"حقوق شعبنا ليست للمساومة".. النص الكامل لكلمة الرئيس الفلسطيني أمام الأمم المتحدة
الخميس، 27 سبتمبر 2018 08:39 م
في مستهل كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي كانت بعنوان "حقوق الشعب الفلسطيني ليست للمساومة"، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن "سنبقى مؤمنين بالسلام، ونحافظ على السلام، وسنصل لدولتنا المستقلة بالسلام، لأن الله معنا، ولأن قضيتنا عادلة ولأن شعبنا ضحى بالكثير، ولأنكم أنصار السلام".
وفيما يلي نص خطاب الرئيس عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدة ماريا فرناندز رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة،
السيد انطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة،
السيدات والسادة المحترمون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في مثل هذه الأيام من العام الماضي، جئتكم أطلب الحرية والاستقلال والعدل لشعبي المظلوم، الذي يرزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي منذ 51 عاماً، وأعود إليكم اليوم وهذا الاحتلال الاستعماري ما زال جاثماً على صدورنا، يقوض جهودنا الحثيثة لبناء مؤسسات دولتنا العتيدة، التي اعترفت بها جمعيتكم الموقرة عام 2012.
خلال هذا العام ايها السيدات والسادة انعقد المجلس الوطني الفلسطيني، برلمان فلسطين، حيث جرى تجديد شرعية مؤسساتنا الوطنية، بانتخاب قيادة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وقد اتخذ هذا البرلمان قرارات هامة تُلزمني بإعادة النظر في الاتفاقات الموقعة مع الحكومة الإسرائيلية، السياسية والاقتصادية والأمنية على حد سواء، وفي مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصبحت مع الأسف دون سلطة، كما طالبني بتعليق الاعتراف بدولة إسرائيل، إلى حين أن تعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، وذلك على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وكذلك طالبني أيضا بالتوجه للمحاكم الدولية (بما فيها المحكمة الجنائية الدولية)، للنظر في انتهاكات الحكومة الإسرائيلية للاتفاقات الموقعة، واعتداءات الجيش الإسرائيلي والممارسات الإرهابية للمستوطنين على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا الدينية.
ونلاحظ وتلاحظون أيها السيدات والسادة، أن المستوطنين الإسرائيليين وحتى الجيش الإسرائيلي في كل يوم يدوسون قدسية مقدساتنا وعلى رأسها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة يوميا".
أيتها السيدات والسادة،
في شهر (يوليو) الماضي، أقدمت إسرائيل على إصدار قانون عنصري تجاوز كل الخطوط الحمراء، أسمته "قانون القومية للشعب اليهودي"، ينفي علاقة الشعب الفلسطيني بوطنه التاريخي، ويتجاهل حقه في تقرير المصير في دولته، وروايته التاريخية، وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، كما أن هذا القانون يقود حتماً إلى قيام دولة واحدة عنصرية (دولة أبرتهايد) ويلغي حل الدولتين، إسرائيل تمارس العنصرية، لكنها توجت ذلك بهذا القانون.
ويميّز هذا القانون ضد المواطنين العرب أيضا في إسرائيل، عندما يعطي حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرياً لليهود، وبذلك يشرِّع التمييز ضد هؤلاء المواطنين العرب الذين يمثلون 20% من سكان إسرائيل، وكذلك ضد غير اليهود ممن هاجروا إليها، ويخرجهم من دائرة المواطنة، هناك على الأقل 5 % من سكان إسرائيل الحالية هاجروا وهم ليسوا يهودا -مسيحيين ومسلمين- هاجروا من الاتحاد السوفييتي السابق، هؤلاء أيضا أخرجوا من دائرة المواطنة.
إن هذا القانون يشكل خطأً فادحاً وخطراً محققاً من الناحيتين السياسية والقانونية، ويعيد إلى الذاكرة دولة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، ولذلك فنحن نرفضه وندينه بشدة، ونطالب المجتمع الدولي وجمعيتكم الموقرة برفضه وإدانته، واعتباره قانوناً عنصرياً باطلاً وغير شرعي، كما ادانت الأمم المتحدة دولة جنوب إفريقيا سابقاً في قرارات عدة، علماً بأن الآلاف من اليهود الآن والمواطنين الإسرائيليين رفضوا هذا القانون، 56 نائبا من الكنيست من أصل 120 رفضوا هذا القانون، لأنهم يعتقدون أنه قانون التمييز العنصري، فأرجو من الأمم المتحدة أن تحذو حذو جزء هام من سكان إسرائيل برفض هذا القانون.
هذا القانون العنصري، أيتها السيدات والسادة، يتحدث عما يسمونه أرض إسرائيل، فهل لكم أن تسألوا الحكومة الإسرائيلية، أين هي أرض إسرائيل؟! وما هي حدود دولة إسرائيل التي أتحدى أن يعرفها أحد منكم؟!، أين هي حدود دولة إسرائيل؟ موجودة في الخارطة؟ لا، ليتفضلوا ويحددوا دولتهم، لا يوجد".
إن هذا القانون العنصري يشكل وصمة عار أخرى في جبين دولة إسرائيل، وفي جبين كل من يسكت عنه، وكذلك القوانين الإسرائيلية الأخرى التي شرعت القرصنة وسرقة أرض وأموال الشعب الفلسطيني.
أيتها السيدات والسادة،
لقد تعاملنا بإيجابية تامة مع مبادرات المجتمع الدولي المختلفة لتحقيق السلام بيننا وبين الإسرائيليين، ومن ضمنها مبادرة السلام العربية التي اعتمدت في قرار مجلس الأمن 1515، وتعاملنا مع إدارة الرئيس ترامب منذ وصوله إلى سدة الحكم بذات الإيجابية، ورحبنا بوعده بإطلاق مبادرة لتحقيق السلام، والتقيت معه عدة مرات على مستوى القمة.
وانتظرنا مبادرته بفارغ الصبر، ولكننا فوجئنا بما أقدم عليه من قرارات وإجراءات تتناقض بشكل كامل مع دور والتزامات إدارته تجاه عملية السلام، حيث قامت هذه الإدارة في شهر (نوفمبر 2017) بإصدار قرار يقضي بإغلاق مكتب منظمة التحرير في العاصمة الأمريكية، وقام هو بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، وأصبح يتفاخر بأنه أزاح قضية القدس واللاجئين والمستوطنات والأمن من على طاولة المفاوضات، الأمر الذي يدمر المشروع الوطني الفلسطيني، ويشكل اعتداءً على القانون الدولي والشرعية الدولية، وتمادت الإدارة في عدوانيتها بقطع المساعدات عن السلطة الوطنية الفلسطينية وعن وكالة الغوث (الأونروا)، وكذلك عن المستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة، ثم يتحدثون عن المساعدات الإنسانية، حتى المساعدات الإنسانية قطعوها.
وبمجمل هذه المواقف تكون الإدارة قد تنكرت لالتزامات أمريكية سابقة، وقوضت حل الدولتين وكشفت زيف ادعاءاتها بالحرص على الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين. وما يثير السخرية أن الإدارة الأمريكية لا تزال تتحدث عما تسميه "صفقة العصر"، فماذا تبقى لدى هذه الإدارة لتقدمه للشعب الفلسطيني: هل هي فقط حلول إنسانية؟ لأن "أميركا" عندما تزيح عن الطاولة القدس واللاجئين والأمن وغيرها، ماذا يتبقى لتقدمه لنا كحل سياسي في الشرق الأوسط؟.
ما زال الكونغرس يصر على اعتبار منظمة التحرير، التي تعترف بها الأغلبية الساحقة من دول العالم، بما في ذلك إسرائيل، إسرائيل تعترف بمنظمة التحرير، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، هذا ما تعترف به اسرائيل، أما الكونغرس الأميركي فاعتبرها منظمة إرهابية، في وقت تتعاون فيه دولة فلسطين مع معظم دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب. فلماذا كل هذا العداء المستحكم للشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت احتلال تدعمه الولايات المتحدة؟.
نقول لهم، مواقفنا واضحة بشكل عام ومطلق لكل الناس، ونتحداهم إن كنا أخطأنا مرة، إن كنا ارتكبنا خطأ واحدا في مسيرتنا الطويلة، ومع ذلك، يأتي الكونغرس ليقول إننا منظمة ارهابية، كيف؟ لا أدري، هو يقرر وعلينا ألا نستمع.
لقد عرضنا على الإدارة الأمريكية على مدى سنوات تشكيل لجنة فلسطينية-أمريكية للبحث في مكانة منظمة التحرير الفلسطينية السياسية والقانونية حتى نثبت لهم بأن منظمة التحرير هي منظمة ملتزمة بتحقيق السلام وبمحاربة الإرهاب، وأن قرار الكونغرس بشأنها هو قرار تعسفي وغير قانوني وغير مبرر، ويتجاهل بشكل متعمد الاتفاق الرسمي مع الإدارة الأمريكية لمحاربة الإرهاب، هذا الاتفاق الذي عقدناه مع 83 دولة أخرى، لدينا بروتوكولات مع 83 دولة من دولكم تحت عنوان محاربة الإرهاب، بما في ذلك الولايات المتحدة ومع ذلك الكونغرس يسمينا إرهابيين.
ورغم كل ذلك، فإنني ومن على هذا المنبر الموقر، أجدد الدعوة للرئيس ترمب لإلغاء قراراته وإملاءاته بشأن القدس واللاجئين والاستيطان التي تتعارض مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وما جرى بيننا من تفاهمات، حتى نتمكن من إنقاذ عملية السلام وتحقيق الأمن والاستقرار للأجيال القادمة.
هذه جزء من التفاهمات الموقعة بيننا وبينهم، حول كثير من القضايا، الآن تجاهلوها جميعا