في ذكرى تولي ثروت عكاشة وزارة الثقافة: الفن أوجب من الخبز

الثلاثاء، 09 أكتوبر 2018 11:00 ص
في ذكرى تولي ثروت عكاشة وزارة الثقافة: الفن أوجب من الخبز
وزير الثقافة الأسبق ثروت عكاشة
وجدي الكومي

 

تحل اليوم الثامن من أكتوبر ذكرى تولي المثقف الكبير الراحل ثروت عكاشة، منصبه كوزير للثقافة، في العام 1958، وتجدر الإشارة إلى هذا اليوم في تاريخ وزارة الثقافة، نظرا لمواقفه المشرفة التي اتخذها طيلة توليه منصبه، وكذلك حمايته للمثقفين من تنكيل وبطش تقارير أجهزة الأمن التي رغبت في مصادرة أعمالهم وكتبهم، والزج بهم في سجون الستينات.

ثروت عكاشة (2)
ثروت عكاشة

وُلد ثروت عكاشة في القاهرة عام 1921، وتخرج في الكلية الحربية عام 1939، ثم في كلية أركان الحرب عام 1948، حصل على دبلوم الصحافة من كلية الآداب جامعة فؤاد الأول عام 1951، ونال درجة الدكتوراه في الأدب من جامعة السوربون بعدها بتسع سنوات، عام 1960.

قبلها بعامين تولي عكاشة وزارة الثقافة بين عامي 1958 و1962، ثم ترأس المجلس الأعلى للفنون والآداب، وشغل منصب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي للمصري بين عامي 1962، و1966، ثم عاد لمقعد وزارة الثقافة بين عامي 1966 و1970.

من كتابه الفن والحياة، الذي كان محاضرة ألقاها ببهو قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة يوم الأربعاء 6 مارس 1996 خلال الموسم الثقافي، قال ثروت عكاشة: الفن يكاد يكون ضرورة من ضرورات الحياة، شأنه في ذلك شأن الخبز سواء بسواء، بل قد يكون أوجب للحياة من الخبز نفسه.

ثروت عكاشة (1)
ثروت عكاشة

لا تذكر كلمة وزارة الثقافة، إلا إذا اقترن بها «ثروت عكاشة»، ولا تتذكر الأجيال الحالية الرجل إلا حينما تتذكر أعماله المهمة عن الفنون الأوروبية التي حملت عنوان: موسوعة تاريخ الفن العين تسمع وترى فنون عصر النهضة «الرينسانس» أو مرحلة الإحياء والبعث، والتصوير الإسلامي المغولي في الهند، والفن المصري القديم وغيرها من الكتب الكبيرة والمهمة الأخرى.

بنظرة عامة وخاطفة من الوهلة الأولى، نحار أي مؤلف من المؤلفات نختارها لاستعادة هذه الآثار الثقافية الهائلة التي تركها لنا صاحب مقولة الفن أوجب من الخبز، ففي كتابه الفن والحياة، يبدو عكاشة كأنه يتحدث عن عالم اليوم، حينما يقول: «من الناس اليوم من لا يأبه لما هو جميل، فلم يعد بعض الناس في هذا العصر- عصر المصانع والآلات والتكنولوجيا يجد متعة في اللوحات الجميلة والتماثيل البديعة ولا في تلك المباني الضخمة من معابد وهياكل وقصور».

في كتابه المهم «مذكراتي في السياسة والثقافة» تتوقف كثيرا أمام الكم الهائل من الـتأريخ والتوثيق لمجريات الحياة السياسية في مصر، فالكتاب يبدأ من انتسابه لسلاح الفرسان، والتحاقه بكلية أركان الحرب، وتعرفه على عبد الناصر، والتحاقهما فيما بعد بجماعة الإخوان، وحرب فلسطين، وإرهاصات تحركات يوليو 1952، وحريق القاهرة، ونية عبد الناصر للاستيلاء على القاهرة والخوف من تدخل الإنجليز.

فنون عصر النهضة
فنون عصر النهضة

يقول عكاشة في مقدمة المذكرات: ما أصدق المثل القائل بأن الشجرة حين تشيخ تدب الشيخوخة أول ما تدب في رأسها، وما أشبه هذه الرأس بالذاكرة من الإنسان، ولم يطف في ذهني وأنا أسجل واقعة أن أشوه سمعة إنسان، أو ألصق به ما هو منه براء، فما أصدق جوته حين قال إن المرء حين يبلغ به العمر مبلغه ويعود بذاكرته إلى الوراء، يرى أنه لم يكن ثمة خطأ إلا وارتكبه.

يحكي ثروت عكاشة في مذكراته بعذوبة آسرة عن سنوات عمله في سويسرا وباريس ملحقا حربيا، يقدم الفصول بأبيات من الشعر، واصفا كل موضع من هذه المواضع، ومن ذلك ما كتبه في تقديم فصل عمله في باريس لألفونس كار: «ليس عاشق باريس هو من يحب الإقامة فيها، بل هو من لا يطيق فراقها»، ثم بعد ذلك يتناول إقامته في باريس بأسلوب لا يخل من الإشارة إلى المبدعين والمثقفين والفنانين والشعراء الذين اختلفوا إلى الموضع الذي سكن فيه بالحي السادس عشر بالعاصمة الفرنسية.

يقول عكاشة: إذا كان هذا الحي السادس عشر قد خلا من الآثار المعمارية الشامخة، التي تضمها أحياء باريس الأخرى، فحسبه أنه كان على مر العصور منتجع رجالات كان لهم شأنهم في التاريخ فنا وعلما وأدبا وسياسة، إذا اختلف إليه موليير وراسين وبوالو كما كان بونابرت ولعا به، وكذلك الأديب الرومانسي تيوفيل جوتييه، وكان السكن الدائم لكل من بول فاليري وأناتول فرانس.

ويوثق عكاشة أيضا لفترة توليه وزارة الثقافة، ونتابع في صفحات مذكراته كيف اتخذ ثروت عكاشة عدة قرارات أحيت العمل بالوزارة، لإنقاذ النشاط الثقافي الذي جاء لإصلاحه، ومن ذلك دمج كافة شركات النشر بالوزارة في شركة واحدة للطباعة والنشر هي دار الكاتب العربي تولاها الأستاذ محمود أمين العالم، يعلق ثروت عكاشة في مذكراته على عدم وجود خطة واضحة لإصدار الكتب ذات الأهداف المحددة، ووضع خطة ركزت على الشباب والأطفال فأصدرت للشباب سلاسل منها سلسلة «اقرأ علما» لتبسيط العلم بالاتفاق مع مؤسسة «لونجمان» البريطانية.

غلاف مذكرات ثروت عكاشة
غلاف مذكرات ثروت عكاشة

في هذا الجزء من مذكرات ثروت عكاشة، خير دليل لمن يرغب في تنظيم فوضى النشر الحاصلة حاليا في وزارة الثقافة، وقطاعاتها، لمن أراد إصلاحا، وكذلك يمكنه الاهتداء باستراتيجيته لإصلاح حال الفرق المسرحية، خاصة في ذلك الجزء الذي يرويه عن فوضى فرق المسرح التي ازدحمت في القاهرة وتنافست، وزادت أكثر من النصوص الجيدة، وتركزت في القاهرة وذبلت في الأقاليم.

من المواضع المهمة في ذلك الجزء من مذكرات عكاشة، ما يرويه عن تعرضه لحملة من رجال الأمن ومن الاتحاد الاشتراكي وتعرضه للهجوم من زملائه الوزراء، لسماحه بعرض مسرحيات «اللي قتلت الوحش» لعلي سالم، ومسرحية عبد الرحمن الشرقاوي «الفتى مهران»، ومسرحية «ثورة الزنج» لمعين بسيسو.

 

ثروت عكاشة (4)
ثروت عكاشة

يقول عكاشة في مذكراته: كم من مرة استهدفت للهجوم من بعض زملائي الوزراء ولا سيما من كانوا منتظمين بالتنظيم الطليعي لسماحي بعرض هذه المسرحيات بدعوى تعريض النظام لموجة من السخط لا يعلم مداها إلا الله على حد تعبير أحدهم، وكأنه فاته أن الشعب على علم بما يجري بين يديه وليس في غفلة عما يدور حوله، ولقد تمسكت بموقفي وإيماني بضرورة منح الفن حرية التعبير عن هموم الشعب وأحلامه في مثل هذه الظروف الحرجة التي كنا نجتازها، وكم تكرر تعرضي للنقد من وزراء آخرين غير الزميل المسؤول عن الأمن، دون أن يزحزحني هذا عن موقفي قيد أنملة، ولم يحدث أن أذعنت لهذه الآراء المضادة أو أوقفت عرض أية مسرحية من المسرحيات إلا في القليل النادر الذي كنت أقتنع فيه برأس الرافضين.

يحكي عكاشة عن تصديه لتقارير وزارة الداخلية والاتحاد الاشتراكي التي طالبت بوقف عرض مسرحية «ثورة الزنج»، وتدخله عند عبد الناصر لإقناعه أن وقف عرضها، سيكون أكثر إثارة للقيل والقال من الاستمرار في عرضها، فوافقه عبد الناصر على رأيه واستمر عرض المسرحية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة