دنيا ومدهونة دولة.. لماذا يتعامل السائقون مع المواطنين بمبدأ القاضى والجلاد؟
الأحد، 07 أكتوبر 2018 09:00 ص
وقف إلى جوار سيارته المغلقة أبوابها، يتفاوض مع الركاب الواقفين على الأرض ينتظرون رحمة قائد السيارة، حتى ينقلهم إلى مقرات أعمالهم.. ما سبق هو مشهد يتكرر كل يوم بصورتين مختلفتين، العوامل المشتركة بينهما، هي موقف السائق والركاب، المؤشرات تؤكد أن "دولة الميكروباص"- المواصلات بشكل عام- هي الرابح الأول والأخير.
"دولة الميكروباص".. هو المصطلح الأقرب لسياسية السائقين وطريقة تعاملهم مع المواطنين، فهم بمثابة الحاكم بأمره في هذه القضية، فهم القاضي والجلاد، وأصحاب الكلمة العليا، يفرضون سياستهم غير القابلة للنقاش في الأوقات المتاحة لهم، في حين أنهم يتراجعون عنها في الوقت الذي يرون أنه الوقت المناسب.
المشهد الأول لدولة الميكروباص
في الليالي الحالكة، والتي يكون في الزحام خانقا، يصبح سائقي الميكروباص، بمثابة الجلاد، الذي يصفع أصحاب الحاجة تارة ويستجديهم الأخرى، فقد ترى سائق خط ما يقترب من الزحام المنتظر وسيلة النقل، "مغلق الأبواب.. شاحب النظر، غاضب بشدة، يتخير راكبي سيارته- وكأنه يقف في سوق للخضار يتخير طعامه- وقد يتفاوض في بعض الأحيان على الأجرة التي تم تحديدها".
بائع جشع يحتكر سلعة ما ويستغل حاجة المواطنين لها.. حتى أن بعض ها المواقف تشهد المشدات الجامحة التي تصل في بعض الأحيان إلى عراك، يكون المنتصر به دائما السائق دون منازع، وسيناريوهات مشهد المشدات ينحصر في عدة نقاط، وهي: "إما أن يرفض السائق أن يركب أحد سيارته لدقائق حتى يتخير المحظوظين الذين يدخلون رحمته، وفي أخرى تصل إلى معركة يلتف فيها السائقين حول زميلهم، لبث الرهبة في قلوب الموجودين".
المشهد الثاني لدولة الميكروباص
وهي لحظة انتصار الراكب، وتأتي تلك اللحظات حين تكون التكدسات قليلة، ويبحث آنذاك قائدي السيارات عن الراكبين، حتى أنهم في بعض الأحيان يستجدون الركاب، حتى يتمكنوا من استكمال عدد الركاب القادر على تحقيق الربح لهم.
ربما تكون تلك اللحظة هي التي يحصل فيها الراكب على حقه، حتى أن بعض الركاب يتخيرون السيارات المراد استقلالها، وكأنها حرب أزلية بين الراكب وقائد السيارة، إلا أن الحرب لا تتوقف، ففي الصباح الباكر ينتظر الراكب، رحلة المعاناة، والعودة إلى المشهد الأول مرة أخرى.
استراتيجية السائقين
يحيط سائقي الميكروباص، أنفسهم بهالة تبث الرعب في قلوب العديد، ربما خوفا من انتفاضة الركاب ضدهم، وربما خوفا على أرزاقهم المحفوفة بالمخاطر، والتي قد لا يجدونها في إحدى الأيام، بسبب المرض أو عدم القدرة على العمل، ولهذا يرسم السائقين حول أنفسهم هالة من التجبر والقوة، وربما البلطجة التي تكاد تكون أقرب لكذبة يعيشونها.
ربما تلك الهالة هي ما منحتهم القدرة على التحكم في أقدار الركاب في الوقت الذي تتكدس فيه الركاب- أوقات الذروة- وربما لعلمهم بأن تلك الفترة هي الأنسب لتحقيق أكبر قدر من الربح، ولكن من يتفحص الأمر أكثر ويحلل المشهد الثاني، يدرك جيدا أن كل ما يحدث هو مجرد اصطناع لكذبة تم تغليفها بحبكة درامية، وعلى خلفيات قد تكون من زمن مضى.
كيف يرى السائقين الركاب
"في جنيه هناك أهو".. كلمة ربما يكون سمعها الكثير فيما مضى أثناء ركوبهم مع السائقين، وهي تعكس مدى إدراك السائقين، ورؤيتهم للراكبين، فهم يتعاملون معهم، وكأنهم أموال ملقاة على الأرض تنتظر من يجنيها، كالثمار على الأشجار التي تنتظر موسم الحصاد حتى يجنيها الفلاح.
لن أحمل كاهل السائق كافة الأخطاء التي تحدث من قبلهم، فنحن أيضا مشاركون بها، وربما كان سبب رهبته، هو يقينه بأنه لا يعمل عملا ثابتا، إذا أصابه مكروه أثناء أداؤه عمله لن يجد المعيل له ولأسرته، فهو متيقن أنه وفي حالة سقوط لن يجد من يحنو عليه ويعيله حتى يتمكن من العودة مرة أخرى إلى عمله.