الأعمدة السبعة للشخصية المصرية.. كتاب ميلاد حنا الذي استمد منه منتدى شباب العالم رؤاه
الإثنين، 08 أكتوبر 2018 05:00 م
"الحكمة بنت لها بيتا..شيدته على سبعة أعمدة"..تطالعك هذه المقولة حينما تتصفح كتاب "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" للمفكر الراحل ميلاد حنا، وهو العنوان الذي يستمد منه منتدى شباب العالم رؤاه والمزمع انطلاقه في التاسع من نوفمبر المقبل بشرم الشيخ.
وتسلم "ميلاد حنا" الجائزة في احتفال مهيب يوم الاثنين 19 أكتوبر 1998، بالقاعة الكبرى لمبنى اليونسكو في باريس، واقتسم حنا الجائزة مع زعيم ومحرر البرتغال من الفاشية "ماريو سوارش" والذي انتخب أول رئيس جمهورية مدني للبرتغال عام 1986.
نشر "ميلاد حنا" الكتاب عام 1989، في دار الهلال، وتدور فكرته المحورية على أن الشخصية المصرية غنية بالانتماءات التي تراكمت لدى كل مصري عبر الزمان، وبتأثير المكان، فعبر الزمان تأثر المصري بالحضارات المختلفة التي مرت على مصر، فما من مصري إلا ويعتز بانتمائه إلى حضارة الفراعنة، وجدوده المصريين القدماء، الذين قدموا تراثا إنسانيا رائعا، وعظيما، وفريدا من نوعه، ومن ثم يرى ميلاد حنا أن العمود الأول للشخصية المصرية هو العمود الفرعوني الذي يزهو ويفخر به أي مصري، ويعتبره الركيزة الثقافية التي يقف عليها المصريون، بصرف النظر عن انتمائه الديني أو أي من الأعمدة السبعة الأخرى.
في الفصل الثالث من الكتاب يعرض ميلاد حنا لباقي الأحقاب والرقائق التاريخية المتراكمة لدى مصر، وتركت آثارها على الهوية أو الشخصية المصرية، فالطبقة التي تلت الحقبة الفرعونية هي الحقبة المسماه اليونانية الرومانية، ويراها حنا حقبتين قصيرتين متداخلتين في مرحلة انتقالية مهمة، تفصل بين المرحلة الفرعونية، وصولا إلى حقبة الأديان السماوية، أي المسيحية، والإسلام.
ويرى حنا أن تلك الحقبة، تركت بصمتها على تاريخ مصر، وصارت بالفعل أحد أعمدتها الثقافية، وربما اعتبرها البعض أضعف الأعمدة المصرية حسبما يقول حنا في الكتاب، لكنه لا يمكن إغفالها ويجي بعدها العمود القبطي، وهو متداخل في بدايته مع الحقبة اليونانية الرومانية، ومتداخل في نهاية العصر القبطي مع الحقبة الإسلامية، ويقول ميلاد حنا: من المؤكد أن استمرار المسيحية القبطية حتى الآن يعطي الشرعية الموضوعية والشكلية للعمود القبطي، ليكون متواجدا ومستمرا ومؤثرا في التركيبة المصرية حتى الآن.
ويشير حنا إلى أن تفضيل المؤرخين انتهاء العصر القبطي مع دخول العرب مصر عام 641 م، إجحاف علمي وثقافي ووجداني، لأن غالبية مصر استمرت مسيحية عدة قرون بعد دخول العرب لمصر، كما أن اللغة القبطية استمرت هي اللغة الشعبية السائدة في مصر طيلة القرنين السابع والثامن، ثم كانت مشاركة في الحياة اليومية مع اللغة العربية طيلة القرنين التاسع والعاشر إلى دخول الفاطميين مصر عام 969 ميلادية.
ثم تأتي الطبقة الرابعة من طبقات مصر، وهي حقبة الحضارة الإسلامية، وكما ساهمت مصر في صياغة الفكر المسيحي في العالم، ساهمت مصر في الحضارة والفكر والفقه الإسلامي، ليس فقط لأنها قبلت الفتح الإسلامي في القرن الأول الهجري، لكن لأنها أنشأت مع دخول الفاطميين في القرن العاشر أول صرح فكري إسلامي في عصره وحتى الآن، ومن ثم فإن مصر تتميز عن باقي الدول الإسلامية، بأن بهعا إسلاما واحدا يتميز بخصائص ثقافية فريدة في الواقع اليومي المعاش، فلا هو بالسني المصفى، ولا هو بالشيعي الزاعق، وبدأ الإسلام في مصر سنيا في القرون الأولى للهجرة، ثم صار شيعيا مع دخول الفاطميين في القرن العاشر، وأنشأوا الجامع الأزهر نسبة إلى فاطمة الزهراء، وكان مركز فكر شيعي لنحو قرنين من الزمان، وعندما دخل صلاح الدين مصر، أمر بأن يتحول الجامع الأزهر لينشئ الفكر السني، وهكذا احتوى الأزهر الإسلام في مجمله دون تحيز أو تعصب.
ولفت "ميلاد حنا" في كتابه إلى أن غرضه الرئيسي ليس فقط عرض الأوجه السياسية لانتماءات مصر التاريخية والجغرافية، بقدر ما هو تحليل للتركيبة الثقافية للمصري في العصور الحديثة، وكيف أنه متأثر بتاريخه وموقعه، ومن ثم فإن الكتاب لا يتعرض لصراع الحضارات على حد وصف حنا.