قراءة في عقل منتجي الأعمال الفنية في مصر.. دراما وسينما ومسرح لم ينجح أحد
الأربعاء، 03 أكتوبر 2018 01:00 مصابر عزت
كوب من القهوة على مكتب مليء بالأوراق المبعثرة.. وعلي يمين المكتب كوبا به مجموعة من الأقلام، وإلى اليسار مجموعة من الكتب التي تنوعت ما بين الأدب والتاريخ.. ورجلا يرتدي نظارة ويضع في أذنه قلما، قابضا في يده اليسرى على كوبا أخر من الشاي، ويضع في فمه قلما.. يفكر في كتاب سطور متناسقة ونص حواري من وحي الخيال.
ما بين الحين والأخر يندفع ذك الشخص بجسده شبه مهرولا ليكتب بعض الكلمات، سم يتوقف ويعيدها تارة، وأخرى يستكمل فيها ما بدأه.. حتى تأتي اللحظة الحاسمة ويرفع رأسه فرحا، وكأنه انتصر في معركة الحياة أو الموت، ويضع قلمه بعنف على الورقة الختامية والتي كان قد كتب عليها بخط عريض «النهاية».. هذا هو الوصف القابع في رأس الجمهور عن مؤلفي الأعمال الفنية حول العالم.
لن أجزم بشيء فربما كان تخيلات البعض حقيقية، وربما هم أيضا ينسجون «سيناريوهات» من وحي الخيال- ولا تغتر كثير فليس كل من ينسج القصص من وحي الخيال يصلح لآن يكون مؤلفا- وبالعودة للحديث عن القصص المعروض حاليا سواء كانت على شاشات التلفاز، أو في دور السينما- ولن أتحدث عن المسرح حاليا- أقرب ما يقال عنها أنها (copy- past).
المؤلف لا يقع على عاتقه أزمة تكرار الدراما المعروضة.. أنما الأزمة بأكملها تقع على عاتق «منتجي الأعمال الفنية»- إلا من رحم ربي- فالهدف الأول والأخير لمنتجي الأعمال الفنية، هو جني ثمار ما زرعته أيديهم- والمقصود الأجور الجزافية التي تدفع للممثلين في تلك الأعمال- حتى يتمكنوا من استكمال مسيرتهم في ضخ المزيد من الأعمال التي تدر عليهم المال الوفير.
عقلية المنتج في اختيار الأعمال
في البداية أعتزم ألا أذكر أعمال بمسمياتها.. قبل فترة طويلة من الزمن- ولا أبالغ في تلك الكلمات- كانت الأعمال الفنية أو القصص المنسوج تخضع لعدة معايير هامة، أهمها المحتوى ومدى اتساقه مع الواقع الذي نعيشه، لذلك ظلت العديد من الأعمال التي مر عليها الزمان قابعة في أذهاننا لا ترحل.
حتى أن العديد من المؤلفين حول العالم، نسخوا قصصا مصرية، ودمجوها في ثقافتهم.. كانت الروايات التي تعرض تتحدث عن الواقع- ولعل من أهمها روايات نجيب محفوظ التي تحدثت عن الحارة المصرية البسيطة- والتي شكلت فارق كبيرا في الأعمال الفنية آنذاك.
على الجانب الأخر، وبالعودة للألفية الجديدة، أكاد أجزم أن الأعمال الفنية المعروضة خلال الفترة الحالية، نصا وحوارا، مأخوذة من أعمال عالمية، أو أعمال فنية قديمة وتم استحداثها مرة أخرى.
حتى أن العديد من الأفلام- إلا من رحم ربي مرة أخرى- تعتمد في تحقيقها للربح على عدة عوامل لا تتغير، وهي: «الكلمات الإباحية المستترة، الأغاني التي لا تحمل معاني ذات جدوى- مثال المهرجانات- والراقصات، ومشاهد الاغتصاب والعري التي تثير الغرائز».
إستراتيجية تطوير العمل الفني
في البداية كانت الأعمال الفنية، تهدف إلى ترويض النفوس، وتطوير المجتمع، وبث الثقافات والعلوم في شكل قالب فني، يسمو وينمي المجتمع.. ولكن على ما يبدو أن هذه الصناعة تطورت بشكل كبير أصبح الهدف الأول والأخير منها هو الربح، فبعد أن كانت مصر أرض الفنون، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تقديم أعمال هابطة بشكل كامل- إن لم يكن حدث في بعض الأعمال.
إستراتيجية منتجي الأعمال في هذا الأمر هي بسيطة للغاية، فعلى ما يبدو أن عالم السوشيال ميديا، أصبح المتحكم الرئيسي في أفكارهم، والكلمات الهابطة أصبحت هي السند الأساسي الذي يتكأ عليه أصحاب رأس المال في الأعمال الفنية.
فقد انتشرت سموم الدراما، التي تطورت بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، بفضل تراكمات لبعض الأعمال، التي كانت تحض على: «العنف، والبلطجة، والسرقة، والنصب»- والعديد من تلك الأعمال معلومة ولا تحتاج إلى ذكرها- وهو ما أثر خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير في تركيبة النشء الجديد، الذي انتهجها الأطفال في المدارس والطرقات خلال الفترة الماضية، ورصدتها المواقع الإخبارية.
تحقيق الربح السريع للمنتجين
عومل تحقيق الربح للمنتجين، محدودة ولا تحتاج إلى كثير من الجهد، وهي: «نص ناجح يتم إعادة تدويره، والاعتماد على نجوم لهم قاعدة جماهيرية كبيرة، والأغاني الهابطة، والراقصات، والمشاهد الجنسية الساخن التي تعتمد على الإثارة».
تعددت الأعمال الدرامية والسينمائية والطريقة في تحقيق الربح واحدة، ويبدو أن الإستراتيجية المعتمدة في الإنتاج بالنسبة للقائمين على الأعمال الفنية- إلا من رحم ربي للمرة الثالثة- واحدة، نهيك عن الهبوط التام في الإنتاج المسرحي.
لماذا أظلمت خشبة المسرح
يبدو أن المسرح لم يعد يؤتي ثماره للقائمين على العمل عليه، فأصبح عرضة للفتك به من غير الموهوبين والفرق الشابة التي تنشأ بين الحين والأخر، وتستخدم مواردها المالية لعرض إحدى النصوص التي حصلت على موافقة رقابية عليها، دون أن تقد قيمة مضافة.
فعلى مدار عشرات السنوات الماضية، لم تنتج خشبة المسرح رصيدا فنية يعج بالأعمال التي يمكن عرضها على الشاشات، كما كان يحدث في الماضي، بل اعتمدت قصور الثقافة، والفرق المستقلة على ذاتها في تقديم تلك الأعمال، نظرا لغياب الإنتاج الجيد الذي يدعمها.
في الماضي، كان النجوم الكباري يسعون لإنشاء فرق مسرحية، تنتج أعمال بشكل مستمر، حتى أن بعض تلك الفرق، والتي كان دائما لها ميزانية إنتاج مستقلة، يعرضون كل يوما عرضا جديدا، إلا أن التطور الدرامي والسينمائي، حد من انتشار المسرح.
ربما كان الربح، وعدم تفرغ النجوم، بسبب انشغالهم في التجهيز للأعمال الموسمية السبب، وكان الناتج عن ذلك، هو اندثار الأعمال المسرحية، وإظلام الخشبة التي أخرجت إلى النور نجوما خلدوا أسمائهم في عالم الفن، بحروف من النور.
خلاصة الحكاية
كل الأعراض التي يعاني منها: «التلفاز، والسينما، والمسرح»، هي روافد فكر، ينتهجه المنتجين، والقائمين على إخراج الأعمال الفنية للنور، فسعيهم خلف تحقيق الربح السريع، كان السبب الأول والأخير في تحقيق الربح، بالإضافة إلى تدهور المواد المعروضة، وبث النصوص التي لا تحمل قيمة فنية أو مضافة.
أما عن النصوص التي يعاد تدويرها، والتي يتم استيرادها من الخارج، ويعمل المؤلفون على تعريبه، فهي تحتاج إلى وقفه حاسمة، فمخزوننا المصري، زاخر بالأفكار والقصص التي كانت محط أنظار العالم، حتى أن بعض تلك الأعمال تم استنساخها من قبل الغرب.