يوسف أيوب يكتب.. كيف نجحت سياسة السيسى فى إعادة تشكيل الوعى الأمريكى تجاه مصر
الثلاثاء، 25 سبتمبر 2018 06:21 م
فى سبتمبر 2016 أستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مقر أقامته بفندق "نيويورك بالاس" بقلب حى مانهاتن، بنيويورك، المرشح الجمهورى للانتخابات الرئاسية الأمريكية، دونالد ترامب، الذى كان يخوض حينها منافسة شرسة مع المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون.. بعد اللقاء خرج ترامب وقتها لقناة فوكس التلفزيونية الأمريكية، مشيداً "بالكيمياء" التي شعر بها مع الرئيس السيسي، وقال "اجتماعًا مثمرًا جدًا.. إنه رجل رائع.. اجتمعنا لوقت طويل، كانت توجد كيمياء جيدة، أنت تعرف حين تكون لك كيمياء جيدة مع الناس، كان يوجد شعور جيد بيننا".
الرئيسان عبد الفتاح السيسى ودونالد ترامب خلال لقائهما أمس
فى نفس المكان والقاعة أيضاً، أستقبل مساء أمس الأثنين الرئيس السيسى، دونالد ترامب، لكن بصفته رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وما بين اللقاءين جرت مياه كثيرة فى نهر العلاقات المصرية الإمريكية، التى شهدت شداً وجذباً وتوتراً، كان السبب فيه إدارة باراك أوباما، إلى أن جاء ترامب وأعاد تصحيح مسار هذه العلاقة التى ضلت طريقها بسبب الدعم اللامحدود الذى كانت تقدمه إدارة أوباما لجماعة الإخوان، على أمل أن تكون واجهة الإسلام السياسى فى المنطقة، لتنفيذ أجندة أوباما.
الرئيسان السيسى وترامب يتصافحان
الآن عادت العلاقات إلى مسارها الصحيح، وساعد على ذلك عدة أمور، أهمها إدراك إدارة ترامب، أن القيادة المصرية الجديدة لديها خط واضح فى التعامل مع الملفات الداخلية والدولية، فهى لن تقبل أن تكون تابع، بل نداً فى العلاقات الدولية، ولن تكون متلقى، بل طارحة للمبادرات والحلول، وهو الذى أثر على إعادة تشكيل الوعى الأمريكى تجاه الدولة المصرية، خاصة مع إدراك هذه الإدارة أن أسلوب الضغط سواء كان سياسى أو أقتصادى، لن يجدى نفعاً مع "مصر الجديدة"، وأن الأسلوب الأمثل هو الحوار القائم على الندية والإعتراف بالمصالح المتبادلة، وهو ما يفسر عدد من القرارات الأمريكية الأخيرة تجاه مصر، سواء بإلغاء كل الأستقطاعات التى جرت على المساعدات العسكرية أو الأقتصادية الأمريكية لمصر، ووصولاً إلى عودة مناورات "النجم الساطع"، وما بينهما الكثير من القرارات التى عبرت من خلالها واشنطن عن تغيير فى سياستها تجاه مصر.
الرئيس عبد الفتاح السيسى
لقاء أمس، هو الخامس بين الرئيسين السيسى وترامب، بينهم لقاء كان فيه ترامب مرشحاً، والثانية كانت خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس السيسى للعاصمة واشنطن بدعوة من ترامب، والثالثة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها رقم 72 بنيويورك العام الماضى، إضافة إلى لقاءهما بالقمة العربية الإسلامية الأمريكية التى عقدت بالعاصمة السعودية الرياض العام الماضى.
ترامب
العلاقات الثنائية، والأوضاع الإقليمية، يمكن أعتبارهما عنوان لقمة أمس، خاصة فى ظل الإهتمام المشترك بتعزيز الشراكة الاقتصادية، والاستثمارات، وأرتباط البلدين بعلاقات استراتيجية مستندة على تاريخ طويل من التعاون المشترك، وتكمن أهمية هذه العلاقات فى أنها تعتبر إحدى ركائز الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، وهو ما أيقنته جيداً إدارة ترامب، التى أدركت جيداً أهمية مصر، خاصة تجاه قضايا وأزمات المنطقة، فالأصوات بدأت تتعالى فى الولايات المتحدة بأنه بدون مصر لن تستطيع واشنطن أن تعمل على تشكيل جبهة موحدة ضد الإرهاب فى الشرق الأوسط، ولن يكون هناك حل للقضية الفلسطينية، وستواجه واشنطن الكثير من الصعوبات فى التعامل مع بقية الملفات.
الرئيسان السيسى وترامب
الصعوبة فى التعامل مرجعه أن مصر تمتلك الحل السحرى الذى يفتقده الجميع، فهى لا تعادى أحد، وتفتح أبوابها أمام الجميع، الا من أراد لها سوء، بأختصار تتعامل مصر باستراتيجية الورقة البيضاء، التى لا تنحاز لطرف على الآخر، إلا إذا ظهر أن أحد الأطراف يجور على الآخر، هذا هو سر قوة مصر، الذى جعلها محط أنظار العالم، وعلى رأسه القوى الكبرى وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التى كان رئيسها ترامب هو من أدرك ذلك وأعلنه على الملأ.
الحاصل أن السياسة الجديدة لمصر التى وضع أسسها الرئيس السيسى، سواء فى إحداث نقلة نوعية فى الداخل، أو الإشتباك مع القضايا الإقليمية لتحقيق مصالح شعوب المنطقة، هى التى جعلت الولايات المتحدة تعيد صياغة مواقفها تجاه القاهرة، وتعلم أنها تتعامل مع حليف إستراتيجى أختلف وضعه الحالى عما كان عليه فى الماضى.