رحلة وصول «المومياء» للنجومية.. كيف وصل شادي عبد السلام بالسينما المصرية للعالمية؟
الثلاثاء، 09 أكتوبر 2018 10:00 م
لا يمكن أن تمر ذكرى رحيل المخرج المصري الكبير الراحل شادي عبد السلام، في الثامن من أكتوبر عام 1986 دون احتفاء، أو توقير لذكراه، لاسيما وهو الذي حجز للسينما المصرية مكانتها العالمية.
لم يكن شادي عبد السلام مخرجا عاديا، طرق بقدميه استديوهات السينما المصرية، إنما كان كاتبا ومخرجا ومهندسا للديكور، ومصمم ملابس أيضا، وُلد بالإسكندرية في 15 مارس 1930، وتخرج من كلية فيكتوريا عام 1948، ثم درس فنون المسرح في لندن في الفترة من 1949 حتى 1950.
في مقاله المنشور بدورية مركز دراسات الوحدة العربية، كتب الناقد الأمريكي والباحث في الدراسات الأدبية بالشرق الأوسط إليوت كولا، أنه حين طلب من النقاد المصريين الإدلاء بآرائهم، أصروا على تصنيف فيلم شادي عبد السلام المومياء على أنه واحدا من أهم الأفلام المصرية، إن لم يكن أهمها جميعا، مضيفا: وإذا ما أخذنا في الاعتبار جماليات الأسلوب البصري المذهلة، وتقنيات إخراجه الرائعة، لا يصعب فهم سبب اعتبار الفيلم كذلك.
شادي عبد السلام
يشير إليوت كولا إلى أن الفيلم حصد عددا من الجوائز وبرز منذ بداية السبعينات كواحد من أكثر الأمثلة المبتكرة على السينما الثالثة في الوطن العربي، وخفت الفيلم في البداية بين عدائية البيروقراطية ولامبالاة الجمهور، وحسب إليوت كولا، لم يتم عرض المومياء في دور السينما العامة، لأن المؤسسات الحكومية نفسها – المؤسسة العامة للسينما التابعة لوزارة الثقافة- التي مولت الفيلم، وأشرفت على إنتاجه، وامتلكت كل دور السينما آنذاك، اعتبرته غير مناسب للتوزيع لذلك عرض الفيلم في أروقة نادي السينما لكن بعد فوز المومياء بعدة جوائز في مهرجانات السينما الأوروبية، اضطرت الوزارة إلى إعادة النظر في إهمالها للفيلم، في عهد انفتاح آخر، وزع الفيلم على نطاق تجاري في سنة 1975.
اعتنى شادي عبد السلام برسالة المحافظة على التراث الفرعوني داخل إطار الثقافة القومية، حيث تبدأ أحداث الفيلم في عام 1881، عشية الحكم الاستعماري في مصر، وتدور أحداثه – المومياء- حول عائلة عبد الرسول في قرية القرنة بالأقصر، فخلال السبعينيات من القرن التاسع عاشر، عام 1870، أثرت هذه العائلة بسرقة مجموعة من المومياوات الملكية واغتنوا من بيعها لتجار باعوها بدورهم في السوق السوداء لجامعي التحف والمتاحف وبدأت عمليات البحث عن مصدرها، وخاصة أن القطع التي تنتمي إلى أسر ملكية غير معروفة جاءت من نفس المكان.
مخرج المومياء
خلال عملية البحث اشتبهت هيئة الآثار بسمسار يدعى مصطفى آغا آيات، القنصل المحلي لإنجلترا وفرنسا وبلجيكا، الذي تعذرت ملاحقته نظرا لحصانته، وبلدا من ذلك لاحقت الشرطة أخوين، محمد، وأحمد عبد الرسول، واعتقلت الأصغر، أحمد، وسجنته، ثم أفرجت عنه لعدم توافر أدلة مقاضاته، ولدى عودته إلى القرنة، طالب أحمد بنصيب كبير من التحف التي كانت لا تزال في حوزة عائلته، كتعويض عن فترة سجنه، وعندما قرر الاستمرار في تجارة الآثار قرر أخوه محمد تركها، وبعد مشاحنات بين الشقيقين، ومع القنصل الذي طلب مبلغا لسكوته، ذهب محمد إلى الشرطة واعترف بكل شيء، ونال محمد وظيفة في هيئة الآثار، وساعدها على اكتشاف عدد من الأضرحة الملكية الأخرى.
حصل شادي على درجة الإمتياز في العمارة، ولم تكن لديه الرغبة بالعمل كمهندس معماري، فبدأ يفكر بالعمل في السينما، بعد أن قضى مدة الخدمة العسكرية .
ونظرًا لغرامه بالسينما، فقد دخل إليها عن طريق المخرج صلاح أبوسيف في فيلمه (الفتوة)، وكان عمله وقتها يقتصر على تدوين الوقت الذي تستغرقه كل لقطة.
هكذا بدأ شادي عبدالسلام، صغيرًا جدًا في محراب السينما، لم يستصغر هذا العمل، لأنه كان مؤمنًا بأن الطريق دائمًا يبدأ بالخطوة الأولى مهما كانت صغيرة.
عمل كمساعد للمهندس الفني رمسيس واصف عام 1957 ، بعدها عمل مساعدًا لصلاح أبوسيف في أفلام (الوسادة الخالية، الطريق المسدود، أنا حرة)، وفي أثناء عمله مع المخرج حلمي حليم في فيلم (حكاية حب)، حدث أن تغيب مهندس الديكور، فقام شادي بعمل الديكور الذي كان ملفتًا للنظر، مما دفع المنتجين للتعاقد مع شادي على تصميم وتنفيذ ديكورات مجموعة من الأفلام، كان أهمها ديكورات فيلم (وإسلاماه)، كما عمل خارج مصر كمصمم للديكور والملابس في الفيلم الأمريكي (كليوباترا)، وفيلم (فرعون) البولندي عام 1966.
في عام 1966، عمل شادي مع المخرج الإيطالي الكبير روسيلليني، وذلك في فيلم (الحضارة)، مما جعل لروسيلليني كبير الأثر على شادي عبدالسلام فنيًا وفكريًا، لما يمتاز به الأول من بساطة في التفكير السينمائي مع العمق في نفس الوقت، وإليه يرجع الفضل في تحقيق رغبة شادي للإنتقال الى مهنة الإخراج.
فيلم المومياء لشادي عبد السلام
بجانب المومياء الذي أخرجه شادي عبد السلام عام 1969، أخرج (شكاوي الفلاح الفصيح)، وهو فيلم قصير استوحى فكرته من بردية فرعونية عمرها أربعة آلاف سنة، تتناول قصة قصيرة عن موضوع العدالة، قصة فلاح يستصرخ السلطة لتسترد له حقه وتقيم ميزان العدل.
من بين الوظائف الأخرى التي عمل فيها شادي عبدالسلام، كان منصبه كمدير لمركز الأفلام التجريبية بوزارة الثقافة في عام 1970. وفي الفترة مابين عامي 1974 و 1980 قام شادي عبد السلام بإخراج أربعة أفلام تسجيلية قصيرة، بدأها مباشرة بعد استلامه لرئاسة مركز الفيلم التجريبي التابع لهيئة السينما، وهي (آفاق 1974) وهو نموذج لأوجه النشاط الثقافي المختلف في مصر، وفيلم (جيوش الشمس 1976) ويتناول العبور وحرب أكتوبر 73، ثم فيلم عن إحدى القرى الصغيرة التي تقع بالقرب من معبد (أدفو) الفرعوني في أسوان، كذلك قام بعمل فيلم مدته ثلاث دقائق ونصف عن ترميم واجهة بنك مصر.