19 عاما على نوبل زويل في الكيمياء.. الفتح العلمي العربي الوحيد الذي لم يتكرر
الأربعاء، 03 أكتوبر 2018 06:00 م
كانت مصر تتأهب لدخول الألفية الجديدة، وموضوعات الحداثة والعلم غير مطروحة على أجندتها السياسية، كان أكثر تخوف ينتاب المصريون والعالم، أن تضطرب حواسيبهم وأجهزة كمبيوتر المصالح الحكومية، ووصلت المخاوف حد التحذيرات التي كانت تتحدث عنها الصحف، من أن "الداتا" في خطر، مصر كانت على مبعدة شهرين من سنة 2000، وفجأة، وفي أكتوبر عام 1999، أعلنت الأكاديمية السويدية في استوكهولم الخبر، لقد نال العالم أحمد حسن زويل جائزة نوبل في الكيمياء.
اليوم وبينما يقتسم العلماء فرانسيس أرنولد وجورج سميث وجريجوري وينتر جائزة نوبل في الكيمياء، وبعد مرور 19 عاما على نوبل زويل، التي نالها عن أبحاثه في مجال كيمياء الفيمتو حيث قام باختراع ميكروسكوب يقوم بتصوير أشعة الليزر في زمن مقداره فيمتو ثانية، وهكذا يمكن رؤية الجزيئات خلال التفاعلات الكيميائية مما نصبه باقتدار رائدا لعلم كيمياء الفيمتو، ولقب بأبو كيمياء الفيمتو.
عمل أحمد زويل المولود عام 1946، والمتوفي منذ عامين، أستاذا للكيمياء والفيزياء في معهد كاليفورنيا للتقنية، وانطلق من دمنهور حيث ولد، وتعلم في جامعة الإسكندرية، إلى منحة دراسية حصل عليها من جامعة بنسلفانيا في علوم الليزر، بعد حصوله من مصر على الماجستير عن بحثه في علم الضوء، ثم عمل باحثا في جامعة كاليفورنيا في الفترة من 1976، بعدما حصل منها على الدكتوراه في علوم الليزر، ثم انتقل للعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وفي العام 1982، حصل زويل على الجنسية الأمريكية.
لم تنحصر سيرة أحمد زويل فقط في مجال الأبحاث العلمية، بل وضع كتابا مهما هو "عصر العلم" الذي نشرته دار الشروق سنة 2005، استهله زويل بالإشارة إلى أن الثورة العلمية الراهنة هي محصلة تاريخ العلم، قائلا: العالم يمر اليوم بمرحلة صعبة، من السياسة إلى الاقتصاد، ومن الثقافة إلى الاجتماع، وهي أحداث تجري في سرعة مذهلة، وبعضها يمر كالشهب، دون فرصة للإبصار أو قدرة على الإدراك.
يتحدث زويل في كتابه عن انكماش الزمان، والمكان، وحلول مقاييس جديدة ومرعبة في قياس ذلك الانكماش، فأصبح المريخ على بعد دقائق من الأرض، وأصبح بمقدور العلم أن يعبر إلى داخل الثانية، تفتيتا وتجزيئا، كما أصبح ممكنا استنساخ الخلايا والأعضاء الحيوية، وفك رموز الشفرة الجينية البشرية.
انشغل زويل بالتساؤلات التي طرحها في كتابه، وعلى رأسها: كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من التطور، وما هي طريقة الوصول إليها؟ وما الذي يحمله المستقبل من جديد للناجحين والخاملين؟
يربط زويل بين حصوله على جائزة نوبل في العام 1999، وبين ختام القرن العشرين فتوحاته العلمية، ليستكمل فتوحات أخرى في قرن جديد، ومنذ ذلك الحين، ألتقى زويل بالكثير من الزعماء والقادة السياسيين والفلاسفة والمفكرين ورجال الاقتصاد والإدارة.
والكتاب يأخذ شكل السيرة الذاتية، يحكي زويل في أول فصوله الذي عنونه "بين النيل والمتوسط البداية" عن لحظات ميلاده، ويتمنى لو كان له الوعي الكامل لهذه اللحظة، إذ وُلد بعد عام واحد من انتهاء الحرب العالمية الثانية، في مدينة دمنهور، عاصمة البحيرة في الدلتا، ويحكي زويل عن دمنهور بقوله: هي مدينة فرعونية قديمة، يعتقد أنها كانت تضم معبدا لعبادة إله السماء الإله حورس، ثم تحور الاسم مع الزمن إلى ما هو عليه الآن، ويعتقد زويل أن اسم المدينة لم يأت من كونها موطنا لمعبد إله السماء، ولكن لأن الشمس ممثلة في إحدى عينيه، والقمر في الأخرى.
يحكي زويل في عصر العلم عن طفولته في مدينة دسوق، عاصمة كفر الشيخ، التي تنتمي إليها عائلة والده ويتطرق زويل إلى أهمية مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي في حياته، وكيف حدد هذا المسجد معالم طفولته المبكرة، إذ كان ورفاقه من الأطفال ينجذبون للمسجد للصلاة والمذاكرة، وشكل المسجد نواة للدراسة الجدية في صغره، ويلفت زويل في كتابه إلى المساجد في الإسلام لم يقتصر دورها فقط على أداء الصلوات والعبادات، بل كانت للتعليم والدراسة أيضا.
اللافت في الكتاب أن زويل يربط في أسلوب حكيه بين المستقبل والماضي، على نحو ما يقول: مرت الأيام ونحن في دسوق، ولم يرد في خاطري أن أحظى بما يحظى به بعض شباب اليوم، فلم نفكر على سبيل المثال أن نقضي عطلة الصيف في أحد مصايف إسبانيا، أو أن أذهب إلى المدرسة وأنا أقود سيارة فاخرة، وحينما أشاهد أولادي وهم يأخذون دروسا في السباحة والرسم وكرة السلة وكرة القد، والكمان، أشعر أنني حينما كنت في سنهم، كنت أعيش في كوكب آخر، صحيح أننا كنا نلعب كرة القدم، ولكن باستخدم كرة صنعناها من بعض جواربنا القديمة.
كتاب عصر العلم من الكتب الممتعة للقارئ، حتى بعد مرور هذه السنوات على صدوره، وكذلك مناسبة لتذكره في الذكرى التاسعة عشرة لنيل صاحبه جائزة نوبل العربية الوحيدة في علم الكيمياء.