، لأن قادة الدول الثلاثة اتفقوا منذ البداية أن يكون لكل تحركاتهم أثر على الأرض، وليس مجرد بيانات أو لقاءات.
مصر وفرت الإمكانيات المطلوبة لتكون مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة
فى قصة المنتدى كانت البداية فى إعلان مصر أنها وفرت كل الإمكانيات المطلوبة لتكون مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة فى المنطقة، انطلاقا مما تمتلكه القاهرة من خبرة قوية فى مجال الغاز، وعرضت القاهرة الفكرة على الشركاء الذين وافقوا عليها وأبدوا دعمهم لها، وكانت الثمرة الأولى فى توقيع المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية الشهر الماضى، اتفاقية إنشاء خط أنابيب لربط حقل غاز افروديت القبرصى، والذي تم اكتشافه نهايه عام 2011، بمحطات تسييل الغاز في مصر، حيث تصل تكلفة خط الربط إلي مليار دولار، ما يعزز تحول مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة، وذلك في إطار ما تمتلكه البلاد من بنية تحتية قوية لاستقبال الغاز في الشبكة القومية للغازات وكذلك عملية التسيل والتي تتم في محطات الإسالة بمصنعي دمياط و ادكو.
بعد هذا الاتفاق كانت الخطوة التالية هى إنشاء المنتدى، الذى سيحدد الإطار الاقتصادي لعملية نقل الغاز بين الدول، كما سيعمل على وضع آليات لتنظيم سوق الغاز وأنشطته المختلفة، ويجذب مزيدا من الاستثمارات الأجنبية، وهذه الخطوة تؤكد أن التعاون الثلاثى المصرى اليونانى القبرصى، تحديداً فى مجال الطاقة يسير وفق وتيرة متسارعة ومتفق عليها، فهو يشهد قفزات نوعية، كون هذا الملف من الملفات التى تتصدر اهتمامات الدول الثلاثة، ووفقاً لما قاله المهندس طارق الملا، وزير البترول، فإن الهدف هو إنشاء خط نقل الغاز بين مصر وقبرص لتسييل الغاز، خاصة أن مصر تمتلك الإمكانيات اللازمة لتعظيم الاستفادة من الاكتشافات الغازية بمنطقة البحر المتوسط، لاسيما أن صناعة الغاز تعد أحد أقدم الصناعات فى مصر، مؤكداً أن الآلية الثلاثية توفر إطارا مواتيا لبحث إمكانية تعزيز التعاون بين مصر واليونان وقبرص فى مجال الطاقة من اجل التنمية بالدول الثلاث .
إيقاف استيراد الغاز الخطوة التى مهدت لإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط
ربما يكون السؤال الآن الذى يتردد فى أذهان البعض، ما الذى ستجنيه مصر من هذا المنتدى؟.. الحقائق كلها تؤكد أن مصر بدأت تشق طريقها لتكون أحد القوى الإقليمية فى إنتاج الغاز الطبيعى، وكانت البداية بإيقاف الاستيراد من الخارج، وتحقيق الاكتفاء الذاتى الذى تحقق بفضل إنتاج حقل "ظهر"، لكن كما قلت فإن مصر بقيادة الرئيس السيسى لم يكن فقط هدفها تحقيق الاكتفاء الذاتى، وإنما أن تكون رقم صعب فى تجارة وتداول الطاقة فى المنطقة، ومن هنا كانت فكرة تحويل مصر لتكون مركز أقليمى لتجارة وتداول الطاقة، ومن تبع ذلك من اتفاقيات مع قبرص، ومناقشات معه دول أخرى بالمنطقة، لتكون مصر بوابتها لتصدير غازها الطبيعى لأوربا، وسيشكل إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط أحد الدعائم الرئيسية للفكرة المصرية، فهو يضيف لها ميزة نسبية، سواء بدعمها أو جعلها في قلب الحدث بما تمتلكه من مقومات هائلة يأتي على رأسها البنية التحتية الهائلة لاستقبال وتسيل الغاز، وكذلك موقعها المتميز بين دول حوض البحر المتوسط، فهو فى المجمل يمكن اعتباره أداة فاعلة لإعادة تموضع مصر على خريطة الدول المنتجة والمصدرة والمصنعة للغاز الطبيعى.